موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ مارس / آذار ٢٠٢٠
البطريرك الراعي: عالمٌ جديد يجب أن يولد، إنسانًا ونهجًا ومسلكًا ورؤيا تصويبية
البطريرك الراعي خلال ترؤسه قداس الأحد، 29 آذار 2020

البطريرك الراعي خلال ترؤسه قداس الأحد، 29 آذار 2020

البطريرك الراعي: عالمٌ جديد يجب أن يولد، إنسانًا ونهجًا ومسلكًا ورؤيا تصويبية :

 

فيما يلي النص الكامل لعظة البطريرك الماروني الكاردينال بشاره بطرس الراعي، خلال ترؤسه قداس الأحد 29 آذار 2020، وفيه تحيي الكنيسة المارونية "أحد شفاء الأعمى"، وشدد فيها على أهميّة الاستفادة من "العزلة القسرية الشخصية والاجتماعية والدولية"، التي يشهدها العالم جرّاء وباء كورونا، و"الوقوف أمام الذات بحضرة الله وكتبه المقدسة، والاصغاء لما يقول لنا ولكل واحد وواحدة منا".

 

"يا يسوع ابن داود ارحمني" (مر47:10)

 

1. صرخة الاعمى وقعت في قلب يسوع، لأنها صادرة من قلبه المؤمن. فبفضل بصيرته الداخلية الروحية أدركَ أنَّ "يسوع الناصري" الذي يمرّ، إنَّما هو المسيح الآتي من سلالة داود ليحمل البصر للعميان، على ما تنبَّأ عنه اشعيا: "روح الرب علي، مسحني وأرسلني لأنادي بعودة البصر إلى العميان" (لو18:4). فلمّا سأله يسوع: "ماذا تريد أن أصنع لك"، لم يطلب حسنةً، بل أجاب: "يا معلم، يا رابوني، أن أبصر". فما مكان من يسوع إلاّ أن استجاب لطلبه وامتدح ايمانه: "أبصِرْ! إيمانك خلَّصك" (مر10: 51-52).

 

2. مع إخواني السادة المطارنة وسائر اعضاء الأسرة البطريركية، نقيم هذه الذبيحة المقدسة ملتمسين من المسيح الفادي ان يشملنا والبشرية جمعاء بالرحمة الالهية، فيما نلتمس بصرخة الايمان مثل طيما، اعمى اريحا: شفاء المصابين بوباء كورونا، نجاة الاصحاء من هذا الوباء، الحد من انتشاره وازالته، حماية المعتنين بالمصابين: أطباء وممرضين وممرضات وأهالي ومتطوّعين، البلوغ بالأبحاث العلمية الطبية إلى إيجاد الدواء الشافي.

 

3. ونصلي على الاخصّ لكي نلبّي دعوة الرب يسوع لنا إلى "تمييز علامات الازمنة وقراءتها" (متى3:16)، بعد أن جاء فيروس كورونا غير المنظور، يفتك بالبشر في جميع بلدان الكرة الأرضية، فشلَّها برًا وبحرًا وجوًا وألزمَ الجميع بالعيش داخل جدران منازلهم أكانوا كبارًا أم صغارًا، أغنياء أم فقراء، أصحّاء أم مرضى، أصحاب مال ونفوذ وسلطة وسلاح، أم أناس عاديين أم أقلّ من عاديين.

 

4. لا أحد يعرف متى تنتهي معركة هذا الفيروس ضد البشرية وجميع دول الارض. في هذه الحالة، نحن عميان البصيرة والرؤية. وحده المسيح، الذي قال عن نفسه، ولا عن أحد سواه: "أنا نور العالم، من يتبعي لا يمش في الظلام" (يو12:8)، قادر أن يخاطب العقول والارادات والقلوب، لكي يتحرَّر الجميع من عماهم الروحي. هذا العمى، على الرغم من الاكتشافات العلمية والتقنية والتقدم المذهل، قد عطَّل الرؤيا الانسانية والخلقية والاجتماعية، وظهر في انحراف العلاقات بين الناس وتدنّي الأخلاق وفقدان الالتزام الاجتماعي الرامي الى الخير العامّ، وطغت الروح الاستهلاكية والمادية والاباحية على المستوى الخلقي والسياسي والاقتصادي والاعلامي.

 

5. فلا بد من الاستفادة من هذه العزلة القسرية الشخصية والاجتماعية والدولية، والوقوف أمام الذات بحضرة الله وكتبه المقدسة، والاصغاء لما يقول لنا ولكل واحد وواحدة منا... عالمٌ جديد يجب أن يولد، إنسانًا ونهجًا ومسلكًا ورؤيا تصويبيّة. ولقد وعدَنا الربُّ يسوع في خاتمة الكتب المقدَّسة بعهديها القديم والجديد: "هاءنذا أجعل كل شيءٍ جديدًا" (رؤ5:21). "فأنا هو الألف والياء، الاول والآخر، البداية والنهاية" (رؤ13:22)، له المجد والتسبيح مع الآب والروح القدس من الآن وإلى الأبد، آمين.