موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٦ مارس / آذار ٢٠١٨
البطريرك ساكو في رسالة القيامة: أحبِبْ وسِرْ قُدمًا في فعل الخير وصُنع السلام

البطريرك لويس روفائيل ساكو :

القيامة والسلام

نُعَيِّد هذه الأيام قيامة المسيح المجيدة، وهي حضورُه بيننا، حضورٌ على مستوى الايمان وليس على المستوى البدني. حضورٌ مُمَجَّدٌ نلمس فيه حضور الله، حضورٌ يعرض علينا نوعاً آخر من الوجود يختلف عمَّا اعتدنا عليه، حضور محبّ نتفاعل معه بفرح عبر عيش الاخوة والمحبة والتضامن، فيتطابق فيه تصميم الله مع أحلام البشر بالكرامة والسعادة والفرح. القيامة تعلمنا ان الحبَّ الذي نحمله في قلوبنا ونعيشه بجوارحنا هو الذي يغير كل شيء. شاهدنا أشخاصا وجماعات مثل الايتام والارامل والوحدانيين والمسنين تغلبوا على الألم لان أحدا شعر بهم، واحسَّ بالمهم واحبهم ووقف الى جانبهم، فارتفعت معنوياتهم وشحن رجاؤهم. عندما يملا الحب حياتنا مثلما ملآ حياة يسوع، حينذاك نغدو أبناء الله: أليست هذه صلاتنا (أبانا الذي في السماوات…): "كلُّ محب مولودٌ من الله.. من لا يُحِب لا يعرفُ الله، لان الله محبة" (1 يوحنا 4: 7-8). ولا يمكن فهم الحبّ من خلال حبنا الواحد للاخر، بعيدا عن الانانية والمصلحة. القيامة تعني ان الله يحبنا، واننه تبونا ونحن بين يديّه!

السؤال الذي طرحه يسوع على مرتا في حادث موت أخيها لعازر (يوحنا 11/26) كان: هل تؤمنين؟ هذا السؤال مطروحٌ علينا اليوم وسط كلِّ نكباتِنا لنغيِّرَ طريقةَ تفكيرنا وتعاملنا وعيشنا: هل نؤمن بالله خالقا وابا لكلِّ البشر وليس لفئة واحدة؟ هل نؤمن اننا جميعا إخْوَة بالرغم من تنوّعنا وان الارضّ أمنا؟ هل لنا الرجاء والصبر والهمة لنكون اقوى من الضربات والشتائم والروتين والإحباط؟ هل لنا القدرة على ان نغفر ونطوي الماضي ونفتح صفحة جديدة مع من نختلف معهم؟ هل نفهم بشكل صحيح رحمة الله المجانية الواسعة تجاه كلِّ البشر؟

رسالة القيامة لهذا العام هي ان نكون فاعلي الخير وجسور الحوار والمصالحة وصانعي السلام وسبيلا للنعمة والبركة. لنصغي الى دعوة المسيح لنصير فاعلي السلام: "طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون" (متى5/9).

الرجاء خبز الحياة

بلدنا، بلد خيرات وأمجاد، لكنه بفعل الاشرار ومنهجهم القتل والسلب، غدا بلد نكبات، وفقد بالتالي الأمان والاستقرار، والكثير من أبنائه وثرواته، وانتهكت كرامة العراقيين. الشعب العراقي ينشد الأمن والاستقرار والنمو الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لذا يجب التصدي لهذه الويلات بحماسة، وعدم السماح لها بان تقودنا الى الاستسلام واليأس. علينا ان نقرأ الاحداث قرأة ايمانية وليس تاريخية او سياسية فقط!

المعاناة خبز البشر والالم محك الشخصية والصعوبات والظروف الصعبة تعترض أي انسان جدي وعميق وغيور وموقفنا منها يسم شخصيتنا، لذا لنحولها الى دافع للتماسك والتعاضد دون التميز بين دين وعرق ولون، وغالبية وأقلية، ولننتهزها فرصة للقاء وبناء الثقة والتفكير، والعمل يدا بيد لتنتهي آلامنا الى الابد، ونعود إلى الحياة الحرة الكريمة واحترام الاختلاف وقبول التنوع، وهذا في صلب تصميم الله لنا. رسالتنا كبشر ومؤمنين ان نخدم الاخرين لانهم اخوتنا ونضحي من اجلهم أيا كانوا فنعصر كالعنب.. الكل يتحمل هذه المسؤولية ألاخلاقية والوطنية عبر مبادرات شخصية وجماعية. لنقتدي بكلكامش ابن بلدنا وحضارتنا العريقة قبل المسيحية والإسلام كيف ابحر الى آخر الدنيا بحثا عن دواء الخلود لصديقه انكيدو! لنكن أصحاب الهمم ولنخرج من العقلية الاتكالية والنمطية لتعزيز مفهوم المواطنة الكاملة والتأهيل لبناء السلام، واعتماد لغة الحوار والمودة والتضامن.

المشاركة في الانتخابات مسؤولية وطنية واخلاقية

الانتخابات النيابية على بعد أيام، وهي فرصتنا الذهبية للتغيير وضمان مستقبل مشرق لشعبنا. لذا أحثّ العراقيين على المشاركة الكثيفة في صناديق الاقتراع والتصويت لمن هو الأفضل والانسب لتحقيق أحلامنا بقيام دولة مزدهرة وقوية مجتمعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، دولة مدنية فيها يطبّق القانون على الجميع سواسية، وتوفر الحماية لهم. العراق هويتنا وخيمتنا الوحيدة، أما الدين فهو لله ويجب صونه من التسييس والتشويه، والدين يحترم الإنسان ولا يستعبده، والله الذي نؤمن به خالقًا هو محبة ورحمة، يعرف كلَّ واحدٍ منا ويُحبُّنا للغاية، ويريد أن نحب بعضنا بعضًا وأن نحيا كإخوة وأخوات بعزٍّ وحريةٍ وكرامة وسعادةٍ. انه اله الحياة والسلام والمحبة والرحمة! اذهب وصوِّت!

عيد قيامة مبارك، عشتم وعاش العراق