موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٢ يوليو / تموز ٢٠٢٠
البطريرك الراعي: اللبنانيون لا يريدون أن يتفرّد أي طرف بتقرير مصير لبنان

أبونا :

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي قداس الأحد السابع من زمن العنصرة، الموافق 12 تموز 2020، وذلك في كنيسة الصرح البطريركي الماروني الصيفي في الديمان. وخلال القداس، ألقى غبطته عظة بعنوان: "إِختَارَ يَسُوعُ إثْنَينِ وَسَبْعِينَ آخَرِين وَأَرْسَلَهُم" (لو 1:10)، تطرّق فيها لمعاني الكنيسة المُرسلة إلى العالم، إضافة إلى شؤون محليّة وإقليمية.


 

الكنيسة مرسلة إلى العالم

 

وقال البطريرك الراعي: "الكنيسة، برُعاتِها ومؤمنيها ومؤسَّسَاتها، مرسَلَةٌ إلى العالم. أرسلَهَا المسيح الرَّبُّ، ويُرسِلُها كلَّ يوم حتَّى نهاية العالم، حاملةً سلامَه الخلاصيَّ لجميع الشُّعُوب. إنطَلَقَت مع الرُّسُل الإثنَي عشَر، وَهُم أعمدةُ الحقِّ فيها، وأساقفتُها السَّاهرون عليها كالمسيح الرَّاعي الصَّالح، بالتَّعاون مع الإثنين والسَّبعين كأوَّل جماعةٍ مؤمنةٍ بالمسيح، راح عددُها ينمو ويكثُر وينتشِر بقوَّة الكلمة وعمَلِ الرُّوح القدس، كما يُروي كتاب أعمال الرُّسُل، حتَّى وصلوا إلى أنطاكية، حيثُ أسَّسَ بطرس الرَّسُول كرسيَّه الأوَّل قبل الانتقال إلى رومية. وفي انطاكية سُمِّي لأوَّل مرَّةٍ المؤمنون بالمسيح "مسيحيّين" (اعمال 11:26)".

 

أضاف: "الكنيسة، رعاةً واكليروسًا ومؤمنين ومؤمنات، في حالة إرسالٍ دائم. وقد حدَّدَ الرَّبُّ يسوع هذه الرِّسالة في ثلاثة أبعاد: هي رسالةٌ إلى المدُن والأمكنة والأشخاص للقاءٍ شخصيٍّ وجدانيٍّ معه، يُبدِّل داخل الإنسان، فتَنفَتِح عيناه على الحقيقة، وقلبَه على الحُبّ، وإرادتَه على الخير. وهي رسالةٌ مُجرَّدة مِن كلِّ مصلحةٍ من أجل صالح الإنسان والمجتمع والوطن، وهي رسالةُ سلام مع كلِّ إنسان وشعب (راجع الآيات 1، 4-5). تَنبسِط الكنيسة بهذه الرِّسالة المثلَّثة إلى جميع الشُّعُوب. فيَقول الرَّبُّ يسوع:"إنَّ الحصاد كثيرٌ والفعَلَة قليلون. فاطلُبُوا مِن ربِّ الحصاد أن يُرسِل فعلةً لحصاده" (لو 2:10)".


 

تحديات إعلان الإنجيل

 

وتابع: "في إرشاده الرَّسوليّ "فرح الانجيل"، يتحدَّث قداسة البابا فرنسيس عن التَّحدِّيات التي يُواجهها إعلان الانجيل، هذا الخبر الخلاصيّ السَّار لكلِّ إنسان. نَذكُرُ مِن بين هذه التحدّيات: أ- صَنمِيَّة المال التي تَرفُض الله؛ وتَزدَري الاخلاق، وتُفقِد المشاعر الإنسانيَّة تجاه الفقراء والمعوزين. ب- التَّفاوت الاجتماعيّ بين قِلَّة تملِكُ كلَّ شيء، وأكثريَّةٍ تفتَقِر إلى كلِّ شيء. فيتولَّد العنف والحقد والعداوة. ج- الرُّوح الاستهلاكيَّة الجامحة التي تُقوّضُ النَّسيج الاجتماعيّ، وتَزيد مِن عدد المهمَّشين، وتُثير الفساد المتجذِّر في المؤسَّسَات والإدارات العامَّة والأعمال التِّجاريَّة (راجع الفقرات 57-60). د- وسائل التَّواصل الاجتماعيّ التي تُشوِّه، في برامجها وأخبارها غير الدَّقيقة وأحيانًا الكاذبة، القيم الاخلاقيَّة والتَّقاليد الثَّقافيَّة، وتُزعزِع الايمان، وتَنَال من قدسيَّة الزَّواج والعائلة (الفقرة 62).


 

لبنان.. بلد الرسالة

 

وأردف البطريرك الراعي في عظته: "في إطار موضوع الرِّسالة، نتذكَّر أنَّ القدِّيس البابا يوحنَّا بولس الثَّاني سمَّى لبنان رسالةً ونموذجًا للشَّرق كما للغرب. وهي رسالةُ العيش معًا مسيحيّين ومسلمين، المنظَّم في الدُّستور والميثاق. ورسالة تعدُّديَّةِ الثَّقافات وحوارِها وغناها، والدّيموقراطيَّة، والحرِّيَّات العامَّة. هذه الرِّسالة يُؤدِّيها لبنان منذ مئة سنة وحافظَ عليها، على الرُّغم ممَّا تعرَّضَت له من أزماتٍ كادت تودي بها. وظلَّتْ تُشكِّل خصوصيَّة لبنان وميزته في هذه المنطقة من العالم".

 

تابع "فمِن أجل حماية لبنان ورسالته من أخطار التَّطوُّرات السِّياسيَّة والعسكريَّة المتسارعة في المنطقة، ومن أجل تجنُّب الانخراط في سياسة المحاور والصِّراعات الإقليميَّة والدَّوليَّة، والحؤول دون تدخُّل الخارج في شؤون لبنان، وحرصًا على مصلحته العُليا ووحدته الوطنيَّة وسِلمِه الأهليّ، وفتح آفاقٍ واعدةٍ لشبَّانه وشابَّاته، والتزامًا منه بقرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة والإجماع العربيّ والقضيَّة الفلسطينيَّة المحقَّة، والمطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيليّ مِن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، وبتنفيذ قرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة ذات الصِّلة، أطلقتُ النِّداء، في عظة الأحد الماضي، إلى الأُسرَة الدَّوليَّة لإعلان حياد لبنان، من أجل خيره وخير جميع مكوّناته والأهداف التي ذكرت".

 

وأضاف البطريرك الماروني: "لقد فعلتُ ذلك بالأمانة لرسالة هذا الصَّرح البطريركيِّ، الذي يضع نُصب عينيه كلَّ اللُّبنانيِّين دونما تمييز أو إقصاء، وكان له دورٌ رياديٌّ في المحطَّتين السَّابقتين من حياة لبنان: الأولى، إعلان دولة لبنان الكبير في أوَّل أيلول 1920، في عهد المكرَّم البطريرك الياس الحويّك؛ والثَّانية، إعلان استقلاله النَّاجز في سنة 1943 في عهد البطريرك أنطون عريضة. واليوم، لا بدَّ مِن البلوغ الى المحطَّة الثَّالثة والنِّهائيَّة، وهي حياده. فتكون الذِّكرى المئويَّة الأولى نقطةَ انطلاقٍ نحو حياد لبنان ودوره الجديد الفاعل. ولعلَّ هذا الدور من هبات العناية الالهيَّة".


 

حياد لبنان

 

وتساءل البطريرك الماروني: "كم كان مُعبِّرًا هذا التَّأييد الكبير لموضوع الحياد، من مرجعيَّات وقيادات وأحزاب وشخصيَّات وشعب، من مختلف الطَّوائف والمواقع، فمنهم مَن أمَّ الصَّرح البطريركيَّ، ومَنِ اتَّصلَ، ومَن كتَبَ، ومَن علَّقَ في الصُّحُف ووسائل الإعلام ومواقع التَّواصل الاجتماعيّ؟".

 

أضاف: "كلُّ هذا يعني أنَّ اللُّبنانيِّين يُريدون الخروج من معاناة التَّفرُّد والجمود والإهمال. يُريدون شركة ومحبَّة للعمل معًا من أجل انقاذ لبنان وأجياله الطَّالعة. يُريدون مواقف جريئة تُخلِّص البلاد، لا تصفية حسابات صغيرة. يُريدون دولةً حُرَّةً تَنطِق باسم الشَّعب، وتعود اليه في القرارات المصيريَّة، لا دولةً تتنازل عن قرارها وسيادتها أكان تجاه الدَّاخل أم تجاه الخارج".

 

تابع: "لا يريدون أن يتفرَّد أيُّ طرفٍ بتقرير مصير لبنان، بشعبه وأرضه وحدوده وهويَّته وصيغته ونظامه واقتصاده وثقافته وحضارته، بعد أن تجذَّرت في المئة سنة الأولى من عمره! ويَرفُضون أن تعبث أيَّةُ أكثريَّةٍ شعبيَّةٍ أو نيابيَّة بالدّستور والميثاق والقانون، وبنموذج لبنان الحضاريّ، وأن تعزله عن أشقَّائه وأصدقائه مِن الدُّوَل والشُّعُوب، وأن تنقلَه من وفرة إلى عوز، ومِن ازدهارٍ الى تراجُعٍ، مِن رُقيٍّ إلى تخلُّف".


 

آيا صوفيا

 

وعبّر غبطته عن الصدمة أمام "مرسوم رئيس جمهوريَّة تركيا السيِّد رجب طيِّب أردوغان، بتحويل متحف آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد، بعد أن كان متحفًا إفتتحه الرَّئيس أتاتورك في تشرين الثَّاني ١٩٣٤. ومعلومٌ أنَّ آيا صوفيا كانت كنيسةً للمسيحيَّة الارثوذكسيَّة منذ القرن السَّادس حتَّى عام 1452، عندما افتتح الاتراك العثمانيُّون المدينة تحت حكم السُّلطان محمّد الثَّاني المعروف باسم الفاتح".

 

وخلص البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في عظته موضحًا بأنّ "هذا القرار الذي واجهَتْه انتقاداتٌ عالميَّةٌ يؤكّد بالمقابل قيمة لبنان - العيش المشترك حيث الاحترام المتبادل بين المسيحيِّين والمسلمين في الدِّين والثَّقافة والعقائد ودُور العبادة. نصلِّي كي يظلَّ لبنان مثال هذا العيش معًا".