موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
البطريرك إلياس الحويك رجل الحوار والوحدة.. هل يُطوّب قديسًا؟

لميا شديد :

 

في خطوة عفوية غير رسمية على هامش زيارة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الى الفاتيكان، والتي تزامنت مع اسبوع ذكرى الاستقلال اللبناني، جرى تسليمه أعمال دعوى تطويب البطريرك مار الياس الحويك، ابن بلدة حلتا البترونية، من مقرر الدعوى الأب فنشنسو كريسكولو في مجمع دعاوى القديسين في الفاتيكان، في حضور رئيس المجمع الكاردينال جيوفاني أنجيلو بيتشو. وقد تناولت حياة البطريرك الحويك وفضائله وشهرة قداسته، تمهيدًا لإعلانه مكرمًا، أي انه عاش ببطولة الفضائل الإلهية والإنسانية والأخلاقية، وبهذا الإعلان ينتهي رأي الكنيسة في انتظار معجزة لإعلان التطويب.

 

وها هي جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات التي أسسها البطريرك الحويك ومعها أبرشية البترون المارونية والمنطقة وبلدة حلتا تعيش مراحل خطوات الدعوى عشية مئوية إعلان دولة لبنان الكبير. وفي رأي عدد كبير من الباحثين والمفكرين والمؤرخين، إن ولادة لبنان الكبير كانت نتيجة جهود البطريرك الياس الحويك، ابن الخوري بطرس الحويك من بلدة حلتا – البترون. ويسرد الأب جورج صغبيني بعضًا من سيرة البطريرك الحويك مشيرًا إلى أنه انتخب بطريركًا بتاريخ 6 كانون الثاني سنة 1899 في بكركي، وأنه زار السلطان عبد الحميد خلال سنة 1905، فنال منه وسامًا رفيعًا. ولمّا عاد إلى لبنان رفع نصب تمثال سيدة لبنان في حريصا.

 

في أيامه كانت الحرب العالميّة الأولى التي أحكم فيها العثمانيون حصارًا على جبل لبنان، فمات عشرات الألوف من أبنائه بسبب الجوع. ولعب البطريرك دورًا في استعادة المناطق المنسلخة عن لبنان وهي معلقة زحلة وبعلبك وراشيا وحاصبيا، وترأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 ليطالب باستقلال لبنان بحدوده التاريخية، وقد دعي بحقّ بطريرك الجميع.

 

بعد انسحاب العثمانيين، ظهرت بين اللبنانيين،عدّة اتّجاهات جعلت الاتفاق مع بعضهم البعض أمرًا عسيرًا. لكن البطريرك الياس الحويك عرف كيف يكون رسول وحدة واستقرار في لبنان، فكان يؤيّد كل مساعي الخير بين الطوائف اللبنانية كافة. فمحضه اللبنانيّون ثقتهم، وكان بمنزلة أب لجميع اللبنانيين على حدّ سواء حاملاً باسمهم لواء الاستقلال والحريّة. ففي سنة 1919، فوّض اللبنانيون جميعًا البطريرك الياس الحويك ليتوجّه باسمهم إلى مؤتمر الصلح الذي عُقد في قصر فرساي الباريسي مطالبًا باستقلال لبنان. وغادر البطريرك إلى قصر فرساي من  ميناء جونيه ليعرض القضيّة اللبنانيّة، فنجح في مسعاه وعاد حاملاً بشائر الاستقلال ومحققاً طموحات اللبنانيين في اليوم الأول من أيلول سنة 1920.

 

كتبت الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الاخت ماري انطوانيت سعاده في كتابها عن حياة البطريرك الياس الحويِّك فتناولت حياته منذ الولادة 1843 حتى مماته في 1931، فتحدثت عن الخوري الياس والمطران الياس والبطريرك الياس وقالت: على مدى إثنَين وثلاثين عامًا، وهي فترةُ بطريركيّتِه الطويلة، تجَلَّتْ في أعمالِه غَيْرَتُه الرّسوليّة الرّاعويّة باهتمامِه بالتّربية، وبقطاع الصحّة والاستشفاء، والعناية بالأيتام، والدّفاع عن المظلومين. كانَ همُّه الأوّل محاربةَ الأُمِّيَّة والجَهل والمرض والظّلم. في 3 أيّار 1908، دشَّنَ معبَد سيّدة لبنان في حريصا مُكرِّسًا البلاد للعذراء مريم وواضعًا إيّاها تحت حمايتِها. اهتَمَّ بتأسيس وكالة بطريركيّة للموارنة في القاهرة وأرسَلَ إليها سنة 1911 أوّلَ مندوبٍ بطريركيّ مارونيّ. سنة 1913، كرَّسَ كنيسةَ العائلة المقدّسة في عبرين. سنة 1915، التقى جمال باشا في صَوفر ليفاوِضَه في أمورِ المُؤَن الغذائيّة ولتخفيفِ وَطأَةِ الظُّلمِ عَن شعبِه. سنة 1916، أمَرَ أنْ تُفتَحَ أبوابُ الكرسيّ البطريركيّ، وأبوابُ الأديار، أمامَ ضحايا الجوع الذي اجتاحَ البلاد في الحرب العالميّة الأولى. سنة 1919، وبعدَ أنْ نالَ ثِقَةَ جميعِ اللّبنانيّين، مَثَّلَ لبنان في عصبة الأمم في فرساي، مُطالبًا باستقلال البلاد. في الأوّل من أيلول سنة 1920 وبحضورِه، أعلَنَ الجنرال غورو دولةَ لبنانَ الكبير".

 

في ليلة الميلاد من سنة 1931 توفي وجثمانه لا يزال موجودا في الدير الام لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات في عبرين. وقد وصَفَه الصحافيّ الفرنسيّ دافيني على إحدى صفحات لوفيغارو، قال: المونسينيور الحويِّك صاحبُ قامةٍ متوسّطة؛ نبيلُ الطَّلْعَةِ، يَقِظٌ وثاقِبُ العَينَين، وِدِّيُّ الشَّكلِ جدًّا. لِحيَتُه البيضاء تُعطيه مَظهرًا وقورًا".

 

إنَّ شهاداتِ مَن عرَفَهُ تُفيدُ بأنَّ الحويِّك هو رجلُ الله، رجلُ الحوار والوحدة، الرّاعي وأبُ الجميع، محامي العائلة، دائمُ الإصغاء إلى حاجات الكنيسة والمُجتَمَع، حاملٌ في قلبِه همَّ العمل الرّسولي والإجتماعي ومُستعِدٌّ دائمًا للعملِ من أجل خير شعبِه.