موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣ مايو / أيار ٢٠١٩
البابا: نحو تضامن عالمي في إطار احترام الإنسان والأرض والسلام والخير العام

الفاتيكان نيوز :

استقبل البابا فرنسيس ظهر اليوم الخميس في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم الاجتماعية وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه

وقال الحبر الأعظم في خطابه: في الرسالة العامة "كن مسبّحًا" وفي خطابي للسلك الدبلوماسي هذا العام لفتت الانتباه إلى التحديات ذات الطابع العالمي التي ينبغي على البشريّة مواجهتها كالتنمية الشاملة والسلام والعناية بالبيت المشترك والتغيير المناخي والفقر والحروب والهجرة والاتجار بالبشر والاتجار بالأعضاء وحماية الخير العام والأشكال الجديدة للعبوديّة.

وأضاف: حثّت الكنيسة على الدوام على محبّة شعبها والوطن، وعلى احترام كنز التعددات الثقافيّة والعادات والتقاليد وأساليب العيش المتجذّرة في الشعوب. في الوقت عينه حذّرت الكنيسة الأشخاص والشعوب والحكومات من انحرافات هذا التمسُّك عندما يتحوّل إلى تهميش وحقد تجاه الآخرين، أو عندما يصبح قوميّة عدائيّة ترفع الجدران وأحيانًا تمييزًا عنصريًّا أو معاداة للساميّة. إنّ الكنيسة تراقب بقلق عودة تيارات عنيفة نحو الغرباء ولاسيما المهاجرين وكذلك القوميّة المتزايدة التي تهمل الخير العام.

وتابع: إنها لعقيدة عامة أن تكون الدولة في خدمة الشخص البشري والمجموعات الطبيعية للأشخاص كالعائلة، والمجموعة الثقافية والأمّة كتعبير عن رغبة شعب ما وعاداته العميقة والخير العام والسلام. ولكن وبالرغم من ذلك غالبًا ما يتمُّ إخضاع الدولة لمصالح مجموعة مسيطِرة وغالبًا من أجل ربح اقتصادي يضيِّق على الأقليات الاثنية واللغوية أو الدينيّة الموجودة في البلاد. بهذا المنظار، يُظهر الأسلوب الذي من خلاله تستقبل أمّة ما اللاجئين نظرتها للكرامة البشريّة ولعلاقتها مع البشريّة. كلُّ شخص بشري هو عضو في البشريّة ويملك الكرامة عينها. عندما يُجبر شخص ما أو عائلة ما على ترك أرضه يجب أن يتمَّ استقباله ببشريّة.

وقال البابا فرنسيس: لقد قلت مرارًا أن واجباتنا تجاه المهاجرين تتمحور حول أربعة أفعال: الاستقبال والحماية والتعزيز والإدماج؛ فالمهاجر ليس تهديدًا لثقافة وعادات وقيم الأمّة التي تستقبل، وإنما من واجبه أيضًا أن يندمج في الأمة التي تستقبله. وبالتالي من واجب السلطات العامة أن تحمي المهاجرين وتنظِّم بعناية تدفّق المهاجرين وتعزز الاستقبال بشكل تتم فيه تنشئة السكان وتشجيعهم على المشاركة بوعي في عملية إدماج المهاجرين الذين يتمّ استقبالهم.

وأضاف: إن مسألة الهجرة، والتي هي واقع دائم في التاريخ البشري، تنعش التفكير أيضًا حول طبيعة الدولة. إن الأمم بأسرها هي ثمرة إدماج لموجات متتابعة من الأشخاص أو مجموعات المهاجرين وتميل لأن تكون صورة لتنوع البشريّة بالرغم من كونها متَّحدة بالقيم والموارد الثقافية المشتركة والعادات السليمة. لا يمكن اعتبار الدولة كأمر مطلق أو كجزيرة إزاء الإطار الحالي. ففي الحالة الحاليّة للعولمة، ليس على صعيد الاقتصاد وحسب وإنما على صعيد التبادل التكنولوجي والثقافي أيضًا، لم يعد بإمكان الدولة أن تؤمّن وحدها الخير العام لمواطنيها، إذ أن الخير العام قد أصبح عالميًا، وعلى الأمم أن تتعاون من أجل مصالحها.

ولفت إلى القول: بينما وبحسب مبدأ التعاضد يجب أن يتمَّ الاعتراف بقدرة كل أمّة بمفردها على العمل لما يمكنها بلوغه، يمكن من جهة أخرى لمجموعات الأمم المجاورة أن تعزز تعاونها وتسلّم ممارسة بعض الخدمات لمؤسسات حكوميّة دوليّة تدير مصالحها المشتركة. يمكن لهذه النظرة التعاونية بين الأمم أن تحرّك التاريخ من خلال إعادة إطلاق تعددية الأطراف التي تتعارض مع النزعات القوميّة الجديدة والسياسة المهيمنة. فتتحاشى البشريّة هكذا تهديد الاستعانة بالنزاعات المسلّحة في كلِّ مرّة ينشأ فيها خلافًا بين الدول، كذلك تتملّص البشرية أيضًا من خطر الاستعمار الاقتصادي والإيديولوجي للقوى الخارقة متنبّهة للبعد الشامل بدون أن يغيب نظرها عن البعد المحلي والوطني.

وخاطب البابا الحضور قائلا: أشجّعكم على المتابعة في البحث عن عمليات تهدف لتخطّي ما يقسم الأمم واقتراح مسيرات تعاون جديدة لاسيما فيما يتعلّق بالتحديات الجديدة للتغيّر المناخي والأشكال الجديدة للعبودية والخير الاجتماعي الأسمى الذي هو السلام. للأسف يبدو أنّه قد تمَّ تجاوز موسم نزع الأسلحة المتعدد الأطراف ولم يعد يحرّك الضمير السياسي للأمم التي تملك أسلحة نووية؛ لا بل يبدو أنّه قد تم فتح مرحلة جديدة لمواجهة نووية مقلقة لأنها تلغي تطورات الماضي القريب وتزيد خطر الحروب وكذلك بسبب الخلل الوظيفي لتكنولوجيات متقدّمة ولكنها تخضع على الدوام للعامل الطبيعي والبشري الغير قابل للتخمين.

لذلك، تابع الحبر الأعظم يقول، تدعى الدولة لمسؤوليّة أكبر؛ فإذ تحافظ على ميزات الاستقلالية والسيادة وتستمر في البحث عن خير مواطنيها يبقى من واجبها اليوم أن تشارك في بناء خير البشريّة العام، العنصر الضروري والأساسي للتوازن العالمي. وكذلك على هذا الخير العام والشامل أن يكتسب بدوره قيمة قانونيّة أكبر على صعيد دولي. وخلص البابا خطابه راجيًا من المسيحيين وأعضاء الأكاديمية الحبرية للعلوم الاجتماعية، "أن تتعاونوا معي في نشر هذا الوعي بتضامن عالمي متجدد في إطار احترام الكرامة البشرية والخير العام واحترام الأرض والسلام".