موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٨ يوليو / تموز ٢٠١٨
الأسئلة مرآة الشخصية

د. صلاح جرّار :

للأسئلة أهميّة بالغة، فهي تكشف عن شخصية السائل ومستوى ذكائه أكثر من كشفها عن معرفة المسؤول، وفي التعليم قد يستفيد الطالب ممّا يوجّه إليه من الأسئلة أكثر ممّا يستفيده ممّا يُملى عليه من المعلومات، غير أنّ ذلك مرهون بذكاء السائل ودقّته في اختيار أسئلته أو تصميمها.

قد يسألك شخصٌ ما سؤالاً ساذجاً فتلتمس له عذراً في المرّة الأولى، ولكن إذا تكرّرت الأسئلة الساذجة من هذا الشخص فإنك سوف تكتشف ضحالة تفكيره وضعف مستواه. كما أن ضعف الأسئلة يكشف عن محدودية المعرفة وضعفها لدى السائل.

ومن الأسئلة التي تكشف عن مستوى فكر السائل ومستوى ذوقه وثقافته بعض الأسئلة التي تدلّ على الفضول، فإذا قلت لشخص ما إنني مسافرٌ غداً فبادرك بالسؤال: إلى أين؟ ولماذا؟ فاعلم أنّه فضوليّ وقليل التهذيب والثقافة ومستوى الذوق، ويقال الأمر نفسه عن الفضوليّ الذي يسألك عن مقدار راتبك أو راتب أبنائك أو عن سبب تأخر زوجتك في الإنجاب وهل هو منك أو منها أو غير ذلك من الأسئلة ذات الطابع الشخصيّ أو التي تتطلب الإجابة عنها كشف بعض أسرارك التي لا ترغب في إفشائها.

إنّ الشخصيّة المتحضّرة والمثقّفة وصاحبة الذوق السليم هي التي تعرف حدود ما تسأل عنه، وهي التي تعرف اختيار أسئلتها واختيار الوقت المناسب للسؤال والمستوى المناسب للأسئلة.

ومن أسوأ أنواع الأسئلة ما يحمل جوابه في طيّاته، ويكون السؤال شكلاً من أشكال الاستعراض المعرفيّ.

وقد تكون الطريقة التي يوجه به السائل سؤاله مؤشراً على شخصيته، فمن الناس من يوجّه لك سؤاله دون مقدّمات أو استئذان أو إلقاء لتحيّة وبعد أن يحصل على الجواب يدير لك ظهره وينصرف دون أن يقول كلمة شكر أو وداع، ويحدث ذلك عند الذين يسألونك عن عنوان منزل أو مكان أو غير ذلك، فمثل هذا السلوك دليلٌ على قلة الاحترام وفساد الذوق.

أمّا الذي يكرّر عليك سؤالاً بعينه وفي كلّ مرّة تعطيه الجواب نفسه، فهو إمّا قليل الاستيعاب وإمّا مصابٌ بضعفٍ في ذاكرته.

ولئن كان الناس يعتقدون بأنّ الذي توجه إليه الأسئلة يكون عادة في ابتلاء وامتحان، فإنني أعتقد أن السائل لا يقلّ عن المسؤول تعرّضاً للامتحان والابتلاء عند أيّ حوار، فالسائل هو الذي يوجّه الحوار، فإذا كانت أسئلته سطحية أو ساذجة أو ضعيفة جاء الحوار ضعيفاً وغير ذي جدوى، وإن كانت أسئلته عميقة ومعدّة إعداداً جيّداً جاء الحوار عميقاً ومفيداً وكشف عن شخصية متزنة للسائل تستحق الإصغاء والاحترام والتقدير.

فالأسئلة ومستواها وأسلوب صياغتها وطريقة طرحها وحسن اختيار توقيتها هي مرآة للسائل ومفتاح لشخصيته وتحضّره وتهذيبه وثقافته.

(الرأي الأردنية)