موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٦ فبراير / شباط ٢٠١٩
البابا في مضاربنا

سائد كراجة :

في زيارة غير مسبوقة، وصل الحبر الأعظم بابا الفاتيكان هذا الأسبوع إلى جزيرة العرب، وقد التقى البابا فرنسيس على أرض الإمارات العربية المتحدة مع الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر في مؤتمر لحوار الأديان تحت عنوان: "الأخوة الإنسانية"، ويذكر أن هذا اللقاء هو الرابع بينهما فيما يشير إلى توافق كبير في توجهاتهما العامة. زيارة البابا الذي يمثل ما يزيد عن مليار كاثوليكي في العالم هي الأولى إلى الجزيرة العربية وزيارته قد تمهد لزيارة السعودية قريبا.

البابا فرنسيس شخصية نوعية فهو أول بابا في الفاتيكان من خارج أوروبا منذ القرن الثامن الميلادي، وهو مدرسة في التواضع والزهد فقد رفض أن يتخذ القصر الرسولي في الفاتيكان سكنا دائما له، وهو يعيش ويتنقل بزهد غير معهود، ويعرف البابا بتوجهاته الإصلاحية والتطهيرية؛ فقد واجه بشجاعة قضايا الاعتداءات الجنسية في الكنيسة، وأعلن عن إجراءات صارمة لمواجهتها، الأهم أنه ينظر بإيجابية للمهاجرين المسلمين إلى أوروبا ولا يرى فيهم تهديدا بل يدعو إلى استيعابهم ومساعدتهم، وهو من مناهضي الحروب وقد دعا قبل توجهه للمنطقة لوقف الحرب في اليمن ومناصرة أهلها.

الأمام الأكبر أحمد الطيب شخصية متنورة يتقن عدة لغات، وقد استطاع تطوير خطاب إسلامي حضاري لقبول الآخر والتعايش مع الديانات الأخرى، وهو بهذا الصدد يركز دائماعلى آليات وامكانيات التعايش المشترك ويبتعد عن مناقشة القضايا العقدية والفكرية المتعلقة بالديانات الأخرى.

البابا فرنسيس سيقيم قداسا في الإمارت والمتوقع أن يحضره أكثر من مائة ألف شخص حيث يعيش في الإمارات ما يقارب نصف مليون مسيحي معظمهم من الفلبين والهند، ويبلغ عدد المسيحيين في الخليج حوالي 3.5 مليون نسمة، ويذكر هنا ان المسيحية قديمة في الجزيرة العربية والكنائس موجودة هناك منذ القرن الرابع الميلادي، ويوجد في البحرين والكويت مسيحيون خليجيون لهم كنائسهم التي يتعبدون فيها.

زيارة البابا للجزيرة العربية تذكرنا بأن الشرق هو مصدر الديانة المسيحية؛ ففي هذا الشرق ملجأ المسيح الأول "قرية الطيبة" الفلسطينية المسيحية منذ ألفي عام، ومن باب كيسان في سور دمشق العريق خرج تلميذ المسيح القديس بولص ونشر المسيحية في أوروبا، وعلى أرض الأردن عمد المسيح عليه السلام، زيارة البابا تطرح على هذا الشرق عبء فشله الأخلاقي والتاريخي في حفظ هذا الإرث الحضاري العريق حيث يشهد الشرق هجرة المسيحيين العرب والذين نتعامل معهم الآن كأنهم بقايا آثار بائدة.

الأديان بحد ذاتها مصدر للقيم السامية للمتدينين، لكن الواقع التاريخي يشير إلى أن الاديان ذاتها استغلت من قبل المتدينين والسياسيين لإذكاء حروب دموية بين اتباع الدين الواحد وكذلك بين أتباع الديانات المختلفة، والحقيقة ان حوار الأديان اليوم مطلوب بين أتباع ذات الدين بقدر ما هو مطلوب من أتباع الديانات المختلفة، فإن بيوت الجميع من هذه الزاوية كلها من زجاج.

غاية القول: الديانات الإبراهيمية وإن كان مصدرها واحدا، إلا أن ما بينها من الاختلاف ما يجعل اتفاقها عقائديا أمرا مستحيلا، والواقع يشير أن حوار الأديان المعاصر لم يفض لأي نتائج حقيقية لردم الهوة العقائدية بين الأديان ولا بين معتقديها، ولهذا فإن الأجدى أن ينتقل حوار الأديان من مستوى وهم الاتفاق على "لاهوت او فقه مشترك" بين الأديان، إلى حوار حول امكانية التعايش المشترك وقبول الآخر حضاريا وليس فقهيا أو لاهوتيا. إن أفضل ما نعمله في حوار الأديان أن يقوم قطبا العالم الإسلامي والمسيحي بالدعوة إلى عدم استغلال الدين في السياسة وإذكاء الصراع بين الحضارات، ونحن نشاهد اليوم ما وصلت إليه أميركا كدولة عظمى يقودها تيار مسيحي متصهين.

حوار الأديان يجب أن يكون حوارا للالتزام بأن يظل الدين بعيدا عن استغلال السياسة وان يحول رجال الدين دون ان يستغلهم السياسيون لمآربهم السياسية، حوار الأديان يجب أن يرسخ حق الجميع في اتباع العقيدة التي يريدون وفي الوقت الذي يريدون، وأن تتوقف حملات إدانة العقائد والمذاهب المختلفة. حوار الأديان هو أن يكرس المتدينون ورموزهم الدينية قولا وفعلا. إن قيم الديانات هي حرية إنسانية شخصية لإعلاء قيم الحق والخير والجمال، وإلا فإنه حوار دون نتائج، فاهم علي جنابك!

(الغد الأردنية)