موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٧ يونيو / حزيران ٢٠١٥
البطريرك الكلداني يجاسر بالدعوة لإعادة إنشاء "كنيسة المشرق"

بقلم: جاني فالنتي ، ترجمة: منير بيوك :

لم يندد كبير الأساقفة بذلك، لكن الاقتراح الذي تقدم به البطريرك لويس رفائيل كان مروعاً. فهو يدعو إلى التخلص من البطريركيات الثلاث المتجذرة في الكنيسة الشرقية القديمة، وهي الكنيسة الأولى التي أدخلت المسيحية إلى بلاد فارس والهند وحتى في بلاد الصين البعيدة، والتي وضعتهم تحت رئاسة بطريرك واحد.

هذه لحظة حاسمة للجماعات الكنسية المحلية الثلاث في بلاد ما بين النهرين، التي يتعرض وجودها للخطر في عقر دارها. فالكنيسة الكلدانية، وهي أكبر الكنائس المرتبطة بالكرسي الرسولي في روما، كانت تنزف باستمرار منذ الغزو العسكري الغربي الذي قادته الولايات المتحدة. إنها تخسر المؤمنين في العراق. وباستمرار هذا النحو، فإن وجود المسيحيين في المناطق التي عاشوا فيها منذ آلاف السنين مهدد بالانقراض.

ولعقود عدة، عاش معظم المؤمنين الذين ينتمون إلى كنيسة المشرق الآشورية في مجتمعات مزدهرة في المهجر تنتشر في جميع أنحاء أمريكا، وأوروبا، وأستراليا. وتمر هذه الكنيسة حالياً بمرحلة انتقالية حرجة، فبعد وفاة البطريرك مار دنخا الرابع، في 26 آذار الماضي، تأجل انتخاب خليفة له حتى أيلول، في حين إن إعادة الكرسي البطريركي من شيكاغو -حيث هاجر البطريرك كونه "منفياً" في عام 1940- إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، بات موضوع تساؤل. وفي هذا الأثناء، يرأس حالياً الأقلية العددية المتمثلة في الكنيسة الشرق القديمة، التي تم إنشاؤها عام 1964 نتيجة للإنشقاق في الكنيسة الشرق الآشورية، البطريرك مار اداي الثاني، المقيم في بغداد، حيث يواجه إعادة التوحيد عقب الاقتراح الذي قدمه الأساقفة الآشوريين.

في ضوء هذه التطورات، نشر البطريرك الكلداني لويس رفائيل بعض "الأفكار الشخصية" على موقع البطريركية. إنه يرسم صورة مبدئية للمراحل الأولية لخطة عملية لإعادة بناء الكنيسة الشرقية باعتبارها الكنيسة البطريركية المستقلة من الناحية القضائية، لكنها متحدّة مع الكنيسة الكاثوليكية. فقال البطريرك في مقترحه بأن إعادة توحيد الكنائس الثلاث سيساعد في التعامل مع الأخطار التي تهدد بقاء المجتمعات المسيحية المحلية في منطقة الشرق الأوسط؟.

إن ما يعنيه اقتراح البطريرك الكلداني من الناحية العملية، هو قيامه بالتخلي غير المشروط عن لقبه البطريركي من ناحيه، وأن يقوم البطريرك مار اداي بعمل نفس الشيء أيضاً من ناحية أخرى. فيجب على أساقفة الكنائس الثلاث الموجودة حالياً الإجتماع في إطار مجمع مشترك لانتخاب بطريرك واحد يمكنه فيما بعد أن يختار ثلاثة أساقفة من الكنائس الثلاث "المدمجة" كمساعدين رئيسيين.

إن الحديث عن "العرقية" التي تميز حالياً الكنائس الكلدانية عن الآشورية يجب أن توضع جانباً. فالكنيسة الجديدة سوف ببساطة تسمى الكنيسة الشرقية، وهي الكنيسة العالمية والمفتوحة للجميع، التي تتميز بعدم أخذ "القومية" بالإعتبار. إن المسؤولية الملقاة على مجمع كنسي معد له بصورة جيدة ومفتوح للعامة هو القيام بتنفيذ ملموس لوحدة هرمية وهيكلية كاملة بين مختلف الكنائس.

وبقدر ما يتعلق الأمر بالقضية المركزية الخاصة بالتواصل مع أسقف روما، أعاد البطريرك الكلداني التأكيد على أن هذه الشراكة تقوم على أساس تقاسم الإيمان والعقيدة المشتركين بينهما، كما أكد التزامه أيضاً بالإعلان الكريستولوجي المشترك الذي وقعه البابا يوحنا بولس الثاني ومار دنخا عام 1994. وفي هذا الإعلان، تقر كنيسة الشرق الآشورية والكنيسة الكاثوليكية الإلتزام بنفس الإيمان بالمسيح، وتعترفان بأن الخلافات الكريستولوجية في الماضي البعيد كانت في الغالب نتيجة لسوء الفهم.

ويسترجع البطريرك لويس رفائيل العلوم الكنسية المشتركة بين الشرق والغرب خلال الألفية الأولى من المسيحية. وأشار إلى أن روما هي البيت الأول، كما أن الشراكة الكاملة مع أسقف روما لا تنطوي على "حل" الهوية الكنسية ولكنها تساعد على حماية "الوحدة التعددية"، والحفاظ على ميزات الكنيسة الفردية على المستويات الليتورجية، الكنسية، التأديبية والقضائية، وبالتالي تحمي صلاحيات البطريرك والمجمع.

وعودة إلى أيلول 2013، دعا البطريرك الكلداني لويس رفائيل الأول البطريرك الآشوري مار دنخا لبدء حوار بهدف استعادة الشراكة الكنسية الكاملة بين الجماعة المسيحية الكلدانية ونظيرتها الأشورية. في بداية تشرين الأول من عام 2013، قبل مار دنخا العرض، مقترحاً إنشاء "لجنة مشتركة" كأداة للتعامل مع الحالات الطارئة التي تتقاسمها الكنيستين الشقيقتين. وأضاف أن الكنسيتين تتقاسمان نفس التراث الليتورجي (الطقس الديني)، واللاهوتي، والروحي.

وهناك مؤخراً سابقة لمبادرة البطريرك الكلداني، تتميز بأهميتها وذكراها من حيث نتائجها. ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي، أطلق بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك لأنطاكية مشروعاً لإعادة توحيد كامل مع البطريركية الأرثوذكسية لأنطاكية، مع الحفاظ على التواصل الكامل مع الكنيسة الكاثوليكية. لقد كان كبير الأسقف الملكي المطران الياس زغبي الذي أطلق هذة المبادرة. فقد عرف خلال المجمع الفاتيكاني الثاني بميوله الوحدوية.

ففي شباط 1995 كتب الإعلان المعروف بشهادة الإيمان الذي يقر أنه يؤمن "بكل ما تعلمه العقيدة الأرثوذكسية"، إلا أنه في الوقت نفسه يحتفظ بالتواصل "مع أسقف روما، ضمن الحدود التي تنسب إليه من قبل آباء الشرق القديسين في الألفية الأولى وقبل الانفصال". وبعد بضعة أيام فقط، تم توقيع إعلان الايمان الذي كتبه مطران الجبيل للروم الأرثوذكس جورج خضر. وكتب خضر يقول: "أنا أقر بإعلان الإيمان الذي قدمه المطران الياس زغبي لاستيفاء الشروط اللازمة والكافية لإعادة وحدة الكنائس الأرثوذكسية مع روما". وعلى هذا الأساس فقد دعم ما يقرب من جميع الأساقفة الملكيين اليونان الخطة لاستعادة الوحدة "الأنطاكية" بين الكنيستين.

وفي أيلول 1996، دعى الكرسي الرسولي إلى الحذر. ووفقاً لمساعدي البابا، قد تأخذ روما بعين الاعتبار أي قرارات "أنطاكية" إذا كانت هذه لا تخلق الصراع والتوتر في العالم الأرثوذكسي. وكان الهدف هو تجنب اتهامه بخلق انقسام بين الكنائس الأرثوذكسية، مدركاً أن كنيسة روما قد بدأت حواراً لاهوتياً من أجل تحسين العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية. وفي النهاية، أجّل أساقفة أنطاكية للروم المشروع خلال السينودس، مشددين على أن الحوار الثنائي مع الملكيين اليونان "إخوة وأخوات"، "لا يمكن فصله عن استئناف التواصل بين الكرسي الرسولي في روما والكنيسة الأرثوذكسية ككل".

من المرجح أن الاقتراح الذي تقدم به البطريرك الكلداني لويس رفائيل سيصطدم بعقبات لا يمكن تجاوزها، وبخاصة داخل المجتمعات الكلدانية والآشورية في المهجر، حيث يتم احتضان العنصر الإثني والقومي وإثارتهما، حتى من قبل بعض ممثلي الهيئات الكنسية العليا كجزء من طابعهم. ومع ذلك، فإن اقتراح البطريرك الكلداني هو ذو قيمة، فحيث أن محاولته التغلب على العقبات القائمة يعكس حسن النية -كما فعل البابا فرنسيس في أكثر من مناسبة- وتعزيز تجربة تواصل أول ألفية مسيحية كونها نموذج واجب اتباعه بطريقة ملموسة نحو تحقيق التواصل المقدس التام بين الكنائس الشقيقة.

(ترجمة خاصة للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام – الأردن)