موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٠ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
"الأقطاب اللاهوتية" تبدأ نقاشاتها المبكرة حول سينودس "تحديات العائلة"

الفاتيكان – أبونا :

بالرغم من أن أعمال سينودس الأساقفة الاستثنائي حول "التحديات الراعوية للعائلة" لم تبدأ بعد، إلا أن بعض الشخصيات التي ستشارك في أعماله، في تشرين الأول المقبل، قد بدأت فعلاً مناقشة علنية حول أكثر المواضيع جدلاً وهو أهلية الكاثوليك المطلقين الذين تزوجوا ثانية بعقد مدني من التقرب للقربان الأقدس.

وطرح مؤخراً خمس شخصيات كنسية بارزة كتاباً في الأسواق يؤكد على تعاليم الكنسية الكاثوليكية بشأن الزواج والطلاق. وتشدد فيه إنه لا ينبغي للكنيسة أن تتساهل من قواعد استثناء المتزوجين للمرة الثانية بعد الطلاق من القربان المقدس.

وجاء في مقدمة الكتاب "البقاء على صدق المسيح: الزواج والقربان الأقدس في الكنيسة الكاثوليكية"، أن "مؤلفي هذا الكتاب متفقون على إقامة البرهان بحزم على أن العهد الجديد يظهر لنا أن المسيح حرّم الطلاق والزواج الثاني بعده بشكل لا لبس فيه".

ومؤلفو الكتاب الجديد الخمسة هم: رئيس مجمع عقيدة الإيمان الكاردينال الألماني غيرهارد لودفيغ مولر؛ رئيس أساقفة بولونيا الكاردينال الإيطالي كارلو كافارا؛ رئيس محكمة التوقيع الرسولية العليا الكاردينال الأمريكي ريموند ليو بورك؛ رئيس اللجنة الحبرية للعلوم التاريخية السابق الكاردينال الألماني فالتر براندمولر؛ الرئيس دائرة الشؤون الاقتصادية في الكرسي الرسولي السابق الكاردينال الإيطالي فيلاسيو دى باوليس؛ أمين سر مجمع الكنائس الشرقية رئيس الأساقفة السلوفاكي سيريل فاسيل، بالإضافة إلى عدد من الخبراء.

ولم يسبق لعميد مجمع عقيدة الإيمان في أن يصدر كتابين اثنين خلال بضعة قليلة، يعلن فيهما على الملأ أنه من غير المقبول للكنيسة بتغيير موقفها من موضوع سيتم مناقشته بلا شك خلال أعمال السينودس المقبل، لكن الكاردينال غيرهارد مولر فعل ذلك.

ويأتي الكتاب رداً على كتاب آخر أصدره الكاردينال فالتر كاسبر في شباط الماضي بعنوان "إنجيل العائلة"، وفيه نص المداخلة التي قدمها في سينودس الأساقفة الأخير حيث وكّل إليه البابا فرنسيس إعطاء الكلمة في افتتاح أعماله، تحضيراً للجمعية العامة الاستثنائية الثالثة لسينودس الأساقفة المرتقب في تشرين الأول.

ويقترح الكاردينال الألماني كاسبر، الذي شغل منصب رئيس مجمع وحدة المسيحيين من 2001 إلى 2010، في الكتاب "طريقاً يذهب أبعد من التشدد أو التساهل. فالكنيسة لا يمكنها أن تتبنّى فقط الوضع الحالي وإنما عليها أن تجد حلول وسط كالتي شكلت درب الخلقية التقليدية في الكنيسة"، مضيفاً أن هذا الأمر "ليس اقتراحاً ضد العقيدة والأخلاق وإنما هو في سبيل تطبيق واقعي للعقيدة في الوضع الحالي لنسبة كبيرة من البشر وللمساهمة في سعادة الأشخاص".

ورداً على سؤال حول "الثورة" التي سيحدثها السينودس حول العائلة في الكنيسة، قال الكاردينال كاسبر، في مقابلة له مع إذاعة الفاتيكان في آذار الماضي: "إنها ليست ثورة وإنما تعمق ونمو لأن عقيدة الكنيسة هي نهر ينمو كما هي أيضاً حال العقيدة حول سرّ الزواج. فكما أن المجمع الفاتيكاني الثاني المسكوني ساهم في تجدد الكنيسة محافظاً على العقائد، كذلك سيكون هذا السينودس، فنحن لا نتكلم عن ثورة وحداثة في الكنيسة وإنما عن تجدّد في التطبيق الكنسي وهذا أمر ضروري وممكن".

وقد اقترح الكاردينال كاسبر في الجزء الأخير من مداخلته أمام سينودس الأساقفة الأخير عن "إمكانية عودة المطلقين الذين تزوجوا ثانية إلى الشركة الكنسية في حالات معينة، وفي ظروف معينة، بعد فترة من التكفير عن الذنب". وقد أثار هذا العديد من ردود الفعل المختلفة بين الكرادلة حتى لهذا اليوم، حيث انقسمت الآراء وأصبحت وسائل الإعلام مسرحاً لجميع المناقشات ذات الصلة، كما كان الحال في أيام المجمع الفاتيكاني الثاني.

وخلال حديث آخر لكاسبر لموقع "فاتيكان انسايدر"، المتخصص في الشؤون الفاتيكانية، نفى أن يكون قد طرح أي حل نهائي، لكنه بعد موافقة البابا فرنسيس، كما يقول، سأل بعض الأسئلة وعرض بعض الأفكار التي يمكن أن تكون حلولاً محتملة. فجوهر الشيء يقول كاسبر أن "الزواج هو هبة من الله، والزوجين يصبحان علامة على نعمة الله وحبه الغير مشروطة. لكن يمكن للمسيحيين أن يفشلوا، وهنالك اليوم كثيراً من الزواجات الفاشلة. ففي إخلاصه، لا يسمح الله لأحد من السقوط، وهو يرحم ويعطي أولئك الذين يرغبون في العودة فرصة جديدة".

ويضيف الكاردينال كاسبر في مقابلته: "بعد هذا، يأتي دور الكنيسة، كعلامة وأداة من رحمة الله. يجب عليها أن تكون قريبة من الناس ومساعدتهم وتقديم المشورة لهم وتشجيعهم. في هذه الحالة، يحتاج المسيحي بشكل خاص إلى نعمة الأسرار المقدسة". ويضيف: في حين أن الزواج الثاني ليس ممكناً، كما يقول آباء الكنيسة، فإن السفينة عندما تغرق فإنها تحتاج إلى طوق النجاة لكي تبقى على قيد الحياة. في مثل هذه الحالات لا نحتاج إلى سر زواج، لكن أدوات نابعة من الأسرار المقدسة". مشدداً أن هذا الحل "لا ينطبق على جميع الحالات، لأنها قد تختلف كثيراً".

ويقول الكاردينال الألماني: "يستند مبدأ عدم انفصال (أبديته) الزواج المقدس على رسالة يسوع، ولا تمتلك الكنيسة القدرة على تغيير هذا. فعقد زواج ثانٍ غير ممكن طالما أن الشريك الأول لا يزال على قيد الحياة. لكن يجب علينا أن نميز بين العقيدة وحياة التلمذة، فما هو الإجراء الراعوي الذي يجب أن يتخذ في مثل الحالات المعقدة".

ويضيف: "علاوة على ذلك، فإن عقيدة الكنيسة ليست نظاماً مغلقاً حيث يعلمنا المجمع الفاتيكاني الثاني أن هنالك تطوراً، مما يعني أنه يمكننا النظر إلى ما هو أبعد من ذلك. وأتساءل إن كان ممكناً النظر أيضاً بشكل أعمق في اللاهوت الكنسي؛ فعلى الرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية هي كنيسة المسيح الحقيقية، فإن هنالك عناصر كنسية خارج الحدود المؤسساتية للكنيسة أيضاً. هل يمكن الاعتراف ببعض العناصر الكنسية في الزواج المدني، في بعض الحالات؟، على سبيل المثال: مفهوم الالتزام مدى الحياة، الحب والرعاية المتبادلة".

وأمل الكاردينال أن تدخل مثل هذه النقاشات "بصدق وهدوء"، والنظر إلى الخبرات الراعوية، مستذكراً كلمات البابا يوحنا الثالث والعشرين خلال افتتاح أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني: "في هذه الأيام، يجب على الكنيسة الاستفادة من دواء الرحمة بدلاً من الشدة".

البابا فرنسيس، الذي يؤمن بأن رسالة الرحمة ذات أهمية حيوية، يحث الكنيسة باستمرار الخروج من قوقعتها لتلبية رجال ونساء في سياقات يعيشون فيها. حيث دعا لعقد اجتماعين حول العائلة: الأول استثنائي من 5 إلى 19 تشرين الأول المقبل، والثاني عادي في تشرين الأول عام 2015.

وختم الكاردينال الألماني فالتر كاسبر، الذي وصفه البابا فرنسيس في آذار 2013 بـ"اللاهوتي الجيد"، بالقول: "من غير المتوقع أن يتم التوصل إلى قرارات في هذا الشأن قبل العام 2015، حيث سيكون هنالك عام كامل للمناقشات التي ستجري أيضاً على المستوى المحلي".