موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٨ أغسطس / آب ٢٠١٨
الإساءات: لا وثيقة بابوية جديدة، إنما يجب تطبيق الرسالة

بقلم: أندريا تورنيلي ، ترجمة: منير بيوك :

لا توجد أية توجهات بابوية جديدة ستصدر بخصوص موضوع الإساءة، كما أن البابا فرنسيس لا يعد وثائق جديدة موجهة إلى الأساقفة بخصوص مكافحة الاعتداءات داخل الجسم الكهنوتي ضد الأطفال. فقد نفت مصادر فاتيكانية موثوقة شائعات تقول أنه بعد كتابة "رسالة إلى شعب الله" بعد بضعة أيام من نشر تقرير بنسلفانيا سيجري الإعداد لنص جديد يصدر عقب عودة الحبر الأعظم من زيارته الرسولية لإيرلندا.

يعتبر البابا فرنسيس رسالة "إلى شعب الله" مفصلة، كما يؤمن بأن الكنيسة قد جهزت نفسها بالأدوات والقوانين التنظيمية اللازمه لمكافحة أولئك الذين يرتكبون جريمة الإساءة ضد الأطفال، وكذلك تحميل الرؤساء المسؤولية إن لم يتصرفوا بطريقة مناسبة، وبالتفكير في مصلحة الضحايا، إذا ما تم ارتكاب شيء كهذا نتيجة الإهمال أو لأسباب ثانية.

تحتوي الرسالة الصادرة في العشرين من آب على مؤشرات روحية ورعوية دقيقة وملموسة، وبالتالي هي لا تمت بصلة إلى القوانين والمدونات والأنظمة. بداية، يتذكر الحبر الأعظم أن الجرح الصادر عن الإساءة هو جرح للكنيسة بأكملها، وبالتالي يجب أن يكون الرد بالإجماع وبمشاركة الجميع. كما أنها تدعو في المستقبل إلى الالتزام وبإطلاق مبادرات جديدة "لخلق ثقافة قادرة على منع وقوع مثل هذه الحالات، وأيضًا إلى منع محاولات التستر عليها أو إدامتها". إن ذلك الأمر هو دعم لأنشطة اللجنة الفاتيكانية ومركز حماية الطفل التابع للجامعة الغريغورية البابوية، مع توجيهها دعوة إلى الكنيسة بأكملها لمواصلة العمل بهدف تغيير الثقافة الإكليريكية والعقلية التي تسترت على الموضوع لعقود من الزمن بدلاً من الاستماع إلى الضحايا.

يقول البابا فرنسيس في رسالته "إن الألم الذي عانى منه الضحايا وعائلاتهم هو أيضًا ألمنا". إنه ألم نحتمله دائمًا دون اعتبار هؤلاء الناس المذنبين بارتكاب فضيحة تشوه اسم المؤسسة الكنسية. ويؤكد البابا أنه بالنسبة للكنيسة، فإن جراح الضحايا "لن تزول أبدًا". كما يدعو الحبر الأعظم إلى معالجة المشكلة بطريقة "شاملة ومجتمعية".

كما يطلب فرنسيس إزالة ثقافة الصمت من خلال إشراك جميع "شعب الله"، لأن إساءة استخدام السلطة الناتجة عن الاكليروسية وإدامتها، لهما علاقة بعدم قبول قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني، لاسيما دستوره العقائدي في الكنيسة Lumen Gentium (نور الأمم)، حيث تبرز قيمة سر المعمودية وأهمية شعب الله المقدس. لذلك، يجب أن تنتمي إن كل ثرثرة إكليروسية تميل إلى اعتبار الكهنة طبقة اجتماعية منفصلة، وتنتهي بمواقف تفضيلية، يجب أن تنتمي إلى الماضي. يقول الحبر الأعظم في رسالته في هذا الشأن: "من المستحيل أن نفكر في تحول نشاطنا ككنيسة لا تشمل المشاركة النشطة لجميع أفراد شعب الله. في الواقع، كلما حاولنا استبدال، أو إسكات، أو تجاهل، أو تقليل شعب الله إلى نخب صغيرة، فإننا في نهاية المطاف نخلق مجتمعات، ومشاريع، وأمور لاهوتية، وروحانيات، وهياكل بلا جذور، بدون ذاكرة، بدون وجوه، وبدون أجسام، وفي النهاية دون حياة".

وفي ذروة رسالته، يقدم البابا فرنسيس مرة جديدة استجابة ملموسة، روحانية، ورعوية ومسيحية عميقة؛ يجب على الكنيسة بمجملها أن تضع نفسها في موقف توبة، مما يسمح لها بأن "تتجدد من الداخل". وبدون المشاركة النشطة من قبل أعضاء الكنيسة جميعهم، لن تنجح شيء يجري من أجل استئصال ثقافة الإساءة في مجتمعاتنا المحلية ويهدف إلى إيجاد ديناميكانيات ضرورية لإجراء تغيير سليم وواقعي. سيساعدنا بُعد التوبة في الصوم والصلاة، بوصفنا شعب الله، على العودة إلى الرب برفقة إخواننا وأخواتنا، باعتبارنا خطأة ننشد المغفرة ونعمة الخجل والإرتداد".

ويطلب البابا من الكنيسة برمتها، من رعاة كنائسها ومن كل شعب الله، أن يشاركوا في الصلاة والتوبة والصوم. من الأهمية بمكان التأكيد على أن طريقة تفسير هذه المؤشرات الملموسة للغاية يجري تركها في أيدي مختلف المجالس الأسقفية، لأنه، على سبيل المثال، قد يكون في الولايات المتحدة أو في ألمانيا يوم الصوم أكثر فائدة، في حين يمكن أن تكون في الأرجنتين عبادة الافخارستيا، وفي بلدان ثانية كلا الأمرين. قد يفكر المرء في يوم وطني أو أسبوع من الصلوات والاجتماعات الخاصة لزيادة الوعي حول المشكلة في كل رعية. باختصار، هناك مؤشرات ملموسة، وسيكون من الضرورة بمكان معرفة كيف ستأخذ المجالس الأسقفية الرسالة البابوية على محمل الجد، خلال في الأسابيع القادمة.

من جهة ثانية، وفيما يتعلق بتوقعات المعايير الجديدة المعارضة للإساءة ضد الأطفال، تجدر الإشارة إلى أنه بالإمكان إجراء بعض التعديلات الصغيرة على القانون الكنسي، فاليوم لا توجد مساحة كبيرة لسماع صوت الضحايا. في إجراءات طارئة موقوتة ضد المسيئين، التي أنشأها الكاردينال راتسينجر بداية العام 2000 واتقن الإجراءات الخاصة بالطوارئ في العام 2010، قد لا تزال هناك تعديلات بسيطة يجب السعي إليها لتحقيق الشفاء، على سبيل مثال تحقيق التوازن بين الإجراءات القضائية والإدارية ضد الكاهن المسيء فيما يتعلق بالتعويض عن الأضرار.

ومن أجل التعامل مع هذه الجرائم المروعة التي هي قبل أن تكون جرائم جنسية، هي إساءة استخدام السلطة من طرف أناس يمارسون النفوذ والسلطة على الضحايا، فهناك قوانين موجودة بالفعل. يدرك الأساقفة كيفية التصرف في هذا الشأن، كما يعرفون كيفية الإبلاغ عن شكوك مثبتة إلى مجمع عقيدة الإيمان. وبمعرفتهم بأمثلة ثابتة عن بابوين اثنين، فإنهم يدركون بأنه يجب ألا يتم رفض الضحايا، أو نعتهم بالعار، أو دفعهم بعيدًا، بل يجب الاستماع إليهم، والترحيب بهم، والتخفيف عن آلامهم، ومساعدتهم في البدء بطريق تسمح لهم ولعائلاتهم بإعادة بناء حياتهم الجريحة.

هناك كذلك قوانين تخص مسألة المساءلة ومسؤولية الرؤساء الذين يتصرفون بطريقة تتسم بالإهمال. وبالفعل ينص القانون الكنسي رقم 1389 - §1 على ما يلي: "يعاقب الشخص الذي يسيء إلى السلطة الكنسية، وفقًا لخطورة الفعل أو الإغفال، ولا يستبعد بالحرمان من العمل، ما لم تكن العقوبة على تلك الإساءة منصوص عليها بالفعل بموجب القانون أو المبدأ". فمن خلال هذا القانون، المؤرخ منذ العام 1983، ندرك جيدًا أنه تم كذلك تحديد موضوع الإهمال، وليس فقط مجرد الفعل، كأداة قانونية ضد عملية التستر.

في الرابع من حزيران 2016 ومع إرادته الرسولية "كأمّ مُحبّة"، بحث البابا فرنسيس هذا الموضوع بعمق، وخصص بشكل دقيق وثيقة حول مسؤولية الأساقفة ورؤساء الكنائس. كتب قائلاً: "ينص القانون الكنسي بالفعل على إمكانية الطرد من العمل الكنسي لأسباب جسيمة: هذا يخص أساقفة الأبرشيات، وأولئك الذين بموجب القانون مساوين لهم. ومع هذه الرسالة، فإنني أرغب بالتأكيد على أنه يقع من ضمن الأسباب الجسيمة المذكورة أعلاه إهمال الأسقف في ممارسة مهامه، لاسيما فيما يتعلق بحالات الإساءة الجنسية التي يتعرض لها القاصرون والبالغون الضعفاء". ومن أجل إقالة الأسقف، سواء كان أبرشي أو رئيس رهبانية، في حالة إساءة معاملة القاصرين والبالغين، فيكفي أن يكون هناك افتقار إلى العمل الجاد في هذا الشأن. علاوة على ذلك، ينص إعلان مدير مكتب الصحافة في الفاتيكان غريج بيرك الذي تم الإعلان عنه مساء يوم السادس عشر من آب 2018 على ما يلي: "يجب على الكنيسة أن تتعلم دروسًا صعبة من ماضيها، ويجب أن تكون هناك مساءلة لكل من يسبب الإساءة، ولأولئك الذين سمحوا للإساءة بأن تحدث".

هذا نداء إلى "شعب الله" بأن يأخذوا هذه المشكلة على محمل الجد، وأن يكونوا بعد كل شيء واعين لها. إنها قوانين للمضي بها فيما يتعلق بالأساقفة، بحكم منصبهم، والذين فشلوا حقيقية في حماية الأطفال، وتستروا على ذلك، ولا زالوا شاغلين لمناصبهم. أما ما جدّ في تقرير بنسلفانيا، فيكمن للأسف، في رواية حالات الإساءة. هي سلسلة ثقيلة من الفظائع التي حدثت منذ العام 1947. إلا أنه لا ينبغي نسيان أنه منذ العام 2002 قد انخفضت هذه الحالات بشكل حاد. وهذا يعني أننا نتحدث عن الماضي، حيث معظم الكهنة الذين تسببوا بالإساءات المذكورة قد ماتوا فعلاً. وعلى الرغم من أن ذلك قد حدث في الماضي، إلا أنه ما زال هناك ضحايا قد دمرت حياتهم وما زالت جراحهم مفتوحة. لكننا بحاجة أن نتذكر أننا نتحدث عن الماضي، ومنذ ذلك الحين نقدّم الشكر إلى الكاردينال راتزينغر، ويوحنا بولس الثاني، ومن بعده بندكتس السادس عشر، واليوم فرنسيس، على الخطوات الهامة التي تم اتخاذها وفقًا للثقافة والتغيير في العقلية. فالثقافة وتغيير العقلية لم تصر أمرًا عامًا ومشتركًا في جميع أطراف الكنيسة، مما يدعو للأسف.

أخيرًا، هناك بالتأكيد مشكلة المثلية الجنسية في الكنيسة. فعدد المثليين الذين درسوا في المعاهد الإكليريكية وسيموا كهنة دون أن يتم إيجاد "حل" لموضوع عزوبيتهم هو مثار للإستغراب. فحالات أخيرة أثيرت لحالات من عصابات الشذوذ في المعاهد باتت مرضًا مستعصيًا لا يخلو منها الفاتيكان نفسه. وعند افتتاحه أعمال الجمعية العمومية لمجلس الأساقفة الإيطاليين الأخير، دعا فرنسيس إلى عدم فتح أبواب المعاهد للمثليين. إلا أنه ليس صحيحًا القول بأن مشكلة الإساءة للأطفال هي مسألة مثلية، مقدمًا برهانًا على أن هناك عدد من الإنتهاكات قد جرت على المراهقين. لا، المثلية شيء والإساءة للأطفال شيء آخر. فالإساءة هي إساءة استخدام للسلطة وللضمير الذي يوقع ذلك ضد طفل ضحية تحول إلى هدف. تحدث غالبية حالات الإساءة للأطفال في العائلات (ستون بالمائة)، ثم في المؤسسات الرياضية والمدارس وغيرها. إنها دائمًا جريمة يرتكبها شخص ما ليس على قدم المساواة مع ضحيته.

لهذا السبب، تبدو الجهود التي تبذلها المواقع الكاثوليكية وتلك التي نعادي البابا متعاطفه. وعند إجراء معركة اختياريه فقط على الذين يفترض في أنهم "قريبون" منه، فإنهم ينسون متى وكيف تم تعيين هؤلاء كأساقفة وكرادلة. كما ينسون أيضًا أنه لم تتم محاربة ثقافة معينة بما فيه الكفاية حتى من طرف رؤساء الكنيسة الكاثوليكية. فأحداث مؤسفة مثل تلك المتعلقة بمؤسس فيلق المسيح، مارسيال ماسيل، هو مجرد مثال. وأخيرًا، محاولة وضع المثلية الجنسية في الكنيسة وفي الفاتيكان ضد الحبر الأعظم الحالي هي أيضًا أمر مثير للسخرية. يستطيع المرء أن يحاولة القيام بذلك، بذبح واقع الحقائق والتاريخ فقط من خلال نسيان الخمسين عامًا الأخيرة من التاريخ.