موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ١٤ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
الباحثة منيرفا قسيس جرايسة تكتب: تحضير الخطاب للزواج

الاستاذه منيرفا قسيس / جرايسة :

 

تعد فترة الخطوبة من أهم الفترات في حياة الشباب، لتأثيرها إيجاباً أو سلباً في حياة الشريكين ما بعد الزواج، ومن هنا تنبع ضرورة  تهيئة الخطّاب، لتمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو حياة زوجية مستقرة وارابتط عائلي متين.

 

كيف نحقق ذلك؟ وما هي نوعية المعرفة البناءة والفاعلة التي تُقدم للخطّاب؟ وهل هي كافية؟

 

كلنا نعلم أن الزواج حياة مشتركة مفعمة بالحب والعطاء والتضحية، لذلك يجب أن تُسند بقيم إيجابية تمده بالاستمرارية بالأمان والاستقرار، لكن هل كلنا مؤمنون بهذه القيم؟ وهل عايشنا بعضاً منها من خلال خبراتنا الشخصية أو خبرات أحبائنا وأهلنا وأصدقائنا؟ وهل نعرف أهمية تواصلنا القائم على الاستماع الفعال والإصغاء والاحترام لمشاعر الآخر؟ وهل نعرف آلية تقديم الدعم المعنوي وإعطاء الراحة للآخر في حالات تعرضه لمواقف مؤلمة ومحزنة؟ وهل نشجع الآخر على المضي قدمًا أو على فحص الخيارات المتاحة للخروج من المواقف المظلمة والصعبة؟ و هل تعودنا على خلق التوازن الدائم ما بين احتياجاتنا واحتياجات الآخر في حياتنا؟ وهل نستطيع أن نخرج من ذواتنا وانانيتنا ونبدأ لغة جديدة فحواها الـ"نحن" وليس "الأنا"؟.

 

لا أريد أن أطيل الحديث في طرح التساؤلات، فكل منا يأتي من خلفية أسرية وثقافية مختلفة وتوجهًا مغايرًا في توجيه أبنائه وتربيتهم، فتارةً  يكون التسلط والقسوة ما تحكم العلاقات، وتارةً أخرى، الحب والتفاهم والشراكة والحوار سيد الموقف.

 

فمثلاً، قد يكون لدى بعض الأسر توجهات سلبية نحو بناتها، بمعنى أن مكانتهن يجب ألا تعلو على الأبناء، وينطبق الأمر على تقسيم الأدوار في هذه الأسرة، فالنظرة الدونية للمرأة مقابل إعطاء مكانة أعلى للرجال في العائلة كالأب والأخ والزوج على حساب الطرف الآخر (الإبنة، أو الأخت، أو الزوجة والأم) هو ما سيؤثر في توجهات من سيلتقون بهم يومًا لتشكيل أسرة جديدة. ضمن مؤسسة الزواج.

 

ومع تقدم المجتمعات في توجهها نحو التعلم والعمل والتطور التكنولوجي بتنا نلمس رفع مستوى الوعي بحقوق الاحترام والحب والتقدير لدى الشباب والشابات، لكن للأسف ما هو إلا وعيًا سطحيًا وأنانيًا، إذ تجد كُلاً منا يدرك أن له حقوقًا في الاحترام المتبادل والحب والتقدير وفي نفس الوقت نهمل واجباتنا في تقديم هذه الحقوق للطرف الآخر.

 

إذن النتيجة، كيف سنلتقي وننتقل من مستوى المعرفة بالشيء إلى إتقان ممارسته في المواقف الحياتية المختلفة، وخصوصًا في بناء علاقة زوجية والدية إيجابية تقوم على البناء والتطوير لمهارتنا الشخصية وذواتنا، عبر رفع متوى الوعي الذاتي بخصائصنا الإيجابية منها والسلبية والعمل على توظيفها. وهنا نخرج من متاهة الإخفاق في علاقاتنا ونتعرف على محور الخلل أو الضعف في مسؤولية كل طرف بدل الاستمرار في إلقاء اللوم على الطرف الآخر، وكأننا محررون ومعصومون عن الخطأ، فأي خلل لا بد أن يُسأل عنه الطرفان،

 

يحق لي أن أقول هنا إن للعلاقات الإنسانية خطوطًا حمراء لا يجب تجاوزها، فحياتنا مثل الإشارة الضوئية (إشارة المرور) التي تتحكم بطبيعة حياتنا وسيرنا في الشوارع وتضمن عدم تعرضنا لحوادث سير قد تؤذينا وتوذي غيرنا، فالإشارة الحمراء في حياتنا هي الاحترام قبل الحب، فلا يحق لنا أن نحب شخصًا ونجرحه ونقلل من شأنه بأي شكل من الأشكال الكلامية منها والنفسية والجسدية، وعندما نشعر بحاجتنا إليه نصحو من غفوتنا ونعتذر منه حتى لا نخسره، فيعتقد الطرف الآخر أن التغيير حدث وأن هذه المواقف لن تتكرر، والحقيقة هي عكس ذلك وليست بالسهولة التي يتصورها أي منا، فانتقاص إنسانية الإنسان بأي شكل من الأشكال هو خط أحمر لا بد من عدم تجاوزه في علاقاتنا، فالجهد مطلوب ليتم بذله من أجل تعميق مفهوم الاحترام المتبادل للآخر وقيمه، ودعمه بالحب خصوصًا في علاقتنا الشخصية والزوجية، فالحب من أساسيات التوافق الزواجي والعائلي.

 

إن الاعتقاد أن الحياة الزوجية بمضمونها تشتمل على التوافق فقط، فالحب والمودة والتشابه والانسجام هو اعتقاد إيجابي لكن بلا شك في كونه غير كاف وغير دقيق، فالزواج شراكة تقوم على الاختلافات بين طرفين يحاولان بناء أسرة، كلٌ له معاييره وتوجهاته وقيمه، والمهم هنا احترام هذه الاختلافات والمحاولة الدائمة للتفاوض بين الزوجين لأخذ خلاصة هذه الاختلافات وذلك من أجل انتاج توجه تكاملي لتجسيير المتطلبات الخاصة للحياة الزوجية وإنجاحها مع ضرورة توافر الإيمان بضرورة استمرارية هذه الشراكة، وتقديم بعض التنازلات لأهداف أقوى وأسمى، فنكون نموذجًا ايجابيًا لأبنائنا ونساعدهم في بناء توجهاتهم المستقبلية الإيجابية نحو الزواج وبناء الأسرة.

 

فبدلاً من أن نكوِّن نموذجًا سلبيًا في إنكارنا لذواتنا في توجههنا نحو بعضنا بعضًا، وتحويل مصدر أماننا إلى محور ألمنا وخوفنا، إذ لا بد أن نبذل الجهود في بناء علاقاتنا وخصوصًا الزوجية والوالدية لضمان صحة نفسية واستقرار لكل أطراف العلاقة بل للمجتمع بأسره، فهنالك من الأمور ما يُستطاع التغاضي عنه واعتباره مميزًا لهم ولا يشكل خطرًا، وهنالك بعض الأمور التي علينا أن نتفاوض عليها ونبذل جهدًا كبيرًا في تعديلها وتغييرها حتى نكون بأمان في علاقاتنا الأسرية والاجتماعية فهي تستحق منا ذلك.

 

الاستاذه منيرفا قسيس/جرايسة: محاضرة في دائرة العلوم الاجتماعية في جامعة بيت لحم، خبيرة في العمل الإرشادي الأسري والشبابي، أيضًا محاضرة مع مركز العائلة المقدسة في مواضيع تتعلق بالاتصال والتواصل والتهيئة للخطاب المقبلين على الزواج، حاصلة على شهادة الماجستير في دراسات النوع الاجتماعي والتنمية من جامعة بير زيت، وشهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية من جامعة بيت لحم.