موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠
البابا فرنسيس يتحدّث عن ثلاث لحظات عزلة في حياته: المرض، ألمانيا وقرطبة
ثلاثة "كوفيد" بالنسبة له
يعود البابا بذاكرته إلى أوقات عزلته الشخصية، في كتابٍ جديد يحمل عنوان "فلنعُد نحلم: الطريق نحو مستقبل أفضل"

يعود البابا بذاكرته إلى أوقات عزلته الشخصية، في كتابٍ جديد يحمل عنوان "فلنعُد نحلم: الطريق نحو مستقبل أفضل"

أبونا وفاتيكان نيوز :

 

"لقد عشت ثلاث لحظات ’كوفيد‘ في حياتي: مرضي، ألمانيا، وقرطبة الأرجنتينية". بهذه الكلمات يعود البابا فرنسيس بذاكرته إلى أوقات عزلته الشخصية، في كتابٍ جديد يحمل عنوان "فلنعُد نحلم: الطريق نحو مستقبل أفضل"، في حوار مع المؤلف والصحفي البريطاني أوستين إيفيري.

 

ينطلق الكتاب من ذلك المشهد المؤثر للبابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس وحيدًا تحت المطر في 27 آذار 2020، وكأنه قبطان يقود البشرية في إحدى أحلك لياليها. ويتحدث قداسته عن الطريق نحو مستقبل أفضل، طريق نقطة إنطلاقه هذا الوضع الحالي، والذي يصفه بـ"لحظة حقيقة واختبار ملهِم"، مذكرًا بأنه لا يمكن الخروج من أزمة كما كنا من قبل.

 

إلا أن البابا لا يفكر في الوباء فحسب، بل يؤكد أن الوباء يبدو الأزمة الوحيدة لأنه يصيب الجزء الأكبر من البشرية، هو أزمة مرئية أكثر من غيرها، فهناك الآلاف من أزمات لا تقل قسوة لكنها تبدو بعيدة بالنسبة للبعض ونتصرف وكأنها أزمات لا تعنينا. ويعطي قداسته كأمثلة الحروب الكثيرة في عالم اليوم، الاتجار بالسلاح، ومئات الآلاف من اللاجئين الفرين من الفقر والجوع والأضرار الكبيرة الناتجة عن التغيرات المناخية.

 

"3 كوفيد" في حياتي
 

ولا يقتصر البابا في حواره مع الصحفي البريطاني على العالم اليوم، بل ويعود إلى حياته الشخصية وذكرياته فيتحدث بشكل مؤثّر عما يصفها بثلاثة "كوفيد" بالنسبة له. فيتذكر أولاً المرض الخطير الذي أصاب رئتيه سنة 1957 والذي كان يهدد حياته بينما كان يدرس في الإكليريكية.


 

المرض في سن مبكرة

 

جاءت أول لحظة "كوفيد" في سن 21 عامًا. عندما أخذ عدوى رئوية مميتة خلال سنته الثانيّة في المدرسة الإكليريكية في بوينس آيرس. ويقول إنّ التجربة قد غيّرت الطريقة التي رأى بها الحياة، وأعطته فكرة جيدة عن شعور الأشخاص المصابين بكوفيد-19، وهم يكافحون من أجل التنفس على أجهزة التنفس الاصطناعي. "إنني أتذكر عناق والدتي، وقلتُ لها: أخبريني فقط إن كُنتُ سأموت".

 

ويشير البابا فرنسيس إلى أن ممرضتين ساعدتاه كثيرًا خلال فترة إقامته في المستشفى. انقذت الأخت كورنيليا كاراليو حياته لأنها زادت جرعته من الدواء دون علم الطبيب. بينما قامت الثانية، وتُدعى ميكايلا، بإيماءة رحمة مماثلة باستخدام مسكنات الألم عندما كان يعاني من ألم شديد. "لقد قاتلتا من أجلي حتى النهاية، حتى شفائي في آخر المطاف".

 

من تجربة القُرب من الموت، كما يقول البابا، تعلّم أهميّة تجنّب التعزية الرخيصة. لقد قدّم الكثير من الناس وعودًا فارغة للتعافي السريع، على الرغم من أنهم يتحدثون بنوايا حسنة. لكنّ الراهبة التي علمته في الطفولة، الأخت ماريا دولوريس تورتولو، جاءت إليه إلى المستشفى، وأخذت يده وقبلته وجلست في صمت. وقالت له أخيرًا: "أنت تتمثّل يسوع". لقد علّمته كلماتها وحضورها أن يتحدّث بأقل قدر ممكن عند زيارة المرضى.

عزلة الغربة

 

الكوفيد الشخصي الثاني في ذكريات البابا فرنسيس يعود إلى فترة إقامته في ألمانيا سنة 1986. ويصف هذه المرحلة بـ"كوفيد المنفى" حيث كان قد قرر هذا النفي الاختياري لاستكمال دراسته. ويقول بأنه شعر بـ"فقدان التوازن" في نوع من عزلة من دون انتماء.

 

ويشير إلى أنه أمضى الكثير من الوقت في مشاهدة الطائرات وهي تهبط في "مقبرة" فرانكفورت، بحسب وصفه، وهو متلهفٌ على وطنه. وعندما فازت الأرجنتين بكأس العالم خلال فترة إقامته هناك، فإنه شعر بالوحدة أمام انتصار لا يمكنه المشاركة به.

العزلة الذاتيّة

 

ثم يشير البابا فرنسيس إلى ما كان بالنسبة له الكوفيد الثالث، أي الفترة التي أمضاها بين الأعوام 1990 و1992، خلال الفترة التي أمضاها في كوردوبا (أو قرطبة) وهي مقاطعة في بيونس آيرس في الأرجنتين، تنفيذًا لطلب الرهبنة اليسوعيّة. يقول: إنّ هذا "الاقتلاع" كان علاجًا حمل معه تحوّلاً جذريًا، وتركّز بشكل خاص على طريقته في ممارسة القيادة.

 

لقد أمضى البابا سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يومًا في المقرّ اليسوعي هناك. احتفل بالقداس الإلهي، وسمع الاعترافات، وقدّم الإرشاد الروحي. لم يغادر مكان إقامته، واصفًا بأنه نوع من "الإغلاق الذي فرضه على نفسه"، وهو ما فاده. لقد كتب وصلّى كثيرًا، وطوّر أفكاره.

 

ويضيف البابا فرنسيس: إنّ ثلاثة أمور "فاجأته" منذ ذلك الوقت. الأمر الأول هو قدرته على الصلاة. الأمر الثاني هي التجارب التي عاشها. أما الأمر الثالث، فهو الشعور بأنّ الله قد ألهمه لقراءة جميع المجلدات الـ37 حول تاريخ البابوات للمؤرخ الألماني لودفيك فون باستور.

ويتساءل قداسته اليوم: لماذا أوحى إليه الله بأن يقرأ هذا الكتاب تحديدًا في تلك اللحظة بالذات. وتابع أن هذا كان "لقاحًا" أعدّه له الله، فمع معرفة هذا التاريخ ليس هناك الكثير مما يمكن أن يدهشه مما يحدث في الكوريا الرومانية وفي الكنيسة اليوم، وأكد أن قراءة هذا الكتاب كانت مفيدة جدًا بالنسبة له.

 

بالتالي، يشدد البابا فرنسيس على أن كل أزمة تقدّم لنا درسًا يجب أن نعرف كيف علينا أن نستفيد منه، وتابع أنه قد تعلم من "كوفيداته" الشخصية أن هناك الكثير من المعاناة، ولكن إن تركتَ نفسك للتغيير فستخرج أفضل مما كنت، أما إذا وضعت المتاريس والحواجز فستخرج على نحوٍ أسوأ.