موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
البطريرك الراعي: أفضل ما تقدمه الجماعة السياسية للمواطنين هو السلام

بيروت – أبونا ووكالات :

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي قداس رأس السنة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه النائبان البطريركيان حنا علوان ورفيق الورشا، امين سر البطريرك الأب شربل عبيد، بمشاركة رئيس اساقفة باري في ايطاليا المطران فرانشيسكو كاكوتشي، السفير البابوي في مصر المطران برونتو موسارو، وحشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية، ومؤمنين.
وألقى البطريرك الراعي عظة قال فيها: "أعلن الملاك لمريم ساعة بشارتها بأنها ستحبل وهي عذراء، بحلول الروح القدس، وتلد ابنا تسميه يسوع" (لو1: 31 و35). ثم أعلن اسمه في الحلم ليوسف وفسره بأنه الله الذي يخلص شعبه من خطاياهم (متى 21:1). تحتفل الكنيسة اليوم بعيد إسم يسوع، وهو عيد مثلث: طقسي وعالمي وكنسي. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهية في مناسبة الأعياد الثلاثة التي تحمل معانيها الروحية واللاهوتية".

وأضاف: "العيد الطقسي الذي نحتفل به اليوم هو ختانة الطفل يسوع، كما اقتضت شريعة موسى في العهد القديم، وإعطاؤه الإسم. بهذه الرتبة الطقسية يحصل الإنتماء إلى الجماعة المعروفة بذرية ابراهيم، وتكون علامة العهد والالتزام بختانة القلب أي بمحبة الله والقريب (تثنية 10: 12-22). في العهد الجديد، حلت المعمودية محل الختان، بها يخلع المعمد الإنسان العتيق، ويلبس الجديد الذي هو الحياة مع المسيح والسير على خطاه. في المعمودية يعطى الطفل اسما، وينتمي إلى جسد المسيح السري الذي هو الكنيسة، جماعة المخلصين بالمسيح. نصلي اليوم كي يمنحنا الله نعمة الالتزام بمفاعيل المعمودية".

وتابع البطريرك الماروني: "العيد العالمي هو بدء السنة الجديدة 2019. مع ميلاد المسيح الرب بدأ عد الأيام والسنين المعتمد في العالم. هكذا صار تجسد الكلمة الإلهي محور الروزنامة السنوية، والزمان اكتسب شأنا أساسيا: ففي إطاره تم خلق العالم؛ وفيه يجري تاريخ الخلاص الذي بلغ ذروته في ميلاد يسوع الإله، ودعاه بولس الرسول ملء الزمن؛ وفيه كمسرح تجلت وتتجلى قدرة الله وتعمل في حياة البشر وتاريخهم. وبلغ الزمان غايته عندما سيأتي الرب يسوع بالمجد في نهاية الأزمنة ليدين الأحياء والأموات".

وأضاف: "أما العيد الكنسي فهو اليوم العالمي للسلام، الذي أنشأه القديس البابا بولس السادس منذ اثنتين وخمسين سنة. فاختار اليوم الأول من كانون الثاني يوما عالميا للسلام، لأن اسم يسوع يعني السلام. كما أعلن الملائكة ليلة ميلاده: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام (لو 14:1). وأكد بولس الرسول أن المسيح سلامنا (أفسس 14:2)، إعتاد البابوات توجيه رسالة بموضوع السلام لكل سنة، لكي تكون محط تأمل ونشر وبرنامج عمل للسنة الجديدة. وجريا على هذه العادة وجه قداسة البابا فرنسيس رسالته بموضوع السياسة الصالحة هي في خدمة السلام. أما نحن في لبنان فقد دأبت اللجنة الأسقفية عدالة وسلام على الاحتفال باليوم العالمي للسلام، على المستوى الوطني، في الأحد الذي يلي الأول من كانون الثاني. فسيتم الاحتفال به هنا في الكرسي البطريركي الأحد المقبل السادس من كانون الثاني الحالي".

وتابع: "إننا نختار بعض الأفكار التوجيهية من رسالة البابا فرنسيس لنسلطها على أوضاعنا اللبنانية الراهنة. إن أفضل ما تقدمه الجماعة السياسية للمواطنين هو السلام لأنه يعني عدالة تؤمن الحقوق وتطالب بالواجبات؛ وإنصافا يفرج عن المظلوم، ويحد من شر الظالم؛ وضمانة للمساواة بين الجميع أمام القانون، أكانوا في السلطة أم خارجها. فالسلام ينبع من العدالة على ما تنبأ أشعيا النبي (أش 17:32). والسلام هو الإسم الجديد للإنماء كما كتب القديس البابا بولس السادس في رسالته العامة بعنوان: في ترقي الشعوب (الفقرة 87). والإنماء يتصف بأنه إنساني وشامل للشخص البشري وللمجتمع والدولة. إن المسؤولين السياسيين عندنا، الذين يعرقلون أو لا يسهلون تأليف الحكومة، بأية صيغة أتت، مصغرة كانت أم موسعة، إنما ينتهكون واجب العمل من أجل إحلال السلام في لبنان الذي يحتاج إليه المواطنون. ونعني بالسلام الاستقرار السياسي والاقتصادي والمعيشي، وتوفير فرص العمل للجميع، وتعزيز تحفيز القدرات الشخصية، وتأسيس عائلة، وتأمين مسكن. ونعني به طيب العيش معا بالاحترام والثقة المتبادلين والتكامل، والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة، والالتزام بالميثاق الوطني والدستور ومعهما تطبيق اتفاق الطائف روحا ونصا".

وقال: "يكتب البابا فرنسيس في رسالته: إن السياسة، إذا أخذت بالجدية، تحقق خير الأمة والشعب؛ وإذا مورست بمسؤولية، حمت الشعب مما يعوقه، وعملت جديا على تأمين الأوضاع الكفيلة بمستقبل لائق وعادل له وللأجيال الطالعة. وإذا تحققت بالاحترام الأساسي لحياة المواطنين وكرامتهم، كانت حقا فعل محبة رفيعا ( راجع الفقرة 2). لكننا نرجع ونقول إن ما تفرضه أوضاع البلاد والمؤسسات وحاجات الشعب على السلطة السياسية، من الصعب جدا، إن لم نقل مستحيلا، أن تواجهه حكومة عادية كالتي يفكرون بتأليفها. فإذا كانت هناك لدى ذوي الإرادات الطيبة نية بالنهوض بلبنان وتجنيبه المخاطر الإقتصادية والمالية والمعيشية، وبالمحافظة على مؤسساته من الفساد المستشري والمتأصل، وحمايته من التدخل السياسي المذهبي، يجب في مرحلة انتقالية تأليف حكومة مصغرة من ذوي الاختصاص، الحياديين، المعروفين في المجتمع اللبناني بأخلاقيتهم وحسهم الوطني وفهمهم لأصول السياسة وممارستها. غايتها إجراء الإصلاحات اللازمة في الهيكليات والقطاعات، وتوظيف المال الموعود في مؤتمر سيدر (نيسان 2018)، من أجل النهوض الإقتصادي. ومن شأن هذه الحكومة المصغرة بناء السلام المنشود الذي يحتفل به العالم بيومه، على ضوء موضوعه: السياسة الصالحة هي في خدمة السلام، كما أعلنه قداسة البابا فرنسيس".