موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٥ فبراير / شباط ٢٠١٩
البطريرك ساكو في رسالة الصوم: لنجدد التزامنا بإيماننا المسيحي وبوطننا

البطريركية الكلدانية :

الصوم هو زمن مخصص للصلاة، ومراجعة الذات، والتوبة، أي تصويب ما يلزم تصويبه في تفكيرنا وسلوكنا وعلاقاتنا، والسيطرة على ميولنا، ومدّ يد العون للأخ المحتاج: المريض والجائع، والعطشان، والعريان، والمُهجَّر، ومن دون استثناء: “الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كل ما فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ” (متى 25: 40). وهذا ما يؤكده النبي إشعيا: “أَلَيسَ هو (الصوم) أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ، وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ، وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه، وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ؟” (إشعيا 58: 7). هذا يعني اني مسؤول عن أخي وان الله سوف يحاسبني عمّا فعلته له وبه!

الصوم ليس إنقطاعاً عن الطعام فحسب، بل ينبغي أن يرافقه الصوم عن السيئات، لاسيما زلّات اللسان: الافتراء والكلام السيء عن الاخرين دون حقّ ولا معرفة. الصوم ترويض للنفس وتدريب على الانتباه الى نداءات الروح، وعلامات الازمنة. هذا هو الصوم الذي سار عليه آباؤنا بأمانة، وينبغي أن نسير على هذه الروحانية في بناء الرجاء، بالرغم من الظروف والتحديات التي نواجهها.

المسيحي الحقيقي أيّاً كان موقعه، عليه ألّا يدع أحداً أو أمراً يّنزع إيمانه ونَهجه منه، وألا يمرّ يومٌ ما من دون أن يتّحد بالمسيح المخلِّص، أي يدخل في “سر فصح المسيح وقيامته”. هويّتنا المسيحية بكلّ أبعادها “امتياز ونعمة خصَّنا بها الله”، ينبغي أن نعيشها بحماسة وفرح، ونجعلها ثقافة مَحبّة، وحَضارة سلام، تُغني المجتمع الذي نعيش فيه.

أمّا العراق، حيث تأسستْ كنيستنا، وتأصّلتْ، وكتبتْ تاريخَها، وحيث كان المسيحيون يشكلون الغالبية العظمى قبل قدوم مواطنينا المسلمين، فهو لنا “الأرض- الام والوطن والهوية”. ونحن الكلدان ارتباطنا به هو منذ زمن أبينا إبراهيم، وعلينا أن نتمسك به مهما كانت التضحيات.

لذا، فإن المسيحيين اليوم ومن خلال رسالتهم، مدعوون بقوّة إلى أن يتمسكوا بهويتهم العراقية ويتشبّثوا بها، ويتجاوزوا بشجاعة وتصميم حاجز الأقلية والخوف والاتكالية، ويتحدوا بإرادة واحدة، لبلورة رؤية واضحة لبقائهم في بلدانهم، وتواصلهم مع مواطنيهم المسلمين والايزيديين والصابئة، عبر تعميق الثقة، وتعزيز حضورهم، وإسهامهم في بناء مجتمع أكثر سلاماً واستقراراً، وعدالة واطمئناناً. هذا التزام إيماني وإنساني ووطني. وعندما لا نتمسك بهويتنا المسيحية والوطنية، نكون قد ناقضنا ما علّمنا إيّاه الرب يسوع. فالمسيحيون مدعوون لتحقيق طموحاتهم الكنسية والوطنية.

ليغدو هذا الصوم، فرصة متميزة لنعمّق إيماننا من خلال الصلاة والتأمل في الكتاب المقدس. وبالنسبة الى مساعدة الأخ المحتاج أقترح أن نتبرّع بما صُمنا عنه من طعام وشراب، لشراء طعام للمتضور جوعا، والدواء للمريض، ودفع أجور دراسة للطلاب المتعففين، أو بدل ايجار، أو تأهيل مدرسة في احدى البلدات التي دمرها داعش…الخ.

سيكون في كنائسنا ببغداد صندوق للصوم تضعون فيه ما تريدون، والبطريركية تعطي $50,000 لهذه الحالات كما فعلت في عيد الميلاد.

روحانية كنيستنا، هي روحية صوفية – وجدانية، روحانية الشهادة، وروحية الارتباط بالوطن، فلنتمسك بها.