موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الأربعاء، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠١٩
الانتخاب الإسرائيلي والانتحاب العربي!

الأب د. بيتر مدروس :

هذه سخرية التّاريخ والأقسى منها قهره وقمعه وظُلمه. لا هدوء للفلسطينيّين ولا حياة ولا هناءة، بلا حريّة ولا استقلال ولا سيادة وحتّى لا أرض، ليس فقط لهم بل لكلّ شعوب المنطقة العربيّة المجاورة. ويتساءل بعضهم بتشاؤم يمكن فهمه بسهولة: ماذا بقي لنا؟ "عائشون من قلّة الموت!" ومن الطّرَف الآخر، بل بغضّ الطّرْف تمامًا عن الوصايا العشر وعن الأخلاق وعن الأصول والآداب والإنسانيّة والعدل والرّحمة، نشأ بتحرّكات اجتماعية ثمّ فرق مسلّحة - كيان عبريّ يزاحمنا ويطردنا ويطالب بفلسطين كلّها "أرض ميعاد" "لشعب بلا أرض". وانتهى بنا الأمر أن عدنا نحن إلى "اللا أرض". وكادوا يشككّوننا بأننا شعب، نحن الباقين في وضع "الإنسان الدّونيّ والمواطن الدّونيّ"، وأنّ لنا ليس فقط وطنًا بديلاً واحدًا هي مملكة شرق النّهر- بل عشرين!

ولكي نكفكف دموعنا، مع أنّ لا سلوى، ونغلب اليأس، مع أنّ لا رجاء في البشر الّذين نسمعهم اليوم، نشحذ عزائمنا لندرك على الأقلّ ما يحدث، وقد أراحنا "اليسار الإسرائيليّ" الذي كان منّا نفر متشجّع بسيفه يضربون. وحسب ما نذكر، أعلن ذلك"اليسار" الصفعة بوضوح: "على أيّ حال، تبقى أورشليم تحت السيادة الإسرائيليّة" ومثل ترامب قالوا: "اورشليم ليست موضوع مفاوضات". وما خفّف علينا الصّدمة" لا إعلان القدس عاصمة وحيدة لكيان عبري ولا تقديم الجولان – من غير صاحبه- إلى من لا يجوز أن يؤول له، حسب عنوان أحد مقالات صحيفة "القدس"، وقد ختمت يد الدهر مرّة إضافيّة ذراع القوّة وكأنّ دائرة العنف الغاشم لا تنتهي.

لذا، مهما تبارى "المتنافسون" اليهود وتحاور المنتخبون في ديمراقطيّة نحلم بها – إذ لا دولة لنا بعد أو لا دولة لنا، فما فيهم أيّ رجاء. وأمامنا أربع سنوات لننتظر ما تعلّمنا أنه يكون أسوأ.

مسكين الشّعب العربيّ، مسكين لسان العرب!

ليس المقصود عضو الكلام، والكلام مشكلة كبيرة عندنا خصوصًا على بعضنا. بل المقصود هو "لغة" العرب، وإن كان من ينسب اللفظة إلى فعل "اللغو" أو إلى الكلمة اليونانيّة "لوغوس". ومع ترجيح الأصل العربيّ نفضّل "اللغة".صارت الأغلاط اللغويّة في العربيّة كثيرة في وسائل الإعلام ليس فقط في "ترجمة" الأفلام بل في إذاعات ومقالات. وعلى سبيل المثال لا الحصر – مع أنّ المرء كان يؤثر الحصر والنفي- هذه بعض الأمثلة من المقالات التي لم يكن أسوأ ما فيها، كما سنرى، أمر الأخطاء النحوية وسواها: "صون (بالواو!) قلبك" والوجه "صُن" لأنها مجزومة ومنعًا لالتقاء الساكنَين. وأيضًا: "فالوالدين يبذلون كلّ الجهد"، والوجه أن تكون مرفوعة لأنها مبتدأ "فالوالدون".

أمّا الخطأ الثّاني والأخطر في المقال المشار إليه فهو يهوديّته وعبريّته وتلموديّته ! نعم، من أوّل حرف إلى الآخر لا يستشهد الكاتب ولا يقتبس إلاّ من العهد القديم، فهو يهودي يخاطب يهودًا. ولا يجوز له ولا لغيره أن يتذرّعوا بأننا "نعترف بالميثاق العتيق أيضًا ولا سيّما التوراة والمزامير"، لأننا مسيحيين ومسلمين نؤمن بالسيّد السيح والسيدة العذراء، ولا يصحّ شيء ولا يستقيم ولا يكمل من غير الإشارة إلى المسيح. فها إنّ "الإناء نضح بما فيه". هذا هو الواضح من المواقف. بل في كتابات "برج صهيون للمراقبة" أوضح من ذلك وأكثر عبريّة وأعمق يهوديّة و"أدقّ رقبة": "الأسفار (أي الكتب) اليونانيّة المسيحية كانت إضافة وتكملة موحى بها للأسفار العبرانيّة" ("ترجمة العالم الجديد"، ص 590) يعني بالعربيّة أنّ الإنجيل المقدس وكلّ العهد الجديد مجرّد ملحق، في حين أنّ العهد القديم هو الأصل. ومَن أقرّ بأبيه ما ظلم!

ويصدق القارىء الكريم إذ يتساءل: ما العلاقة بين الانتخاب الإسرائيليّ والانتحاب العربيّ، من جهة، وهذه الإيضاحات حول يهوديّة مقالات ومجموعات، من جهة أخرى؟ أوّلاً الصّدفة إذ حصل الأمران في الأسبوع الماضي. ثانيًا، ضرورة إطلاع المسيحيّين والمسلمين من مسيحي حقيقيّ ومن مُقحم، مَن لهم ومَن عليهم. ثالثًا العنصر المشترك هو التّجاهل والحذف والإلغاء: إلغاء الإنجيل المقدّس والمسيح، إلغاء الشعب الفلسطينيّ "وأمل" تصفية الشعوب العربيّة بينها، "وقد نجحوا في ذلك المخطّط بعض الشيء".

خاتمة

توصّل مؤخّرًا أحد رؤساء دولنا العربيّة إلى أن يتربّع على عرش الرئاسة إلى أن بلغ التسعينات بيمن الله ورعايته. ولولا الله ولولا الحياء وثورة الأشاوس لدخل فخامته دورة رئاسيّة أخرى. ويبدو أنّ أحد زملائه الرؤساء ما بقي إلاّ ثلاثين عامًا كان له ثلثا الخاطر أن يستمرّ إلّا أن انقلبت الدنيا حوله. فهل بدأت أيضًا عند أبناء عمّنا ظاهرة الإبقاء على نفس المرشّح (أو غير المرشّح) أو بقاؤه (إذ لا أحد غيره) فيتكرّر فوز نتنياهو بحكم هو أصلاً واحد أي تصفية القضية والشعب الفلسطينيين وإضاقة الخناق على الشعوب العربيّة خصوصًا المجاورة، عاجلاً أم آجلا؟

مهما يكن من أمر، علينا أن نؤكّد ما يسعى الباطل إلى إنكاره والإعلام الكاذب إلى تمويهه والصّمود في الهويّة التي لا يعترف بها "عظماء" والثّبات في أرض الآباء والأجداد!