موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٢٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٧
الاخت رانيا خوري تكتب: سفر مفاجئ إلى بيت لحم

الأخت رانيا خوري، ابنة القلبين الأقدسين :

مريم تحمل في أحشائها جسد الرب، غير أن حبلها بابن الله لم يعفها من حدود الجسد والشعور بالثقل وضيق النَفس.

يوسف الحنون البار يشعر بمريم، ويود أن يخفف حِملها... عض على شفتيه مراراً قبل أن يخبرها بمرسوم القيصر أغسطس بإحصاء المعمور...

ها هو يتلعثم بالكلمات ويلقيها بدون ترتيب على مسمع مريم... تتسع حدقتا مريم!

كإعصار عنيف هبت الأفكار القلقة برأسها "حقاً؟... كيف؟... ولماذا الآن بالذات؟" ألا يحق لابن الله أن يولد بسلام تحت سقف بيت عائلته التي اختارها لنفسه؟ أم ألا يحق لي أن أنعم بالسكينة وأنا في شهري التاسع وقد أعددت كل شيء ليوم ميلاده العجيب؟

يوسف يُطأطئ رأسه ويغوص بأفكاره... كم يود أن يُجنّب مريم كل هذا العناء.

مريم تصلي في سرّها وإذا بكلمات الملاك يتردد صداها في قلبها "لا تخافي يا مريم... لقد نلتِ حظوة عند الرب!" ... مريم تتساءل: أهكذا تكون الحظوة؟!

كلمات أخرى يتردد صداها " الروح القدس يحل عليك وقدرة العلي تُظللك" رعشة مقدسة سرت في جسدها فأيقظتها من كوابيس أفكارها، وإذا بابتسامتها العذبة ترتسم من جديد على وجهها الشاحب المتعب. وبصوت عميق رددت من جديد: "ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك".

بخُطى ثقيلة لكن مفعمة بالحب، قامت مريم لتُعد كل شيء، فكونها أم الله لم يُنسها أنها أمته الوضيعة... كم تود أن تحمل كل البيت معها، لكنها لن تستطيع. ما أصعب التمييز عندما يتوجب عليك الاختيار من بين الضروري ما لا يمكن الاستغناء عنه! وهي تعلم أنها لن تستطيع أن تحمل لطفلها المُخلص الاّ النزر القليل.

مريم تُحدّث نفسها "ألم يكتفِ بفقرنا حتى يولد في الطريق كأفقر الفقراء؟"

أما يوسف فقد أعد ما يلزم: أسرج الحمار ووضع عليه النزر القليل من ثياب أعدتها مريم. وأخذ معه خبزاً وزيتاً والقليل من الفاكهة المجففة. وأخذ عصاه وقنديله وحجرين صغيرين لإعداد النار، ودس صرة النقود التي تيسرت له بين الثياب التي أعدتها مريم خوفاً من اللصوص وقطّاع الطريق.

لم يكن امتطاء الحمار سهلاً على مريم، ولم تكن الطريق أسهل، عليها أن تسير وترتاح على إيقاع القافلة. وبعد أيام، وصلوا أخيراً إلى بيت لحم وكان الوقت مساء.

مريم منهكة، مريم متعبة ونوبات من الألم تباغتها بين الحين والآخر، تحاول مريم أن تكتم صرخاتها، غير أن يوسف البار يتنبّه لالتوائها ومسحة الألم الشديد المتجلي على وجهها وعيناها اللتان تتسعان وتضيقان بشكل مفاجئ.

الأبواب موصدة، والليل على الأبواب. لا أقرباء فتحوا بيوتهم ولا أصحاب النُزل رقّوا لحالهم.

أُشير إليهم أخيراً بالذهاب إلى مغارة هي إسطبل حيوانات.

"المكان نتن" همس يوسف

"لا بأس فهو دافئ" أجابت مريم...

شمّر يوسف عن ساعديه وأخذ يُعد المكان...

كان ينقصه كل شيء، غير أن محبته البارّة جعلت من الإسطبل مكاناً يرشح منه الحنان وحسن الاستقبال...
استريحي قليلاً يا مريم -قال يوسف– وحاولي أن تسترخي قليلاً...

بعد لحظات يسيرة سمع يوسف شهقة وتأوه تبعهما بكاء طفل وليد.

دهشة تقشعر لها الأبدان و... خشوع! ماذا يمكنك يا ترى أن تعمل من أجل ابن الله؟ ... لا شي سوى السجود!

وانقلبت المغارة سماء. ابن الله تجسد ليقاسمني أحوالي وآلامي وتقلبات حالي الوضيع.

اقبل سجودي أمام سرّك وقبولي إرادتك في حياتي يا من تركت سماك وثوب بهائك وارتديت طبيعتنا الضعيفة لأجل محبتنا.