موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٥ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
الإخلاص في العمل

د. محمد طالب عبيدات :

جاءت الرسالات السماوية كافة بدعوة صريحة للعمل والاخلاص به، والحقيقة أن الانسان الذي يعمل ويخلص بعمله يجني فوائد ومكاسب كثيرة بدءاً من رضا الله تعالى ومروراً برضا كل من حوله ومسؤوليه ووصولاً لرضاه عن نفسه، عدا عن المكاسب الدنيوية والاخروية المادية والمعنوية، وهذا بالطبع يؤول لحالة من الرضا والقناعة لدى الأشخاص والمؤسسات والأوطان.

فالاخلاص في العمل مؤشر لرضا الانسان عن نفسه وقناعته، والحصول على الرزق الحلال وراحة البال والطمأنينة وعدم القلق وتربية جيل مؤمن بربه والانتاجية والعطاء وعدم الكسل أو التخاذل، والكثير من القيم الايجابية الرائعة، وكأننا نضمن الرضا في الدنيا والآخرة على السواء.

والكل يعلم بأننا نستطيع أن نرغم الحصان أن يذهب إلى النهر لكننا لا نستطيع إرغامه على شرب الماء، كمؤشر على أن العمل ليس للمُراءاة أو عدّ الساعات فقط أو إرضاء المسؤول فقط أو النفاق لكنه من القلب دون منة أو شوفيّة، ليكون العمل خالصاً لوجه الله تعالى وبإندفاع ذاتي من قِبل الإنسان نفسه دون الحاجة لرقابة أحد عليه.

ولكننا مع الأسف نلحظ أن البعض يتطلع للعمل من زاوية المكاسب والإستفادة الشخصية فقط، دون النظر للمصلحة العامة أو المؤسسية أو حتى رضا الله سبحانه وتعالى، فليكن عملنا لمرضاة الله تعالى ولوجهه الخالص دون الإلتفات لغير ذلك، فإتقان العمل إحدى المهارات الإيمانية الخالصة والتي تدر الرزق الحلال.

ومع الأسف أيضاً، تنتشر هذه الأيام ظواهر سلبية -مظاهر فساد- كثيرة في العمل هذه الايام من قبل البعض منها: الكسب غير المشروع، والعمل للأشخاص والنفاق مع المسؤول، وتضييع الوقت، والتفنن في وسائل عدم خدمة الزبون، وطلب الرشا أحياناً من قبل أصحاب النفوس الضعيفة، وإستغلال الوظيفة العامة، وإستغلال الظروف الإقتصادية الصعبة التي نعاني منها، والكثير الكثير، وعلينا جميعاً المساهمة في كبح جماحها بكل الطرق سواء الرقابية أو المساءلة أو الذاتية أو غيرها.

ولنعلم بأن أي هدية أو مال أو مكاسب معنوية أو مادية تعطى لاي موظف كان من غير راتبه من قبل الزبون كنتيجة للقيام بعمله فهي رشوة وفساد، وللأسف تنتشر هذه الايام عند بعض ذوي الانفس المريضة طرق ملتوية لذلك سواء من قبل الموظف الرخيص أو الزبون الارخص!

فالمال العام أمانة في أعناقنا والمحافظة عليه واجب ديني وأخلاقي ووطني، ومن لا يحافظ على المال العام إبان عمله مع الدولة فهو خائن لوطنه ولضميره وللإنسانية، وواجبنا الإنساني والوطني يقتضي النحافظة على المال العام ودرء حالات الفساد التي يؤشر لها البعض لنبدأ في بناء مجتمع نظيف أساسه المواطنة الصالحة.

فالمطلوب من كل موظف أو عامل أن يمتلك في عمله روحية إنسان مخلص لا مخ لص، لان الاولى فيها قناعة ورضا والثانية فيها كل شيء رذيل! وعلى كل مواطن صالح أن يخاف الله في نفسه ومؤسسته ووطنه ودينه وكل شيء.

وما نتحدّث به هنا ينطبق على كل الناس والوظائف وكل شيء بدءاً من ربة المنزل ومروراً بالموظف بالقطاعين العام والخاص ووصولاً للعاطلين عن العمل وأصحاب المهن وغيرهم، فالكل لديه مسؤوليات أنّى كانت ليخاف الله والوطن ونفسه فيها.

فالأردن بلد بُني على نبل الصفات ومكارم الأخلاق وصدق الرسالة وشرف الأمانة ووسطية الطرح وإحترام الإنسان وكرامته، وحقق بحمد الله تعالى الكثير من الإنجازات وصمد في ظل ظروف وتحديات جسام، فوضعه السياسي والعسكري والأمني والإجتماعي في قمة الإستقرار والحمد لله تعالى، وما الأزمة الإقتصادية والمالية التي يمر بها إلّا عاصفة وسحابة صيف جاءت كنتيجة لقطع المساعدات في هذا الظرف الحرج الذي يحدق بِنَا بسبب مواقفنا المشرِّفة تجاه القدس وفلسطين وإستقبال اللاجئين السوريين ووقوفنا لجانب الحق، ولهذا يدفع الأردن ثمن مواقفه العربية والوطنية المشرفة، في الوقت الذي أدارت لنا دول شقيقة وصديقه ظهورها وتخلّت عن دعمنا، ولذلك فسلاحنا الآن في هذه المرحلة المفصلية الإخلاص بالعمل والإعتماد على الذات والحفاظ على وحدتنا الوطنية والوقوف في خندق الوطن وقيادته الهاشمية.

وبصراحة مطلقة، فالبعض ينظر للوظيفة لكسب المال فقط وهذا ظلم لنفسه وللوطن والانسانية، والمطلوب منا جميعاً مخافة الله في عملنا أنّى كنا لنكسب الدنيا والاخرة، لان الاصل إتقان العمل والاخلاص فيه -ليكون عبادة ومواطنة- لا إستخدام الاساليب الملتوية لزيادة المكاسب والمغانم، فالعمل أمانة وإيمان وعطاء وإنتاج يحاسب عليه الإنسان أنّى كان وحيثما عمل.

(الدستور)