موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
الاختراعات وفائض الوقت

د. صلاح جرّار :

كنت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي مديراً لمكتبة الجامعة الأردنيّة، فبعث لي نائب رئيس الجامعة آنذاك الدكتور عصام زعبلاوي ملفّاً فيه بضع أوراق باللّغة الإنجليزية، وطلب منّي دراسة الملفّ وتقديم الاقتراح المناسب في شأنه. ولمّا درست الأوراق وجدت فيها عرضاً مهمّاً لاستخدام تقنية حديثة للاتّصال لا تقتصر فائدتها على الاستخدامات المكتبية بل يمكن أن تستخدم على نطاق الجامعة، وهذه التقنية لم تكن موجودة في الدول العربيّة آنذاك إلاّ في مكانين فقط..

كانت هذه الخدمة حسب العرض المقدّم لنا تدعى «البريد الإلكتروني»، وكانت التكلفة المقدّرة للاشتراك بها باهظة جدّاً لا تتناسب والميزانية المخصّصة لمكتبة الجامعة، فكان ردّي على الأستاذ نائب الرئيس، إنّ هذا العرض مهمّ ومفيد جدّاً ونتمنى الاشتراك فيه على أن تخصّص الجامعة الميزانية اللازمة لذلك.

لم أكن أعلم حينذاك وربّما لم يكن أحدٌ من الناس يتوقّع ما يمكن أن تصل إليه ثورة الاتصال التي نعيشها اليوم، وأنّ بإمكان أيّ شخص في أيّ مكان من العالم أن يتواصل في بضع ثوانٍ مع أي شخص في أيّ مكان من العالم مع إمكانية مشاهدته وسماع صوته وتحديد الزاوية من البيت التي يكون فيها في أثناء التواصل أو حتّى خارج لحظات التواصل، ولا ندري ما الذي يمكن أن تصل إليه الحال بعد بضع سنوات أو في المستقبل البعيد.

وسواء عرفنا أين يتجه العالم في هذه التقنيات والاختراعات أم لم نعرف، فإنّ من المهمّ أن نعرف أنّ الذين اخترعوا ذلك كلّه إنّما أرادوا باختراعاتهم أن يوفّروا الوقت والجهد والمال الذي يحتاجون إليه في معاشهم، فيستفيدون من الوقت الفائض في إنتاج إضافي في مختلف مجالات الحياة.

وأمّا نحن الذين نتمتع باستخدام هذه التقنيات اليوم طولاً وعرضاً وليلاً ونهاراً، فإننا لم نفكر بالوقت المستفاد من هذه التقنيات وكيفية الانتفاع به، بل إنّنا نفعل خلاف ما أراده مخترعو هذه الأجهزة من توفير للوقت وتوجيهه إلى منافع أخرى، بل أصبحت هذه التقنيات في بلادنا مدخلاً واسعاً لإضاعة الوقت وتبديد الجهد وهدر المال وتجميد الطاقات العقلية والفكرية والإبداعية.

إنّ الأمثلة والشواهد على سوء استخدام هذه التقنيات في بلداننا ولدى شبابنا وبناتنا وأطفالنا وحتّى مثقّفينا وعلمائنا، لا تكاد تحصى، ومعظم الناس يعلم كم يقضى من الوقت إمّا في كتابة منشورات خالية من أيّ مضمون نافع، وإمّا في حذف رسائل ومنشورات تنهمر عليه كالمطر ممّا لا قيمة له ولا جدوى حتّى من النظر فيه.

إنّ الوقت الذي تتيح لنا ثورة الاتصالات الحديثة توفيره، هو كنزٌ ثمين، علينا أن نستثمره في العمل النافع والإنتاج الجديد والسعي إلى حلّ مشكلاتنا التي تحتاج منّا إلى المزيد من الجهد والسعي والبذل والوقت. فإذا كان غيرنا ممّن ينتجون هذه الاختراعات لا يتوقفون عن العمل والإنتاج، وهم أقلّ حاجة منّا إلى الإنتاج، فما أحرانا نحن أن نقدّر قدر كلّ ثانية من وقتنا للعمل والإنتاج ونحن في أمسّ الحاجة إلى كلّ جهدٍ ممكن من أجل تجاوز أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسواها.

(الرأي الأردنية)