موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٧ ابريل / نيسان ٢٠١٩
البابا وغوتيرس ومتغيرات الموقف من المسلمين

د. رضوان السيد :

حضر الأمين العام للأُمم المتحدة مؤتمر القمة العربية بتونس، وألقى كلمةً نبَّه فيها إلى خطورة الخروج على قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي في القدس وفلسطين والجولان. ونبَّه إلى بؤس الأوضاع الإنسانية في الدول العربية التي ما استطاعت تجاوُز الأزمات الطاحنة التي غرقت فيها منذ عام 2011، وما يمكن أن يؤدّيَ إليه ذلك من ظهور حركات تمردٍ وتطرفٍ جديدة. وبعد ثلاثة أيامٍ على القمة، زار الأمين العام مصر وقابل شيخ الأزهر فهنأه على إصدار وثيقة الأخوة الإنسانية مع البابا في أبوظبي. واللافت في التصريح الذي أدلى به في الأزهر التنبيه إلى الصعود الهائل للإسلاموفوبيا، والعنف الحاصل ضد المسلمين في كل مكان. وقد ذكر أنّ المفارقة تظهر في اتهام المسلمين بالتطرف والإرهاب، بينما معظم ضحايا الإرهاب في العالم هم من المسلمين.

كلام الأمين العام للأُمم المتحدة، يأتي بعد كلام البابا فرنسيس في أبوظبي على هامش إصدار وثيقة الأُخوة الإنسانية، وكلامه أخيراً في العاصمة المغربية الرباط، حيث تبادل الكلمات مع الملك محمد السادس بشأن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، وبشأن الفقر وفساد البيئة وقضايا المهاجرين ومشكلات التطرف والإسلاموفوبيا. قال البابا في أبوظبي والرباط إنّ الذي يجمع بين المسيحية والإسلام هو الميراث الإبراهيمي، وهو قيمة الرحمة الإلهية والإنسانية. بينما ذكر الأمين العام في تصريحه بالأزهر أنّ الإسلام دين مودةٍ ورحمةٍ ومُسالمةٍ وسلامٍ.

إنّ هذا كلَّه يشير إلى متغيرَين، الأول: إحساس بعض كبار رجال الدين والدولة في العالم بخطورة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وأيديولوجيات الكراهية ضد المسلمين، ودعواتهم لمكافحة هذه الظواهر. وكان البابا سبّاقاً إلى ملاحظة الأمر منذ عام 2013 حينما ذكر ذلك في خطابه الأول بعد تولّيه كرسيَّ البابوية. وعاد إلى استنكار ظواهر الكراهية ضد المسلمين ودينهم في رسالته عن الرحمة عام 2016، ورسائله في حقوق الضيافة والجوار للمهاجرين عام 2018. بيد أنّ الإحساس بخطورة هذه الظواهر ما كان شاملاً في السنوات الأخيرة، باستثناء تصريحات بعض مفوَّضي الشؤون الإنسانية بالمنظمات الدولية. أمّا اليوم فإنّ التنبيه إلى الخطر والخطورة صار واضحاً وشاملاً.

أما المتغير الثاني فهو أنّ جهود العرب بالذات والمسلمين بعامةٍ من ورائهم، وخلال عدة سنواتٍ، بدأت تؤتي ثمارها بسبب نهج التواصل والتعارف ونبذ خطاب الكراهية والتطرف والذي اتخذته المؤسسات الدينية وقادتها، والسياسيون، والمفكرون. وقد ذكر شيخ الأزهر في حديثه مع غوتيرس شراكاته مع البابا وأسقف كنتربري ومجلس الكنائس العالمي. وقد مضى القادة العرب من علماء وساسة إلى إقامة المؤتمرات وورشات العمل وجهات التدريب، والمراصد ووسائل الإعلام. ومن ذلك معهد التدريب بالأردن، والمرصد بالأزهر، ومأسسة الفتوى والإرشادات في دار الإفتاء المصرية، وأعمال ومؤتمرات رابطة العالم الإسلامي، ووزارة الشؤون الإسلامية، ومركز اعتدال، ومركز الملك عبد الله بالمملكة العربية السعودية، ومنتدى تعزيز السلم ومجلس الحكماء بدولة الإمارات، ومعهد تكوين الأئمة بالمملكة المغربية. وجهات التأهل والتأهيل هذه مزدوجة النشاط، بمعنى أنها تكافح التطرف بالدواخل، وتجري حواراتٍ وورشات وتُصدر إعلانات مع أهل الديانات والثقافات الأُخرى.

أمامنا تحديان وفُرصة. التحدي الأول يتمثل في متابعة هذا النهج وهذه الممارسات بقصد التأثير الأقوى والأفعل في جمهورنا، وبقصد الوصول إلى صدقيةٍ وانضباطٍ أعلى بحيث لا تظهر أجيالٌ جديدةٌ من المتطرفين، ولا يعود العنف باسم الإسلام للظهور مجدداً. والتحدي الثاني هو اكتساب القدرة على تغيير الخطاب الديني بحيث تتغير «رؤية العالم» في أوسط شباننا من جهة، وبحيث يتأهلون للعيش في عالم العصر وعصر العالم. وتتمثل الفرصة في وجود أمثال هؤلاء الكبار في عوالم الدين والسياسة والاستراتيجيا، كالبابا فرنسيس وغوتيرس وأسقف كنتربري والمستشارة ميركل.

في العقدين الأخيرين (منذ عام 2001) سرى السواد في طلعة الإسلام وقوامه. وفي ظلّ ذاك الاسوداد جرى تبرير المظالم الهائلة التي وقعت وما تزال تقع على المسلمين. وإنّ تلك الآلام المهولة وغير الإنسانية والتي تفوق الهولوكوست بمراحل من جهة أولى، وجهود العرب والمسلمين من جهةٍ ثانية، وتلقّي الكبار واستجابتهم من جهةٍ ثالثة، كل ذلك حريٌّ أن يؤدي إلى انفراجٍ تدريجي معتبر.

قال لي فرنسيس فوكوياما: اليهود وقع عليهم الهولوكوست بسبب قلتهم، وأنتم وقع عليكم الهولوكوست بسبب كثرتكم!

(الاتحاد الإماراتية)