موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٨ فبراير / شباط ٢٠١٣
البطريرك لحام يوجه رسالة الصوم: التضامن في الإيمان والمحبة

ليبانون فايلز :

وجه البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس رسالة الصوم للعام 2013 بعنوان: "التضامن في الإيمان والمحبة"، إلى المطارنة وسائر أبناء الكنيسة، شارحا فيها معنى التضامن والإيمان والتلاقي مع القريب في زمن المضايق.

وجاء في نص الرسالة:

هلم أيها المؤمنون نعمل في النور أعمال النور (الأسبوع الأول من الصوم - غروب يوم الجمعة).
مع صومنا أيها الإخوة جسدياً لنصم أيضاً روحياً (الأسبوع الأول من الصوم - غروب يوم الأربعاء).

بهذه الكلمات وكثير شبيهها، تحرضنا أمنا الكنيسة بصوت وعبارات آبائنا القديسين، داعية إيانا إلى ممارسة فضيلة الصوم المباركة الذي هو ربيع النفس. وبدوري أوجه إلى أبناء وبنات كنيستنا الرومية الملكية الكاثوليكية، رعاة ورعية، هذه الرسالة الصيامية بعنوان "التضامن في الإيمان والمحبة".

اليوم، وأمام المآسي التي تشهدها أوطاننا العربية، نحتاج أولا إلى التضامن، الذي عبر عنه بولس الرسول بهذه الكلمات: "إذا تألم عضو تألمت معه سائر الأعضاء. وإذا فرح عضو فرحت معه سائر الأعضاء" (1 كور12: 25 - 26). اليوم أعضاء هذا الجسد الواحد، الكنيسة كلها أو أكثرها متألمة! أعضاء الوطن متألمون، عائلاتنا متألمة...

ولهذا، فكلنا مدعوون إلى التضامن كما تدعونا إليه صلوات الصوم حيث نقرأ: "إن راحمي الفقراء يقرضون المخلص بعقل حصيف. كما قيل. فيا له فرحا لا يوصف. لأنه يمنحهم بسخاء. جزاء الحسنات إلى جميع الدهور" (الثلاثاء بعد مرفع اللحم).

ونقرأ أيضا: "لنصعد كلنا بالصيام إلى طور الأعمال الحميدة. مغادرين عثرات اللذات الأرضية. وبولوجنا في غمام المناظر العقلية الشريفة. نشاهد جمال المسيح المشتهى وحده. متألهين بالمراقي الإلهية سريا (الثلاثاء من الأسبوع الأول من الصوم).

وأيضا: "مع صومنا أيها الإخوة جسديا لنصم أيضا روحيا. ونحل كل وثاق ظالم. ونفك عقد المعاملات الابتزازية. ونمزق كل صك جائر. ونعط الجياع خبزا. ولنضف المساكين الذين لا مأوى لهم. لكي ننال من المسيح الإله الرحمة العظمى". ( الأربعاء من الإسبوع الأول من الصوم).

المرحلة الراهنة في سوريا تجاوزت قضية المساعدات المحدودة. وهاكم وصفا للوضع المأسوي في أبرشياتنا السورية. إننا بحاجة إلى الاطلاع عليه في الكنيسة وخارجها، في العالم العربي وفي المهاجر وفي كل مكان. فالأخبار التي تلاحقونها في وسائل الإعلام لا تعبر بكفاية عن الوضع المأسوي الذي يعيشه المواطنون وبخاصة رعايانا في أبرشية حمص، وفي أبرشية اللاذقية (منطقة وادي النصارى التي تضم 143 قرية) وفي حلب وفي أبرشية حوران وفي أبرشية دمشق العاصمة.

فقد خطف العديد من أولادنا ودفعوا الأموال الطائلة لتحريرهم. وهناك حوالي 100 من أولادنا قتلوا واستشهدوا وحوالي ألف من المسيحيين من كل الطوائف. كما دمرت أو تضررت أو هجرت حوالي 20 كنيسة في المناطق المذكورة، وما عادت تقام فيها الصلاة. وقد هجر المؤمنون من رعايانا وهجر الكهنة، ولا يتمكنون من الوصول إلى رعاياهم وإقامة الصلوات والقداديس فيها، وذلك منذ حوالي سنة وأكثر.

هذا بالإضافة إلى النازحين من المواطنين عموما وينوف عددهم على المليونين، ومن أبنائنا ورعايانا أكثر من مئتي ألف شخص. وقد تشردوا في أماكن عدة ويدفعون إيجارات باهظة، ولا يجدون عملا. وقد فقدوا بيوتهم وأمكنة عملهم أو مصانعهم أو دكاكينهم ووسائل رزقهم، بالإضافة إلى هذا، هناك فقراء الأزمة الاقتصادية بسبب شحة المداخيل وغلاء المعيشة وهناك الآلاف من الذين هاجروا إلى خارج سورية، إلى البلاد المجاورة، وإلى أوروبا أو أمريكا.

هذه صورة باهتة من وضع رعايانا. ناهيك عن أوضاع طلابنا، الذين تتعثر دراستهم بسبب الأخطار المحيطة بالمدارس. ومنها من أغلقت أبوابها، أو انتقلت إلى مكان آخر أكثر أمنا حيث قد لا تتوفر شروط الدرس والتحصيل، ومنها مدرستنا الجديدة في دمشق على طريق المطار ( في المليحة ) وهي تضم حوالي 2200 طالب وطالبة، وقد أصابتها قذائف وأحدثت فيها أضرارا كبيرة، وقد انسحب عدد كبير منهم بسبب الوضع الأمني هناك، وأما الباقون فقد نقلناهم إلى المدرسة البطريركية القديمة قرب الكاتدرائية.

هذا ناهيك عن الحالة النفسية التي تجتاح رعايانا: الشك، الخوف، الترقب، فقدان الأحباب: زوج، ولد، قريب، مخطوف، مفقود.

الكنائس كلها تعمل ما في وسعها للمساعدة وتخفيف معاناة الرعايا... وندق الأبواب شرقا وغربا محليا وعالميا، لكي نحصل على ما يمكننا من متابعة خدمتنا وواجبنا تجاه أولادنا لا بل تجاه كل من يلجأ إلينا بدون تمييز بين طائفة وأخرى، مسيحيين ومسلمين.

إننا نجدد شكرنا لجميع الذين ساعدونا في سورية وخارجها. ونشكر لبنان على استضافة النازحين، حكومة وشعبا ومؤسسات ورهبانيات وأفرادا.

لسنا ندري كيف يمكننا أن نتابع مشاريع المساعدة المتنوعة: المواد الغذائية، التدفئة، الإيجارات، الأقساط المدرسية، الأدوية...

من أجل ذلك وضعنا هذه الرسالة في مطلع الصوم الأربعيني المبارك لكي نوثق بعض نواحي مأساة وطننا، ولا سيما رعايانا، ولكي نشرك أبناء وبنات كنيستنا الرومية الملكية الكاثوليكية في العالم أجمع بهذه الهموم والمسؤوليات الجسيمة الملقاة على كاهلنا نحن كبطريرك مع إخوتنا رعاة أبرشياتنا لا سيما في سورية.

أصدرنا نداء للتضامن في رسالة الميلاد، وهذا بعض ما جاء فيه:

مع اقتراب عيد الميلاد المجيد، وفي الوضع الراهن الذي يعيشه أولادنا في سوريا، أتوجه إلى إخوتي السادة الأساقفة في البلاد العربية وبلاد الاغتراب، وإلى الرهبانيات الرجالية والنسائية، وإلى كهنتنا والعلمانيين، خصوصا رجال الأعمال والمقتدرين والذين لديهم علاقات على مستويات مختلفة، وأدعوهم إلى التضامن مع رعايانا في سوريا، لكي تساعدونا على تأمين حاجات أولادنا الملحة والمباشرة، خصوصا بالنسبة للنازحين في داخل البلاد.كما علينا ومن واجبنا أن نفكر بالمستقبل حيث علينا أن نجابه مشاكل خطيرة، منها:

- بناء أو إعادة إعمار أو إصلاح كنائسنا (خاصة في أبرشية حمص).

- بناء أو إعادة إعمار أو إصلاح بيوت رعايانا أو مساهمة في ذلك مع الدولة والمؤسسات الأخرى.

- المساعدة في حل مشاكل مختلفة مثل الإيجارات، المدارس، المساعدة الصحية، ونفقات الأدوية...

إن مساعدتكم يمكن أن تكون عينية، مشورة، أو توسطا لدى أشخاص متمولين، مؤسسات غير حكومية، مؤسسات عامة، شركات...إن مساعدتكم ثمينة! وتضامنكم ضروري! ولنا بكم ثقة كبيرة! ساعدونا لكي نساعد ونخدم ونعزي، ونقوي ونثبت المؤمنين في أرضهم ووطنهم وبيوتهم وأرزاقهم، في هذا البلد الذي يدعى بحق "مهد المسيحية".

وقد فكرنا أنه من الضروري تأليف لجنة تضامن مركزية في سوريا تحت إشرافنا لأجل تحقيق مضمون هذا النداء. ونقترح تأليف لجان فرعية في كل من لبنان ومصر والأردن والعراق والكويت وكذلك في أبرشياتنا في بلاد الانتشار، وفي مراكز رعايانا في أوروبا الغربية.

وإننا نأمل من إخوتنا المطارنة أن يساعدونا في هذا المضمار، ويعملوا على اقتراح أسماء رجال أعمال من أبرشياتهم، وممن لهم علاقات عالمية واسعة، ليكونوا أعضاء في كل لجنة محلية. ومن خلال ذلك نأمل أن نكون في جهوزية عملية لمواجهة تحديات المستقبل الذي ينتظر رعايانا وحضورنا المسيحي.

التضامن ينبع من الإيمان بأننا كنيسة واحدة وجسم واحد وأسرة مسيحية واحدة ووطن واحد. والإيمان يترجم بالأعمال الصالحة ولا سيما بالمحبة الفاعلة نحو المحتاج. وهذا المحتاج هو ابن كنيستنا.

إلى هذا أشار قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالته عن الصوم لهذا العام وهي بعنوان: "الإيمان بالمحبة هو دعوة إلى المحبة"، لا بل إن المحبة هي البرهان على أن الله هو بيننا، كما يقول قداسته.

ويتابع قداسته: "الإيمان بدون الأعمال هو كالشجرة بدون ثمر. فالإيمان والمحبة مرتبطان. وإلى هذا يدعونا الصوم الحاضر... بحيث ننمو معا في محبة الله ومحبة القريب، وذلك من خلال ممارسات الصوم: الصيام والتوبة والصدقة" (الرقم 3).

إن التضامن اليوم هو ضرورة ملحة وهذا نداؤنا إلى جميع مسيحيي الشرق في كل البلدان وكل الطوائف. علينا أن نتحد معا ونتضامن لكي نواجه تحديات الأوضاع الراهنة بالنسبة لحاجات أبناء وبنات رعايانا. ولأجل الحفاظ على الحضور المسيحي ومعالجة مشاكل الهجرة، وما نسمعه من برامج لتفريغ المشرق العربي المسيحي من المسيحيين.

القضية الآن هي أن نكون أو لا نكون. ولهذا فإن دعوتنا لتأليف لجنة تضامن في أبرشياتنا في البلاد العربية وفي المهاجر هي قضية تتعلق حقا بمصير المسيحيين في الشرق: أن نكون أو لا نكون.

نريد أن نكون متفائلين. وتضامننا كلنا من كل مكان هو الدواء الحقيقي للتشاؤم والخوف والإحباط واليأس والريبة، والتضامن هو المحك الحقيقي لكي نبرهن أننا كنيسة "قوية متماسكة" متضامنة قادرة على مجابهة الصعاب مهما عظمت، معتصمة بالإيمان والمحبة، وبالاتكال على العناية الإلهية التي تؤكد لنا: "شعرة من رؤوسكم لا تسقط بدون إذن أبيكم الذي في السماوات" (لوقا 21: 18 - 19).

خبر بولس أوضاعا صعبة جدا ومأساوية مماثلة لما نحن فيه اليوم في سوريا وسواها، وربما أشد صعوبة، يصفها في مواقع كثيرة من رسائله. ومع ذلك بقي قويا في قناعاته المستندة إلى إيمانه بالإنجيل ومحبته للمسيح. يقول: "يا إخوة إن الله الذي أمر أن يشرق من الظلمة نور، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. ولنا هذا الكنز في آنية خزفية. ليكون فضل القوة لله لا منا. وفي كل شيء نحن متضايقون، لكنا غير منحصرين. ومتحيرون لكنا غير يائسين. ومضطهدون لكنا غير مخذولين. ومطروحون لكنا غير هالكين. حاملون في الجسد كل حين إماتة يسوع، لتظهر حياة يسوع أيضا في جسدنا. لأنا نحن الأحياء، نسلم دائما إلى الموت من أجل يسوع، لتظهر حياة يسوع أيضا في جسدنا المائت" (2 كورنثس 6:4 - 11).

إلى هذا أدعوكم أيها الإخوة والأخوات في مطلع هذا الصيام المبارك وسنوافيكم في حينه، ومن خلال موقعنا الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، بنتائج مساعينا لتأليف اللجنة المركزية واللجان الفرعية للتضامن المنشود، والذي سيكون خشبة الخلاص لحضورنا وشهادتنا وشركتنا وخدمتنا في هذا الشرق مهد المسيحية.

وإننا نستنهض بهذه الرسالة همم جميع أولادنا في كل مكان، لكي نسعى بكل الوسائل لجمع ما يمكننا من مجابهة التحديات. وندعو إخوتنا المسلمين لكي يدعموا مساعينا للحفاظ على حضورنا المسيحي معهم ولأجلهم. وهم يعلمون كم كان هذا الحضور المسيحي ولا يزال هاما وفعالا في تاريخ العالم العربي على كل الأصعدة. ويعلمون كم أن مؤسساتنا التربوية والثقافية والصحية والدينية والاجتماعية والفكرية هي في خدمة جميع المواطنين بدون تمييز. كما أن مساعداتنا اليوم تشمل الجميع بدون تمييز. وهذه كلها مهددة بالزوال إذا تقلص الحضور المسيحي في المنطقة.

فالتضامن المسيحي يجب أن يكون تضامنا مسيحيا-إسلاميا، لأن الغاية هي خدمة مجتمعاتنا وأوطاننا العربية بدون تمييز كما كان دأبنا في التاريخ. وعلينا أن نتضامن مسيحيين ومسلمين لأجل مستقبل أفضل لأجيالنا الطالعة.

قيل عن المسيحيين الأولين، لاسيما في أنطاكية حيث دعوا أولا مسيحيين: "انظروا كيف يحبون بعضهم بعضا". نحتاج اليوم إلى هذه الشهادة. فهذه المحبة هي خشبة الخلاص للكنيسة في الشرق الأوسط لكي تكون شركة وشهادة.

هذا هو موضوع الإرشاد الرسولي وخلاصة السينودس لأجل الشرق الأوسط الذي عقدناه في روما في تشرين الأول 2010 قبيل اندلاع الأزمات في الشرق الأوسط.

وأذكركم أيها الأحباء بشعاري الكهنوتي والبطريركي: "إسهروا وسيروا في المحبة". الآن نحن كلنا مدعوون ليكون هذا الشعار البطريركي شعار كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك. ويقول الكتاب: "الغلبة التي بها نغلب هو إيماننا!" (1 يوحنا 5: 4) وأزيد الغلبة محبتنا!

هذا هو ندائي في مطلع هذا الصيام المبارك، في مسيرتنا الصعبة، مسيرة درب صليب بلدنا سوريا، وبلادنا العربية المتألمة، وصليب أولادنا، إلى أفراح القيامة وآمال القيامة، وربيع القيامة.

وفي الختام ندعو الجميع كعادتنا إلى ممارسة الصوم والقطاعة والصلوات والإماتات والتقشف وعمل الخير وممارسة الفضيلة والتراحم والمودة والمغفرة والتسامح والتواصل والمحبة.

ونجدد دعوتنا إلى الصوم والصلاة كما فعلنا في رسالة الميلاد 2012، وإلى إقامة الصلوات اليومية في جميع كنائسنا بخاصة لأجل المصالحة، والحوار، ولأجل الأمن والأمان والسلام لسوريا ولبلادنا العربية.

قناعتنا ثابتة: المصالحة هي خشبة الخلاص. لا بل الغلبة الحقيقية للجميع تكمن في إلقاء السلاح وإيقاف التسلح مهما كان مصدره. وهذا فقط هو مقدمة المصالحة الحقيقية.

ومن جديد نسمع صوت صلواتنا، صوت آبائنا القديسين، صوت التقوى والإيمان والرجاء والمحبة: "لنبتدئ بالإمساك الكامل الإكرام مسرورين. متلألئين بأشعة أوامر المسيح إلهنا المقدسة، بضياء المحبة الساطع وبرق الصلاة وطهارة العفاف وقوة الشجاعة، لكي نبلغ مضيئين بنور عدم الفساد إلى قيامة المسيح المقدسة. الثلاثية الأيام المبهجة المسكونة".