موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر السبت، ١٣ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
الأميركيون يحاسبون الذات بشأن ماضٍ عنصري
تمثال لكريستوفر كولومبوس قطع رأسه في ماساتشوسيتس، 10 حزيران 2020

تمثال لكريستوفر كولومبوس قطع رأسه في ماساتشوسيتس، 10 حزيران 2020

أ ف ب :

 

أزيلت نصب تذكارية تعود للحقبة الكونفدرالية واقتلعت تماثيل كريستوفر كولومبوس في وقت يواجه الأميركيون أشباح ماضي البلاد العنصري غداة وفاة جورج فلويد.

 

وقال استاذ التاريخ في جامعة كنساس ديفيد فاربر "يبدو أننا لربما وصلنا إلى نقطة مفصلية في إعادة سرد الرواية بشأن من نحن كشعب أميركي". وأضاف "رأينا عشرات الملايين، إن لم يكن مئات الملايين، من الأميركيين يخوضون صراعًا مع أسئلة جوهرية بشأن ما الذي علينا فعله مع جوانب ماضينا البغيضة، وبصراحة اللاأخلاقية حتى".

 

وأثارت وفاة فلويد، الأميركي من أصول إفريقية، في 25 أيار الفائت على أيدي شرطي أبيض البشرة في مينيابوليس تظاهرات حاشدة للمطالبة بالعدالة العرقية وإصلاح جهاز الشرطة في أنحاء الولايات المتحدة. لكن وفاة الرجل البالغ 46 عامًا دفعت كثيرين للعودة إلى التاريخ لمحاسبة الذات.

 

واستهدف متظاهرون في مدن أميركية عدّة نصبًا تذكارية تعود لجنرالات وسياسيين من الجنوب المؤيد للعبودية خلال الحرب الأهلية، فأسقطوا تمثالا في ريتشموند لجيفرسون ديفيس، رئيس الولايات الكونفدرالية خلال النزاع الذي استمر من العام 1861 حتى 1865.

 

وقال فاربر إن "رموز الكونفدرالية باعتقادي هي الأكثر استقطابًا بين هذه النصب التذكارية. لكن الأمر يشمل الولايات المتحدة بأسرها". وتابع "في نيويورك، هناك تماثيل كولومبوس. في نيو مكسيكو، هناك تمثال لفاتح يعد شخصية ارتكبت إبادات جماعية في نظر شعوب بويبلو (السكان الأصليين). هناك مدارس ثانوية في كافة أنحاء الولايات المتحدة تحمل اسم جون كالهون"، وهو نائب رئيس سابق كان صريحًا في دعمه للعبودية.

 

"غضب شعبي"

 

ونوّه فاربر إلى أن النقاش بشأن النصب التذكارية العائدة للحقبة الكونفدرالية يدور منذ سنوات، وسبق أن أعرب المدافعون عن الحقوق المدنية الذين نظموا مسيرات خمسينات وستينات القرن الماضي عن غضبهم "للسير في شوارع تحمل أسماء عنصريين وشخصيات تؤمن بنظرية تفوق البيض".

 

واكتسبت جهود إزالة النصب التذكارية العائدة للكونفدرالية زخمًا بعدما أطلق مسلحون يؤمنون بنظرية تفوق العرق الأبيض النار على تسعة أميركيين من أصول إفريقية وأردوهم في كنيسة في تشارلستون في كارولاينا الجنوبية عام 2015.

 

وقالت أستاذة العلوم السياسية المساعدة في جامعة إيموري آندرا غيلسبي إن "وتيرة ذلك تزداد حاليًا بسبب المطالبات والغضب الشعبي". وأضافت "أعتقد أن ما نراه هو إعادة نظر في الكثير من فرضياتنا وتحد لأشكال عدة من التاريخ بحسب تأثيره على الأميركيين من أصول إفريقية". وأكدت أن "هذه لحظة تتسلط فيها الأضواء على العنصرية ضد السود لكن دون استثناء أشكال أخرى من الاضطهاد العرقي".

 

بدورها، أوضحت استاذة التاريخ في جامعة "ديوك" لورا إدواردز أن "الناس بدؤوا يدركون أن لهذه الرموز معان سياسية وأنها تتسبب بمشكلات بأشكال لم يكونوا يدركونها بشكل كامل". وأردفت "لم يعد من السهل مثلا وصف ذلك بالتراث"، في إشارة إلى معارضي إزالة رموز الكونفدرالية الذين يرون في الأمر محوًا لتاريخ الجنوب.

 

وأكدت إدواردز أنها "فوجئت" عندما قررت شركة "ناسكار" المنظمة لسباقات السيارات الأكثر شعبية في هذا المجال في الولايات المتحدة حظر رفع شعار الكونفدرالية خلال مناسباتها. وقالت "من بين جميع الرياضات، تبنّت (+ناسكار+) ما اعتبرته إرث الجنوب الأبيض". وأضافت "كانت الرموز المرتبطة بنظرية تفوّق البيض والكونفدرالية جزءا من علامتهم التجارية".

 

"محاسبة أوسع"

 

ورأت إدواردز أن الإطاحة برموز الكونفدرالية وتماثيل كولومبوس "مرتبطة ببعضها بشكل كبير" إذ تشكل جميعها "الاستعمار العنيف للولايات المتحدة". وقالت "يتمثّل الجزء الأول بقدوم الأوروبيين وادعائهم بحقهم في مكان كان للسكان الأصليين ومن ثم استهلال إبادة جماعية للقضاء عليهم".

 

وأعقب ذلك استيراد العبيد من إفريقيا وهو أمر وصفه استاذ التاريخ في الجامعة الأميركية آلان كراوت بـ"الخطيئة الأساسية التي لن يكون بإمكاننا تجاوزها إطلاقا".

 

وقال كراوت "ما نشهده الآن هو مراجعة للتاريخ ردًا على لحظة سياسية" رغم أن "إعادة التقييم هذه كانت جارية منذ مدة". وأشار إلى أن "مناقشة أمر التماثيل وإزالتها كانت جارية في الأساس" لكن "وفاة جورج فلويد شكّلت حافزا للقيام بالأمر سريعا وبشكل درامي".

 

ورأى الاستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة "سيراكيوز" ستفين وايت أن السكان "يعيدون التفكير بعنصرية التاريخ الأميركي بشكل أوسع. هناك محاسبة أوسع". وقال "أعتقد أنه بالنسبة لعدد متزايد من الأميركيين البيض، هناك المزيد من الاهتمام بالأسباب بعيدة الأمد لعدم المساواة العرقية في أميركا". وأفاد "أعتقد أن السؤال هو إن كانت هذه التغيّرات في الرأي العام ستدوم. هل هذه بداية تحوّل ملموس حقًا؟".