موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٦ فبراير / شباط ٢٠١٣
البابا: صليب المسيح هو شجرة الحياة الجديدة التي تعيدنا إلى الله

الفاتيكان – إذاعة الفاتيكان :

أجرى البابا بندكتس السادس عشر صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول: نقرأ في الآية الأولى من الكتاب المقدس: "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك 1، 1) فالله هو مبدأ كل شيء وفي جمال الخليقة تنجلي عظمة أب محب. وأضاف من خلال الخليقة يظهر الله كأب وكمبدأ للحياة وبالخلق تظهر عظمته، فهو كأب صالح يعتني بكل ما خلقه بمحبة وأمانة، فتصبح الخليقة عندها مكان معرفة عظمة الله وصلاحه. بالإيمان، يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين، ندرك أن العالمَين أُنشئت بكلمة الله، حتى إن ما يُرى يأتي مما لا يُرى" (عب 11، 3).

تابع الأب الأقدس يقول يجد العقل البشري في الكتاب المقدس وفي ضوء الإيمان المفتاح لفهم العالم. فكل ما يخلقه الله هو حسن وصالح، مفعم بالحكمة والمحبة؛ وعمل الله الخالق يحمل النظام، يدخل التناغم ويعطي الجمال. وأضاف إن الحقيقة الأساسية التي تظهرها لنا روايات التكوين هي أن العالم ليس عبارة عن مجموعة قوى متضاربة فيما بينها، وإنما يجد أساسه وثباته في الكلمة، حكمة الله الأزلية، التي لا تزال تحمل الكون.

أضاف البابا يقول: يتساءل صاحب المزامير قائلا: "عندما أرى سمواتك صنع أصابعك، والقمر والكواكب التي ثبّتها، ما الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده؟ (مز 8، 4- 5). فالكائن البشري، الذي خُلق من محبة الله، هو صغيرٌ أمام عظمة الكون، ولكن صغره وضعفه يتماشيان مع ما أرادته له محبة الله الأزلية. إن الإنسان قد خُلق على صورة الله ومثاله، ونحن جميعنا نحمل في داخلنا نسمة الله المحيية وكل حياة بشرية كما يعلمنا الكتاب المقدس تحظى بحماية الله الخاصة، وهنا تكمن كرامة الإنسان ضد كل محاولة لتقييم الإنسان بحسب معايير منفعيّة وسلطوية.

تابع الحبر الأعظم تعليمه الأسبوعي بالقول نجد في الفصول الأولى من سفر التكوين صورتين معبّرتين: الجنة مع شجرة معرفة الخير والشر والحية (تك 2، 15- 17؛ 3، 1- 5) فالجنة تدل أن الله لم يضع الإنسان في غابة متوحشة وإنما في مكان يحمي، ينمّي ويدعم. أما الحية فهي صورة آتية من العبادات الشرقية للخصوبة والتي كانت تسحر شعب إسرائيل وتشكّل له تجربة دائمة لترك العهد السريّ مع الله. وفي هذا المنظار يقدم الكتاب المقدس التجربة التي تعرَّض لها آدم وحواء كنواة للتجربة والخطيئة. ماذا قالت الحية؟ "أيقيناً قال الله: لا تأكلا من جميع أشجار الجنة؟" (تك 3، 1) بسؤالها ولّدت الحية الشك بأن العهد مع الله هو سلسلة تقيّد وتحدُّ من الحريّة ومن الأشياء الجميلة والقيمة في الحياة، فتصبح عندها التجربة في بنائنا المنفرد للعالم الذي نعيش فيه دون قبولنا لمحدودية كوننا خلائق وتصبح محبة الله الخالق ثقل يجب التحرر منه. ولكن عندما تتشوه العلاقة مع الله، تتبدل العلاقات الأخرى أيضا ويصبح الآخر خصماً وتهديداً.

أضاف البابا يقول الخطيئة تولِّد خطيئة وجميع الخطايا عبر التاريخ مرتبطة بعضها ببعض، وهذا ما يدفعنا للحديث عما يسمى بـ"الخطيئة الأصليّة". فما هو معنى هذه الحقيقة الصعبة الفهم؟ أولا علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن لأحد أن يعيش من ذاته ولذاته، نحن ننال الحياة من الآخر وليس فقط عند الولادة وإنما كل يوم، فالكائن البشري علائقي يجد ذاته في العلاقة مع الله والآخرين، لكن الخطيئة تدمر العلاقة مع الله كما يؤكد كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أنه بالخطيئة الأصلية "اختار الإنسان ذاته على الله، على مقتضيات كونه خليقة، ومن ثَمَّ على صالحه الخاص". (عدد 398)

تابع الأب الأقدس يقول إن الخطيئة الأصلية تطال الطبيعة الإنسانية وتجرحها، والإنسان لا يمكنه أن يخلِّص ذاته بذاته، وإنما فقط إن أعاد الخالق ضبط العلاقات الصحيحة. وذلك بواسطة يسوع المسيح الذي بعلاقة بنوية كاملة مع الآب، ينحني ويصبح خادما ويسير درب المحبة ويواضع نفسه حتى موت الصليب ليعيدنا إلى الله، فيصبح عندها صليب المسيح شجرة الحياة الجديدة.

ختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: إخوتي وأخواتي الأعزاء عيش الإيمان هو معرفة عظمة الله وقبول صغرنا وحالتنا على كوننا خلائق وأن نترك الرب يملؤنا من محبته.