موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٨ مايو / أيار ٢٠١٨
البطريرك لويس ساكو يكتب: ’الكنيسة والشأن العام (السياسة)‘

البطريرك لويس روفائيل ساكو :

الكتابة (الاعلام) فن شريف ورسالة، ولا ينبغي أن يبحث الكاتب عن الاثارة وخلق فوضى أوالجري وراء المال. عليه ان يعرض المعلومة بمهنية عالية وينتقد بموضوعية وليس بمزاجية أو انتقائية، خصوصا من يعيش في المهجر وليس له معرفة بالواقع اليومي المُعاش في العراق.

لذا أدعو منتقدي الكنيسة الى مراجعة ذاتهم والخروج من النظرة التقليدية التي نشأوا عليها ويطّلعوا على حقيقة الكنيسة اليوم ورسالتها ودورها وتعليمها الاجتماعي، ودعوات البابا فرنسيس المتكررة الى أن تفتح كنيستنا قلبها وبابها للفقراء والمقهورين والمهمشين والكشف عن معاناتهم وتسليط الضوء على قضاياهم، وتقديم العون لهم.

نشكر الله على أن الكنيسة اليوم أكثر انتباهاً الى واقع الناس ومخاوفهم وتطلعاتهم والتحديات التي تواجههم، وهي أكثر وعياً بدورها النبوي وأكثر اهتماماً بالبحث عن أساليب جديدة لتجسيد تعليمها ورسالتها.

الكنيسة تؤمن بأن "الوجود" هو وجود مع الاخرين والارتباط بهم في علاقة محبة ورعاية شاملة. وإن الدين يمتزج بالحياة العامة، وهو لخدمة الناس في كل أبعاد حياتهم ليعيشوا بحرية وكرامة تطبيقاً لقول المسيح "اتيت لتكون لهم الحياة وبوفرة" (يوحنا 10/10).

الكنيسة تتدخل عندما يتعلق الأمر بالبلد والناس في قضايا مصيرية. وصمتها غير مقبول في مثل هذه الحالات!! ومن حق الكنيسة التدخل في الشؤون العامة وممارسة تاثيرها الإيجابي على الوضع العام. ويجب أن تكون للكنيسة كلمة في الشأن العام Res publica كالتغييرات الجادة التي طرأت على المجتمع في مجالات عدة، وما نتج عنها من ظلم وإرهاب واحجاف. إن الضرر الذي لحق بالمسيحيين خلال السنوات الماضية، رغم أنهم سكان البلد الأصليين، كان فادحاً، بتهجيرهم من أرض أجدادهم وتهميشهم ومسح معالمهم مما إضطرهم الى ترك البلاد وتسبب في تقليص عددهم من المليون والنصف الى نصف المليون. انها مأساة انسانية حقيقية.

الكنيسة لا تتدخل بشكل مباشر في السياسة، الا أنها تتاثر بشدة باالقرارات السياسية التي تزعزع النسيج الاجتماعي والوطني، وترى انه من واجبها أن تضطلع بدور استباقي في دعم اللحمة الوطنية، والدفاع عن حقوق الناس والحرية الفردية، وسيادة القانون، وبناءِ السلام العادل والشامل والدائم والاستقرار، إضافة الى الاستجابة بشكل مناسب لمخاوف رعاياها وحاجاتهم. هذا ما فعله البطريرك والأساقفة والكهنة. لقد وقفوا الى جانب الناس في محنتهم بروح وطنيّة تضامنيّة وسعوا مع المسلمين والاخرين لاشاعة مفهوم المواطنة والتعايش السلمي والتسامح وإزالة كل ما ينتقص من كرامة الانسان وحريته. انهم لا يبحثون عن منصب أو جاه أو مال، بل يسعون الى خدمة الناس على قدر امكانياتهم وظروف بلدهم. إنهم بحاجة الى التشجيع بدل التجريح.