موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٧ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
البطريرك الراعي: نأسف لإدخال الدين في الانقسام السياسي وجعله وسيلة للنزاع بالأسلحة
البطريرك الراعي يأسف لإدخال الدين في الانقسام السياسي.. والرئيس عون يدعو للوحدة الوطنيّة

أبونا :

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، قداس عيد الثالوث الأقدس في كنيسة الصرح البطريركي، حيث أسف في عظته لأنه "ما زالت تعشعش في القلوب مشاعر الضغينة والحقد والبغض"، كما و"لإدخال المعتقد الديني في الانقسام السياسي، وجعل هذا المعتقد وسيلة للنزاع بالأسلحة".

 

يأتي هذا بعدما تظاهر مئات المحتجين اللبنانيين يوم السبت للتعبير عن غضبهم من أسلوب إدارة الحكومة للأزمة الاقتصادية الخانقة، وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة.

 

وهذه أول احتجاجات كبيرة منذ قيام الحكومة بتخفيف قيود العزل العام التي فرضتها لمنع تفشي فيروس كورونا كما تأتي في الوقت الذي تتفاوض فيه بيروت مع صندوق النقد الدولي على اتفاق تأمل أن يتيح لها تمويلا بمليارات الدولارات لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي ينهار.

 

وتفجرت على ما يبدو التوترات الطائفية حتى مع توقف الاحتجاجات مع سماع دوي إطلاق نار في بعض أحياء بيروت وحدوث مواجهة سادها التوتر في منطقة مسيحية-شيعية مرتبطة ببدء الحرب الأهلية التي دارت فيما بين عامي 1975 و1990 مما دفع قوات الأمن للانتشار بأعداد كبيرة، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء طبقًا لما ذكرته وسائل الإعلام اللبنانية.

 

وحذر الزعماء السياسيون والدينيون عبر الخطوط الطائفية من خطر حدوث عنف طائفي.
 

البطريرك الماروني بشارة الراعي مترئسًا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي - بكركي، 7 حزيران 2020 (تصوير: إعلام البطريركية المارونية)

ثقافة تعكس وجه الله في العمل السياسي

 

وقال البطريرك الراعي في عظته: "ما أحوج مجتمعنا اللبناني ودولتنا إلى ثقافة تعكس وجه الله في العمل السياسي بكل أبعاده، التشريعية والإجرائية والإدارية والقضائية، وبكل مآله الاقتصادية والمالية والمعيشية والإجتماعية. لا يمكن القبول بعد الآن بدولة مجزأة بين أطراف سياسيين وطائفيين يحتمون وراء مجموعة من الأنظمة الخاصة بكل واحد منهم، بهدف حماية مصالحهم المشروعة وغير المشروعة، التي تفرغ الخزينة، وتملأ جيوب أربابهم والنافذين. فكيف يمكن أن تعيش الدولة وتلبي حاجات مواطنيها الذين أصبحوا بنصفهم في حال الفقر والجوع والبطالة والهجرة، فيما المال العام يهدر في عمليات التهريب عبر المطار والمرافئ والمعابر العديدة غير الشرعية بين لبنان وسوريا؟ وكيف نطالب دولة جعلوها أفقر من شعبها بنهبهم أموالها، من دون حسيب أو رقيب، واليوم من دون أي محاسبة من أجل استرجاع المال المنهوب؟"

 

وأضاف: "أنتم على حق، أيها الشباب والشابات، في ثورتكم، التي نريدها صوتا واحدا، مستقلا وغير مسيس، محصنة بوجه المندسين، حضارية ورفيعة في أهدافها ومطالبها الواعية والمحقة. نطلقها معكم صرخة ضد الفساد والهدر المتناميين، وضد الغلاء الفاحش، وانهيار النقد الوطني، وحجز رؤوس الأموال في المصارف. ونطلقها معكم صرخة بوجه كسل أجهزة الرقابة وتلكؤ القضاء، تحت تأثير التدخل السياسي، عن محاسبة الرؤوس الكبيرة والمسؤولة مباشرة عن عمليات الفساد. معكم نطالب بالإسراع في إجراء التعيينات الإدارية والقضائية والمصرفية، واتباع معايير الكفاءة والنزاهة، رافضين المماطلة مهما كانت أسبابها. ومعكم نطالب الحكم والحكومة بوضع خطة إصلاحية تنهض عمليا بالاقتصاد وتحسين معيشة المواطنين".

 

وسأل: "أليست هذه المطالب مشتركة بين الشباب اللبناني، من دون أي ارتباط بدينه أو طائفته أو حزبه أو منطقته؟ لقد أسفنا لما جرى بالأمس بوضع هذه المطالب المشتركة جانبا، وتحويل التعبير عن الرأي بالشكل الديموقراطي إلى مواجهة بالحجارة وتحطيم المؤسسات والمحلات واستباحة ممتلكات الناس وجنى عمرهم، وتشويه وجه العاصمة، والاعتداء على الجيش والقوى الأمنية التي من واجبها حماية التظاهرات السلمية. هذا كله يعني، وبكل أسف، أن ما زالت تعشعش في القلوب مشاعر الضغينة والحقد والبغض. وهذا لا يتآلف وميثاق العيش المشترك. وأسفنا بالأكثر لإدخال المعتقد الديني في الانقسام السياسي وجعل هذا المعتقد وسيلة للنزاع بالأسلحة. لماذا نعطي الأسرة العربية والدولية هذه الصورة المشوهة عن لبنان؟ وهل بهذه الممارسات النزاعية نساند الحكم والحكومة في توطيد الاستقرار الضروري للنهوض من حضيضنا؟ أما من جهة المسؤولين السياسيين عندنا، فلا يحق لهم أن يحكموا بذات الذهنية والأسلوب، بعيدا من الخط الذي يرسمه الدستور والميثاق الوطني ووثيقة اتفاق الطائف نصا وروحا. فكيف يمكن أن تأتينا المساعدات العربية والدولية من دون تأمين الاستقرار السياسي، وتصحيح الحوكمة، واعتماد سياسة الحياد، وشبك الأيادي وتوحيد الجهود؟"

 

وختم البطريرك الراعي: "الكنيسة، من جهتها ماضية في تنفيذ خطتها الإنقاذية، الغذائية والزراعية والصحية، وقد نسقت نشاطها بين الأبرشيات والرهبانيات والرعايا والأديار، ومع كاريتاس لبنان، والبعثة البابوية، والصليب الأحمر، وجمعية مار منصور دي بول، والمؤسسة المارونية للانتشار، والمؤسسة البطريركية للانماء الشامل، وسواها من المؤسسات والجمعيات الإنسانية. والكل بهدف خلق شبكة تشمل كل المناطق. أود هنا أن أوجه تحية شكر وتقدير لكل ذوي القلوب المحبة والأيادي السخية، الذين يمدون يد المساعدة للاخوة والعائلات في حال الفقر والعوز، سواء بطريقة مباشرة أو بواسطة المؤسسات الاجتماعية والإنسانية. وإنا بإيمان وثقة نواصل خدمتنا شاكرين وممجدين ومسبحين الثالوث القدوس في عيده".

عون يدعو للوحدة الوطنية

 

في سياق متصل، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون، الأحد، أن التعرض لأي رمز ديني لطائفة معينة بمثابة التعرض لـ"العائلة اللبنانية"، مشيرا إلى أن ما حدث السبت يجب أن يكون "جرس إنذار"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.

 

وقال عون: "أي تعرض للرموز الدينية لأي مكون من مكونات العائلة اللبنانية، وما تبع ذلك من أعمال عنف وردود فعل حصلت في مناطق عدة ليل أمس، وكانت سبقتها اعتداءات على متاجر ومؤسسات وعلى القوى العسكرية والأمنية التي كانت تقوم بواجبها في حفظ الامن ومنع الشغب".

 

وأضاف الرئيس اللبناني قائلا: "إن كلمات الادانة مهما كانت قوية في شجبها وإدانتها لما حصل لا تكفي، لا سيما وان التعرض لأي رمز ديني لأي طائفة لبنانية هو تعرض للعائلة اللبنانية بأسرها، ذلك أن مناعتنا الوطنية نستمدها من بعضنا البعض، وقوتنا كانت وتبقى وستظل في وحدتنا الوطنية ايا كانت اختلافاتنا السياسية".

 

وتوجه عون إلى القادة السياسيين والروحيين في بلاده بالقول: "إني أتوجه إلى ضمير كل مسؤول سياسي أو روحي، والى الحكماء من اللبنانيين الذين عايشوا أحداث العامين 1975-1976 التي ما زالت ماثلة أمامنا، القيام بما يتوجب عليهم، كل من موقعه، من أجل وأد أي شكل من أشكال الفتنة الناجمة عن المساس بمقدسات بعضنا البعض الدينية والروحية والمعنوية، والتي من شأنها، إن استعرت، أن تقوض الهيكل علينا جميعًا في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة الى أن نضع اختلافاتنا السياسية جانبا ونسارع إلى العمل معا من أجل استنهاض وطننا من عمق الازمات المتتالية عليه، خصوصا بعدما ملأت أصوات اللبنانيين الشرفاء المحقة الساحات، مطالبة بعيش كريم لائق لجميع أبناء الوطن الواحد".

 

وتابع الرئيس اللبناني قائلا: "ليكن ما جرى ليل أمس جرس إنذار للجميع لكي يعوا أنه ليس بالتعرض لمقدسات بعضنا البعض نحقق أي مطلب مهما كان محقا، وليس بالشتائم نحقق عيشا كريما، وليس بالاعتداء على العسكريين والتعرض للمتاجر والمؤسسات نصل الى أهدافنا، لان أي انتكاسة أمنية إن حدثت لا سمح الله، لن تكون لمصلحة أي كان، فلا نصرة لأحد منا على الآخر بالقوة او العنف وما الخاسر في ذلك الا خيرة شبابنا وهم مستقبلنا وحقهم علينا أن نمنحهم الدفع قدما للحياة الكريمة، لا الى التقاتل وسفك دمائهم من خلال ازدراء مقدسات وقيم بعضنا البعض".