موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٦ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
البطريرك غريغعوريوس لحّام: كلنا مدعوون لحمل ومتابعة رسالة لبنان الكبير
وجه البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك الروم الكاثوليك سابقًا، رسالة بمناسبة تأسيس لبنان الكبير بعنوان: لبنان الكبير! لبنان الرسالة!

البطريرك غريغوريوس الثالث لحام :

 

لبنان يحتفل بقيام وتأسيس لبنان الكبير.

 

إنني أعتبر أن تأسيس لبنان الكبير هو تأسيس وطن للعيش المشترك! لبنان الكبير هو الممهِّد للعيش المشترك وحامل رسالة العيش المشترك للاجيال الطالعة! تأسيس لبنان الكبير هو تحقيق حلمِ المناخِ المناسب والملائم للعيش في بلدٍ يجمع بين النظام الطائفي، والنظام المدني، أو ما نسمّيه الدولة المدنية! تأسيس لبنان الكبير خَلَقَ الأرضية الملائمة للقومية العربية، التي تضمن كل مقوِّمات المجتمع العربي، أن تعيش معاً! تأسيس لبنان الكبير هو الاساس لفصل الدين عن الدولة. مع بقاء النظام الطائفي ومع إيجابياته وسلبياته ! تأسيس لبنان الكبير هو وضع الأرضية الثابتة الراسخة للحرية الدينية أو حرية المعتقد، وحرية الضمير! تأسيس لبنان الكبير هو تحقيق ما قاله القديس البابا يوحنا بولس الثاني: "إن لبنان (الكبير) هو صغير كبلد، لكنّه رسالة!"

 

 وليسمح لي الإخوة والأخوات في العالم العربي ذي الاغلبية المسلمة، أن أقول أن لبنان الكبير هو هو "ضمانة لبنان الرسالة"! لا بل إن لبنان الكبير هو الرسالة في العالم العربي وإلى العالم العربي! لا بل إن لبنان الكبير هو الرسالة في العالم العربي وإلى العالم العربي! لابل لبنان الكبير هو الرسالة إلى العالم بأسره! ومحتوى هذه الرسالة هو: العيش المشترك، لا سيّما المسيحي والاسلامي، وأيضاً العيش المشترك بين الاديان، لا سيما في المنطقة، أعني المسيحية والإسلام واليهودية!

 

لبنان الكبير هو الرسالة الثابتة والدعوة إلى العيش معاً للطوائف المسيحية على اختلافها؛ والعيش معاً للطوائف والشيع الاسلامية... والدعوة إلى التنوّع السياسي والثقافي والاجتماعي والقومي والديني والفكري... والإنساني الشامل! هذا ما اكتشفته في هذه الايام، وفي الذكرى المئوية الأولى لتأسيس لبنان الكبير، وتاريخ المئوية اللأولى، وخبرة لبنان واللبنانيين في هذه المئوية الأولى.

 

هذا ما اكتشتفه من خلال مطالعتي لكتابين حول هذه الذكرى التاريخية. وهما: البطريرك كيرللس التاسع المغبغب – الجزء الأول. المطران كيرللس المغبغب بعنوان دولة لبنان الكبير (2018) – للمؤلفين: د. وسام بشارة كبكب وجورج توفيق المغبغب. لبنان الكبير من سوريا إلى مؤتمر السلام 2019 (وثائق). المطران كيرللس المغبغب شارك في الوفود الرسمية التي تواصلت لا سيّما مع فرنسا وانكلترا، لأجل إعلان دولة لبنان الكبير. وذلك بصفته مطران زحلة، عاصمة الكثلكة، وبصفته موفدًا من قبل البطريرك ديمتريوس قاضي بطريرك الروم الكاثوليك.

 

طالعتُ هذين الكتابين أو بالحري أعدتُ مطالعتهما بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لدولة لبنان الكبير هذا العام في أيلول 2020. وأعتبر أن البطريرك الياس الحويك والمطران كيرللس مغبغب هما الشخصيتان الأساسيتان في تحقيق حلم لبنان الكبير بتأسيس لبنان الكبير! وبدون أن أفاضل بين البطريرك الحويك والمطران المغبغب، أحبُّ أن أشير إلى خصوصية دور المطران مغبغب في تأسيس لبنان الكبير.

 

من خلال قراءة الكتابين ولا سيما الوثائق الخمسة الأساسية، وهي الرسائل التي أرسلها المطران كيرللس المغبغب إلى السيد كليمنصو رئيس المجلس الفرنسي، وإلى السيد ميلران، رئيس المجلس الفرنسي، والرسالة إلى الجنرال غورو المفوض السامي لفرنسا في سوريا، والرسالة إلى السيد لويد جورج، رئيس مجلس الوزراء البريطاني ورئيس مؤتمر سان ريمو. وأخيراً ملاحظة أو وثيقة حول لبنان الكبير.

 

من خلال هذه الوثائق تبيّن لى أن المطران المغبغب هو الأكثر اطلاعاً على الواقع الاجتماعي، والجغرافي، والاقتصادي، والطائفي، والثقافي، والمجتمعي، والسياسي والقومي، والتاريخي (تاريخ لبنان والمنطقة). والأكثر اهتماماً بالتركيبة أو النسيج الطائقي في هذه المنطقة: الموارنة، الروم الارثوذكس، الروم الكاثوليك، والسنة والدروز والشيعة...

 

إن إطِّلاع المطران المغبغب الواسع الشامل على وضع لبنان (الصغير)، هو الذي كان أساس مطالبته بلبنان الكبير. فهو المحلِّل والمنظِّر، وصاحب الرؤية المؤسّسة على مجمل العوامل المذكورة أعلاه، التي تجعل في نظر المطران المغبغب، قيام لبنان الكبير ضرورة حياتية، واجتماعية، ودينية واقتصادية... سياسية، وإقليمية وعربية...

 

المطران المغبغب هو المهندس لجغرافية لبنان الكبير، ولمقومات مستقبل هذا الكيان الجديد بعد الحرب العالمية الآولى. وفي إطارخريطة الشرق العربي بعد انتصار الحلفاء على الحلف الالماني التركي. وعلى نهاية الامبراطورية العثمانية...

 

إنطلاقاً مما تقدّم، أعتبر أن المطران المغبغب هو حقاً عرّاب قيام دولة لبنان الكبير. وأريد أن أُشير إلى أهمية زحلة ومطران زحلة عاصمة الكثلكة، ووجود الروم الكاثوليك في لبنان الكبير، ووجود الدروز والشيعة في لبنان الكبير، إلى جانب الوجود الماروني في الجبل، والوجود السني في الساحل...

 

وهنا تبرز أهمية الطوائف، في لبنان! وتبرز أهمية رسالة هذه الطوائف، في التاريخ والحاضر والمستقبل!

 

ومن خلال كل ما تقدم تبرز أهمية الاحتفال بالمئوية الأولى لدولة لبنان الكبير... وتبرز أهمية لبنبان الرسالة، داخل لبنان وفي العالم العربي، وعلى مستوى علاقات الشرق والغرب، وأيضاً علاقات الأديان عموماً، ولا سيما المسيحية والاسلام، وعلى مستوى مسيرة السلام في المنطقة، والقضية الفلسطينية... والرؤية المستقبلية للعالم العربي، ولأجياله الطالعة، التي تنظر إلى ميلاد عالم، ومجتمع عربي جديد... يصنعه أبناء هذه المنطقة... مهد الديانات والحضارات...

 

أجل هذه هي أهمية ذكرى المئوية الأولى لدولة لبنان! هذه أهمية رسالة لبنان الرسالة؛ وهذه هي دعوتنا جميعاً في مجتمعنا العربي المسيحي الاسلامي، لكي نكون فيه بناة حضارة المستقبل، حضارة الإيمان! حضارة السلام! حضارة المحبة!

 

وليسمح لي إخوتي ومواطنيَّ الأحباء في لبنان الكبير، في الذكرى المئوية لدولة لبنان الكبير، أن أتوجّه إليهم كمواطن مؤمن بالله وبالإنسان وبلبنان وطننا المشترك، لبنان الرسالة لنا جميعاً ولمجتمعنا العربي المشرقي الحبيب...

 

إسمحوا لي أن أتوجّه اليكم بمقطع من مقدّمة البابا بندكتوس السادس عشر في كتاب "يوكات"   You Cat، أو "التعليم المسيحي الكاثوليكي للشبيبة". هذا هو المقطع الوارد في ختام مقدّمة البابا (ص. 11)

 

"حين كان شعب الله (في العهد القديم) في أسفل درجات تاريخه، لم يدعٌ الله كبارَ هذا العالم ووجهاءَه إلى نجدته؟ بل شابّاً اسمه إرميا. (النبي إرميا) وخاطبه قائلاً له: "لقد عرفتك! لقد كرّستك! لقد جعلتك نبيا إلى الأمم!" (إرميا 1 : 5). شعر إرميا أنه دون المهمّة، فصرخ: "ربي وإلهي! لا أعرف أن أتكلّم لأني بعد صغير!" (إرميا 1: 6). لكن الله لم يتراجع فقال له: "لا تقل إني صغير! فلكلِّ ما أرسلك له تذهب! وكلُّ ما آمرك به تُعلِنُهُ!" ( إرميا 1: 7).

 

كلنا مدعوون في ذكرى المئوية لدولة لبنان الكبير، وبعد نكبة انفجار مرفأ بيروت، كلنا مدعوون لحمل ومتابعة رسالة لبنان الكبير! كلنا! كلنا! بكل طوائفنا وأحزابنا، كلنا مدعوون لنحقق هذه الرسالة بأن نكون مسيحيين ومسلمين في لبنان، وفي عالمنا العربي، أن نكون نوراً! وملحاً! وخميرة! ونكون في مجتمعنا العربي الواسع، بناة حضارة المستقبل لأجيالنا الطالعة، بناة حضارة الايمان! حضارة السلام! حضارة المحبة!