موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٣ مارس / آذار ٢٠١٨
البطريرك ساكو: بعد 15 سنة ’لا يكفي الشعارات لإرساء الديمقراطية‘

حاوره دانييلي روكي ، ترجمة الأب ريبوار باسا :

<p dir="RTL"><span style="color:#006699;">كانت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية قد بدأت في 20 آذار 2003 عملية &quot;تحرير العراق&quot; لدحر نظام صدام حسين، متهمة إياه بامتلاك أسلحة الدّمار الشامل. ومنذ تلك اللحظة بدأت تهطل القنابل فوق بغداد وعلى أهداف استراتيجية أخرى للنظام في العراق. وحينما قام الجنود الأميركيون والجمع المحتشد وسط بغداد بإسقاط تمثال صدام بتاريخ 9 نيسان 2006، انتشرت صور الحدث حول العالم بسرعة البرق. وبدى الأمر وكأن الديكتاتورية قد انتهت.</span></p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;">بعد ذلك بأيام، وتحديدًا في 15 نيسان 2006، كانت قوات التحالف الدولي قد احتلت كل المدن العراقية الرئيسية. وفي 1 أيار من نفس العام، أعلن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش انتهاء العمليات العسكرية الكبرى. إلا أن &quot;الاحتلال&quot; أثار حربًا أهلية بين الشيعة والسنّة من جهة، وحرب عصابات ضد القوات الأميركية من جهة أخرى. وكل ذلك سبّب في زعزعة المنطقة برمتها، إلى أن ظهر تنظيم الدولة الإسلامية.</span></p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;">وقد أجرت خدمة الأنباء الدينية التابعة لمجلس أساقفة إيطاليا (<span dir="LTR">SIR</span>)، مقابلة مع غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، من مقر إقامته في بغداد، بخصوص الوضع العراقي الراهن. وهذا نصها:</span></p><p dir="RTL"><strong>غبطة البطريرك، بعد مضي 15 سنة على الغزو وسقوط نظام صدام حسين، كيف تغيّر بلدكم منذ تلك اللحظة؟</strong></p><p dir="RTL">هنالك فسحة أكبر لحرية التعبير والتفكير، لكن ما فُقد فعلاً هو الأمان. وبالطبع فُقد أيضًا العمل والانتعاش الاقتصادي والاستقرار السياسي. وتمكّن الشعب من أن يلمس بأيديه أن السلام والديمقراطية ليسا ثمرة سحر ولا فرض. كان ينبغي على الأميركيين أن يعلّموا الناس الديمقراطية، وينشؤوهم على الحرية المسؤولة. لم يكن العراق فيما قبل ديمقراطيًا أبدًا. النظام كان ديكتاتوريًا والثقافة السائدة كانت قبلية. لم تدرك الولايات المتحدة الأميركية هذا الأمر جيدًا. فلا تكفي الشعارات لإرساء الديمقراطية. إلا أن ثمّة حقيقة ينبغي الاعتراف بها: اليوم أصبح الناس أكثر إدراكًا بضرورة إجراء التغيير وولادة عراق جديد. ففي كل يوم جمعة توجد مظاهرات في ساحة التحرير وسط بغداد، ومن بين المشاركين هنالك أيضًا مسيحيون. الكل يطالب بحكومة مدنية (مدنية الدولة)، كما يطالبوا بالحرية والعدالة والمساواة واحترام الحقوق. وبالحقيقة، فإن تلك المطالب هي من المبادىء الأساسية لكل دولة ديمقراطية.</p><p dir="RTL"><strong>زعزع احتلال عام 2003 كل المنطقة، وتأثيراته لا تزال واضحة حتى يومنا هذا. تكفي الإشارة للحرب في سوريا. ولا يتم الحديث عن العراق بعد. يبدو وكأن الصراع قد انتهى فيه. هل الواقع هو فعلاً كذلك؟</strong></p><p dir="RTL">للأسف لم تنتهِ الحرب. فلا تزال هنالك مواجهات عسكرية وهجمات إرهابية في بعض المناطق. إضافة إلى ذلك، هنالك مهمة محاربة العقلية والأيديولوجية الداعشية واجتثاثها، وهذا الأمر ليس بالسهل ويتطلب الوقت. فللخروج من هذه الوضعية توجد حاجة ملّحة للسلام وإيجاد فرص العمل وتحديث التعليم، والاستقرار والتنشئة على قيم الاحترام والتسامح. وكمسيحيين كنا قد بدأنا نلتمس بعض الأمن هنا في بغداد، لكن قبل أقل من عشرة أيام مضت، قتلت عائلة مسيحية بأكملها وشاب. هذا الأمر شكّل صدمة لنا جميعًا.</p><p dir="RTL"><strong>ما هو الطريق للخروج من هذه الوضعية؟</strong></p><p dir="RTL">أكرر: ما نحتاجه الآن في العراق هو السلام والاستقرار، وبالأخص المواطنة الكاملة لكل مكونات المجتمع، ولا سيما المسيحيين. كلنا مواطنون عراقيون، وأبناء أرض واحدة (هي أمنّا). فما الداعي لوضع الحواجز والتفرقة بين الأشخاص؟ إن الثقافة الطائفية بلا مستقبل. ولا يمكن أن تكون القبيلة أو الطائفة أو الميليشيا هي من تحمي المواطنين، وإنما الدولة بشرطتها وجيشها. يجب أن يتثقف الناس على هذا، وعلى ضرورة إقامة دولة مدنية.</p><p dir="RTL"><strong>كان يبدو بأن الدستور الجديد الذي ثبّت عام 2005 قد يساهم في التغيير نحو الأفضل! فما رأيكم به؟</strong></p><p dir="RTL">في الدستور يوجد فخ ويهمش الأديان الأخرى. فالمادة الثانية منه تقرّ بأن &quot;الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع&quot;. وفي الوقت عينه، تقر تلك المادة الدستورية بأنه &quot;لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادىء الديمقراطية&quot; ومع &quot;الحقوق والحريات الأساسية&quot;. لا يمكن أن يكون الدين مصدر تشريع الدولة، وإنما ينبغي أن يقوم الدستور على مبادىء سياسية ومجتمعية. يجب أن يكون المجتمع مكونًا من الكل ولخير الكل.</p><p dir="RTL"><strong>بعد بضعة أيام سيتوجه المصريون لصناديق الاقتراع، وفي شهر أيار ستجري الانتخابات في لبنان والعراق. فهل هذه تعتبر فرصة للمكون المسيحي لكل يُسمع صوته؟</strong></p><p dir="RTL">تعد الانتخابات خطوة مهمّة للغاية. وعليه ينبغي على الناس أن يؤدوا هذا الواجب بمسؤولية على الصعيد الشخصي والوطني، ويختاروا الناس الذين يرونهم أكفاء لخدمة الوطن والشعب، من دون التفكير في مصلحة العشيرة أو القوى السياسية التي ينتمون لها. الفساد متفشي جدًا عندنا في العراق، فلا وجود للمشاريع، والأموال تذهب مباشرة لجيوب الفاسدين من الساسة. إننا في مرحلة حاسمة نحو التغيير.</p><p dir="RTL"><strong>للأسف يدخل المسيحيون العراقيون لهذه الانتخابات وهم منقسمون فيما بينهم!</strong></p><p dir="RTL">ليس فقط المسيحيون منشطرون، وإنما أيضًا السنة والشيعة، والأكراد والعرب. العراق بأسره منقسم، وهذا الانقسام له عواقبه على المسيحيين. ولهذا نرى بأن رؤيتهم ليست مستقلة، حيث يوجد مسيحيون يقفون إلى جانب الأكراد، وآخرون إلى جانب العرب. هذا الانقسام بالنسبة لنا هو خسارة فادحة، بحيث هنالك ثمانية قوائم انتخابية مسيحية.</p><p dir="RTL"><strong>هل هذا التفت هو أيضًا ناتج عن الاضطهاد الذي يمنع المسيحيون من إثبات وجودهم وفعاليتهم في الحياة الاجتماعية والسياسية العراقية؟</strong></p><p dir="RTL">إن المسيحيين مستهدفون، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحًا. لكن اضطهاد المسيحيين ليس فقط في العراق، بل هو منتشر في كل أنحاء العالم. فالمسيحيون ليسوا مقبولين. وهذا حتى في الغرب، حيث هنالك عدم لامبالاة كبيرة، وغالبًا ما يخجلون من إقرار إيمانهم بشكل علني. أما الهجمات ضد المسيحيين، فهي ليست فقط عندنا. في زيارتنا الأخيرة للعتبات المقدسة طلبنا من قداسة البابا فرنسيس بأن يستمر في دعمه للمسيحيين في الشرق الأوسط، لأنهم يتألمون كثيرًا، وهم جزءٌ من الكنيسة.</p><p dir="RTL"><strong>كم هو حجم تأثير التوترات في دول جوار العراق على مستقبله، وضعين بنظر الاعتبار بشكل خاص ضغوطات أطراف إقليمية مثل إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل، إضافة إلى التوترات الدولية، مثل التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا؟</strong></p><p dir="RTL">إنها لحروب عبثية. ثماني سنوات من الصراع في سوريا. وهكذا الحال في العراق واليمن وليبيا. أما الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين فقد اندلعت منذ أكثر من خمسين سنة ولا تزال مستمرة. وكل هذا بسبب القادة الذين بدلاً من السعي للسلام واحترام حقوق الإنسان يسعون لمصالحهم الخاصة، وبالتالي يزيدون حدّة الصراعات والحروب. ينبغي على الساسة الإدراك بأن عليهم رسالة، والتي تكمن باحترام الحرية ومُلك الآخرين، وعدم استغلالها لمصالح خاصة.</p><p dir="RTL"><strong>بعد تحرير الجيش العراقي لمنطقة سهل نينوى من قبضة داعش، كيف تجري عملية عودة السكان المسيحيين لقراهم؟</strong></p><p dir="RTL">من مجموع عشرين ألف عائلة مهجرة، عادت سبع آلاف لحدّ الآن. وبالرغم من ذلك، هنالك الكثير من المشاكل. فعلى سبيل المثال، لم يتم ترميم أو إعادة بناء جميع المنازل. وقد كان تنظيم داعش قد أحرق أو دمّر بالكامل الكثير من المنازل. وهنالك حاجة لأموال طائلة لإعادة البناء. بالإضافة إلى عائق آخر، وهو تقسيم سهل نينوى الذي كان في السابق موحدًا. فالآن جزء منه هو تحت سيطرة حكومة إقليم كوردستان، والجزء الآخر هو بيد حكومة بغداد المركزية. وعليه يشعر سكان تلك المنطقة بالخوف من اندلاع صراع بين الطرفين، ولهذا أيضًا كثيرون مترددون تجاه قرار العودة. وبالتالي العودة إلى تلك المنطقة بطيئة، إلا أننا نأمل بأن يعودوا إلى ديارهم ويعيشوا حياتهم هنالك بأمان. إن الإرث الحضاري المسيحي العراقي غنيٌ جدًا، ومن دون الجماعة المسيحية سيصبح كشجرة مقطوعة.</p><p dir="RTL"><strong>بما يخص عدد المسيحيين العراقيين الباقين في أرض الوطن، هل هنالك أرقام موثوقة؟</strong></p><p dir="RTL">ليس لدينا إحصائيات دقيقة. هنالك إشاعات وأكاذيب كثيرة بهذا الخصوص. فهنالك من يقوم بأن عددهم هو ثمانون ألف نسمة فقط. وهذا ليس صحيح إطلاقًا. نقدّر بأن يكون عددهم بين أربعمائة ألف وخمسمائة ألف نسمة!</p><p dir="RTL"><strong>ماذا تأملون في عيد الفصح هذا لمسيحيي المنطقة؟</strong></p><p dir="RTL">أتمنى أن يكون كل مسيحي صانعًا للسلام، ويفتح عينيه لمسيح الإيمان وليس فقط للمسيح التاريخي. إذا نؤمن به فعلاً، سنرى بأن كل شيء سيتغير. ينبغي أن يكون لدينا هذا الإيمان العميق.</p>