موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٧ أغسطس / آب ٢٠٢٣
الجوانب الجيوسياسيّة لزيارة البابا فرنسيس إلى منغوليا

كورتني ماريس :

 

عندما يصل البابا فرنسيس إلى العاصمة أولان باتور في الأول من أيلول، سيصبح أول حبر أعظم في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية يزور منغوليا. لكن الزيارة يمكن أن يكون لها آثار جيوسياسية تتجاوز عدد الكاثوليك الصغير جدًا في البلاد، والذي يبلغ 1450 شخصًا، من أصل 3.5 مليون نسمة.

 

وجمهورية منغوليا هي دولة ديمقراطية ما بعد الاتحاد السوفييتي، وهي أكبر دولة غير ساحلية في العالم. تحدّها روسيا شمالاً، والصين جنوبًا، شرقًا وغربًا. ولا تزال تتمتع بعلاقات قوية مع جيرانها الجغرافيين الصين وروسيا، فضلاً عن علاقة دبلوماسية مهمة مع الولايات المتحدة، التي تسميها منغوليا "جارتها الثالثة".

 

وفي أول خطاب يلقيه البابا فرنسيس في قصر الدولة في منغوليا، لن يخاطب البابا الزعماء الديمقراطيين في منغوليا فحسب، بل سيخاطب أيضًا السلك الدبلوماسي المحلي، الذي يضم مسؤولين في سفارات روسيا والصين وكوريا الشمالية. وهذا الخطاب على وجه الخصوص يمثل فرصة للبابا لتوجيه رسالة إلى موسكو وبكين.

 

 

روسيا

 

وقد أشارت وسائل الإعلام الرسميّة الروسيّة إلى أنها تولي اهتمامًا وثيقًا بزيارة البابا. حتى أن وكالة تاس الإخبارية المملوكة للكرملين اقترحت إمكانية توقف الطائرة البابويّة في مطار موسكو كموقع "محايد" للبابا فرنسيس للقاء البطريرك الأرثوذكسي الروسي كيريل.

 

خلال حقبة الحكم الشيوعي للحزب الواحد في منغوليا في القرن العشرين، كانت علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الاتحاد السوفييتي قوية للغاية، ولا تزال روسيا موردًا أساسيًا للطاقة للدولة الآسيوية.

 

أعطى السوفييت عاصمة منغوليا اسمها الحالي، أولان باتور، الذي يعني "البطل الأحمر" باللغة الروسية، في عام 1924 تكريمًا للشيوعية. استخدمت اللغة المنغولية أبجدية مبنية على السيريلية تشبه الأبجدية الروسية منذ أربعينيات القرن الماضي، على الرغم من أن الحكومة أعلنت عن خطط للعودة إلى النص الرأسي التقليدي للبلاد بحلول عام 2025.

 

واليوم تستورد منغوليا 90% من منتجاتها النفطية من روسيا، وقد امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة التي أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا.

 

وظهرت الحرب في أوكرانيا في العديد من خطابات البابا خلال رحلاته الدوليّة في العام الماضي، بما في ذلك خطابه أمام قادة الحكومة في كازاخستان ما بعد الاتحاد السوفيتي، حيث دعا البابا إلى إنهاء "الحرب المأساوية التي لا معنى لها" في أوكرانيا.

 

نظرًا لدورها الفريد كدولة ديمقراطية أوراسية، فقد تم طرح منغوليا كموقع لمفاوضات السلام المحتملة بين أوكرانيا وروسيا. ويأتي زيارة البابا فرنسيس إلى منغوليا وسط مهمة سلام الفاتيكان بقيادة الكاردينال ماتيو تسوبي، الذي قام بزيارات دبلوماسية إلى كييف وموسكو وواشنطن، وطلب منه البابا أيضًا مواصلة "هجوم السلام" الذي يقوم به الفاتيكان في بكين.

 

 

الصين

 

تشترك منغوليا في حدود يبلغ طولها حوالي 3000 ميل مع الصين، والتي تعد أيضًا الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية لمنغوليا. تاريخيًا، غزا المغول كل الصين خلال القرن الثالث عشر، وبعد ذلك أصبحت منغوليا جزءًا من أسرة تشينغ الصينية لأكثر من قرنين من الزمان، لذلك يمكن للمرء أن يجادل بأن هذه هي أقرب رحلة قامت بها الكنيسة الكاثوليكية على الإطلاق إلى رحلة بابوية إلى الصين.

 

قال الكاردينال الصيني المعيّن ستيفن تشاو من هونغ كونغ، إنه سيسافر إلى منغوليا لحضور زيارة البابا مع وفد يضم حوالي 30 كاثوليكيًا من هونغ كونغ. وفي وقت سابق من هذا العام، أصبح تشاو أول أسقف من هونغ كونغ يقوم بزيارة رسمية إلى بكين منذ ما يقرب من 30 عامًا.

 

أثناء وجود البابا فرنسيس في منغوليا، سيطبق الحزب الشيوعي الصيني قيودًا دينية جديدة، بعنوان "اللوائح المتعلقة بإدارة مواقع الأنشطة الدينية"، والتي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أيلول. وتحظر القيود عرض الرموز الدينية في الهواء الطلق، وأن تعكس العظات "القيم الاشتراكيّة الأساسيّة"، وقصر جميع الأنشطة الدينية على الأماكن الدينية المعتمدة من الحكومة، وفقًا لمنظمة المعونة الصينية.

 

سوف تؤثر القيود المفروضة على الحريّة الدينيّة في الصين على المسيحيين والبوذيين على حد سواء، بما في ذلك في مناطق التبت ومنغوليا الداخلية، وهو ما يمكن أن يكون نقطة حوار محتملة للبعد البوذي الكاثوليكي بين الأديان في رحلة البابا فرنسيس إلى منغوليا. ومن المقرّر أن يشارك البابا، الذي سبق أن استقبل وفدا من الزعماء البوذيين المنغوليين في الفاتيكان، في اجتماع بين الأديان في أولانباتار في 3 أيلول.

 

لقد مرّت العلاقات الفاتيكانية الصينية بعام صعب. وأعلن الفاتيكان الشهر الماضي قرار البابا فرنسيس بالموافقة على تعيين أسقف شنغهاي الذي سبق أن عينته السلطات الصينية دون موافقة الكرسي الرسولي. وهذا هو التعيين غير المصرح به الثاني من قبل بكين منذ تشرين الأوّل 2022.

 

وتهيمن الصين حاليًا على تجارة منغوليا، حيث ترسل منغوليا 86% من صادراتها إلى الصين. ويمثل الفحم غالبية واردات الصين من منغوليا. خلال رحلة رئيس الوزراء المنغولي التي استغرقت ستة أيام إلى الصين هذا الصيف، تحدث رئيس الوزراء عن الارتقاء بالعلاقات الصينية المنغولية "إلى آفاق جديدة" ووقع عقدًا لبناء خط سكة حديد بقيمة 1.8 مليار دولار لزيادة توسيع التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وهو ما يمثل دفعة لواردات الصين من الفحم المنغولي في المستقبل.

 

ومن الجدير بالذكر أن منغوليا وافقت أيضًا على تعميق التعاون في استخراج المعادن النادرة في باطن الأرض مع "جارتها الثالثة"، الولايات المتحدة، خلال زيارة دولة رسميّة قام بها رئيس الوزراء إلى واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر. ووقعت الولايات المتحدة أيضًا اتفاقية "الأجواء المفتوحة" مع منغوليا، مما مهّد الطريق أمام الخطوط الجوية المنغولية للسفر إلى الولايات المتحدة لأوّل مرّة.

 

(Catholic news agency)