موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١ مارس / آذار ٢٠١٤
الأخت قسطنطينة: 55 سنة في خدمة الرب وما زال العطاء وسيبقى
عمّان - أبونا :

ولدت الأخت قسطنطينة في إيطاليا بتاريخ 17/10/1936، وبعد طفولتها انضمّت إلى عائلة بنات القلبين الأقدسين (راهبات القديسة دوروثيا) حيث أبرزت نذورها الرهبانية في عام 1955. وبعد أربع سنوات من نذورها (1959)، جاءت إلى الأرض المقدسة لتخدم 8 سنوات في المعهد الإكليريكي ببيت جالا، و22 سنة في الزرقاء، و7 سنوات في البطريركية اللاتينية في القدس، ومن ثم 3 سنوات في الهاشمي (عمان) و8 سنوات في حلب (سوريا) عادت بعدها من جديد لتخدم 7 سنوات في الهاشمي.

بعد خدمة مليئة بالعطاء والتضحية، ها هي تغادرنا إلى مسقط رأسها في إيطاليا لتتلقى العلاج بعد أن حال وضعها الصحّي استمرارها في الخدمة الرهبانية بسبب ألمها الشديد في رجلها اليسرى وعدم مقدرتها على السير وحدها حفظ توازن جسمها. لقد كانت نعمة الربّ وافرة لا بل خصبة في حياتها وما زالت قادرة على السير في قلبها مع مَن أحبها ودعاها وقدمت نفسها وحياتها كلّها من أجله. فالروح مستعدّ دائماً أما الجسد فضعيف (متى 26/41). وقبل عشرة أيّام، دخلت الأخت قسطنطينة المستشفى الإيطالي وتلقت العلاج اللازم إلا أن رأي الأطباء استقرّ على ضرورة إجراء عملية لرجلها مع التأكيد أن جسمها لم يتحمّل مجريات العملية، مما اضطرّها البقاء في المستشفى إلى أن استُكملت الإجراءات لنقلها إلى إيطاليا لمتابعة علاجها هناك.

في هذه الأثناء، قام الأب عدنان بدر، كاهن رعية سيّدة الكرمل في الهاشمي الشمالي، بدعوة راهبات القلبين الأقدسين في الهاشمي والزرقاء إلى جانب مجموعة من الأشخاص الذين عرفوها وتعاملوا معها وأحبّوها لإقامة قدّاس احتفالي في الكنيسة معها ومن أجلها، وذلك شكراً للربّ وتقديراً لها وإجلالاً لما قدّمت في خدمة الكنيسة المحلية وللأرض المقدسة. وتمّ هذا الاحتفال في الكنيسة الصغيرة التابعة لراهبات المستشفى الإيطالي صباح يوم الخميس الموافق 27/2/2014. وكانت كلمة الأب بدر، كاهن الرعية، عميقة ومؤثرة نابعة من المحبة الصادقة والأمانة للنذور المقدسة والخدمة المتفانية التي عاشتها هذه الراهبة الفاضلة والمُحبّة.

وهذا نص كلمة الأب عدنان بدر، كاهن الرعية بهذه المناسبة:

حضرة الأم لوتشانا، الرئيسة العامة لبنات القلبين الأقدسين،
أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
الأخت والأم قسطنطينة الفاضلة،

من رحم السموات يولد كل نداء واختيار... ومن رحم الصلوات يتحقّق كل جواب بكلمة "هاءنذا" لسلوك طريق الربّ... ومن قوافل الأجيال السائرة وراء الربّ... ومن مواكب المكرّسين والمكرسات حيث الحصاد الكثير والعملة القليلون، جئتِ إلينا من البعيد قبل خمس وخمسين سنة وكأنّي أراكِ تُحققي من جديد كلمات الرب لإبراهيم: "انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك"(تك 12/1).

واليوم: ماذا أقول لكِ؟ وماذا أقول فيك؟... يا ليت قلوبنا تخاطبك لا أفواهنا فالكلمات لن تفيكِ حقّكِ، فلم يتوقّع أحدٌ منّا أن يراكي في مثل هذا الموقف... ولم يخطر ببال أحد أن تغادرينا بسرعة وفي مثل هذه الظروف... وكأنّك تُعيدي لنا كلمات بولس الرسول لتلميذه طيموتاوس وتقولي لكلّ واحد منّا: "قد اقترب وقت رحيلي، جاهدت جهادا حَسَنَا وأتممْتُ شوطي وحافظتُ على الإيمان" (2 طيم 4/6-7). ولكنّك لم ترحلي عنّا...

عودي إلى سفر تكوين دعوتك... عودي إلى بدايات تكريسكِ وتذكّري الذي أحبّكِ ودعاكِ وأخذ بيدكِ وجعل روحه عليكِ وجعلتيه نُصب عينيكِ... إن الذي أخذكِ من أقاصي الأرض وأرسلك أمين للنهاية وسيمنحك النعمة الكافية لجميع أيامكِ...

عليكِ أن لا تنسي أبدا أنّ لا دعوة حقيقية لكِ دون ارتباطكِ في سرّ الصليب: فالمسيح أوّل من حمل صليب الخلاص وطلب من تابعيه حمل الصليب: "من أراد أن يتبعني فليزهد في نفسه ويحمل صليبه كلّ يوم ويتبعني" (لو 9/23). فدعوتك، كما هي دعوتي ودعوة جميع البشر، مزروعة على الجلجلة، وأمام الصليب، فقد اختاركِ وقدّمكِ عطية ومثالا للبشر.

تأكدي أن حِمل الصليب ثقيل، وهو علامة للتخلي والتحرّر فلا تنظري إلى الوراء بعد أن وضعت يدكِ على المحراث. تحررتي وتخليتي من الروابط الجغرافية ومن روابط أهل الأرض واهتماماتهم.

لقد غمرك الربّ بنعمة الأمومة فكنت الأم لكلّ واحد منّا ولغيرنا... كنت الأمينة لنداء الربّ ولحياتكِ المكرّسة ولنذوركِ الرهبانية. عشتِ الفرح في خدمتكِ لأنّك سرتِ وراء المسيح بثقة وثبات. وكنت المُحبّة بلا منافس. سلكتِ روحانية البساطة فأثمرت بساطة الروحانية. كنت الوضيعة اللطيفة وإن أتعبك الجسد لن تتعبي من أن تكوني تلميذة أمينة للمسيح.
وكأني أسمع السيد المسيح يقول لك: "أحسنت أيها العبد الصالح الأمين" (متى 25/21).

لقد كنت طاقة صلاة... وطاقة حبّ.
وفي خدمة الكنيسة كنتِ... وكنتِ... وكنتِ...
كنتِ حياة الكنيسة في رعيتنا... للصغير وللكبير...
كان صمتك كلام لا بل حديث دائم مع الله... إصغاء بلا حدود وحضور بلا مثيل...
واهتمامك بأناقة بيت الربّ دليل على إيمانك العظيم ومحبّتكِ اللامتناهية له.
فالأواني والملابس المقدّسة اعتادت على يديك اللطيفة... واعتادت أن تكون في مكانها...
وكم من زهور وورود طال عمرها على هيكل الرب لأن يداكِ لمستها.

فيكِ أدركتُ اليوم كلمات السيّد المسيح: "ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبّائه" (يو 15/13).

كم هو عظيم حبّك!...
اقتديتي بالمسيح وبحثي عن إرادته فأعطاكِ وزنات كثيرة وها هو يضع صليبه على أكتافك لتسيري خلفه فلا تتردّدي أن تقولي له من جديد: "هاءنذا"
أصلي من أجلك لكي يعطيك الربّ قوة لإيمانك، وسندا لرجائك، لتبقى المحبة خصبة ومثمرة.

وأخيرا أقول لك شكرا...
,شكرا لأنك قبلت إرادة الله...
,شكرا لأنّك خدمت الأرض التي عاش عليها وفيها ربُنا يسوع المسيح.
,شكرا لأنّك كنت بيننا أمّا فاضلة، تعلم أبناءها بصمتها، وتخدمهم دون تعب أو كلل.
وأخير شكرا لك لأنّك أحببتي حتى النهاية وقدمتي كلّ شيء.

سنفتقدك لكننا نؤمن بإرادة الربّ الذي دعاكِ... كما أنّ كنسيتنا ستفتقدك... لكنّنا لن ننساكِ مدى الحياة، وسنراك في كل حلة يرتديها الكاهن على المذبح... وفي كل وردة تزين هيكل الربّ... وفي كل شمعة تضاء أمام شخص العذراء.

صلينا وسنصلّي لأجلكِ وسنرافقك دائما بصلواتنا... كي يحفظك الربّ دائما بنعمته كما أنّنا نسألك الصلاة لأجلنا...