موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الخميس، ١٣ أغسطس / آب ٢٠٢٠
الأخبار الكاذبة سابقت الوقائع منذ اللحظات الأولى لانفجار مرفأ بيروت
مشهد جوي لمرفأ بيروت، 9 آب 2020

مشهد جوي لمرفأ بيروت، 9 آب 2020

أ ف ب :

 

منذ اللحظات الأولى التالية لانفجار بيروت، وفيما كان اللبنانيون لا يزالون تحت هول الصدمة والعشرات منهم تحت أنقاض المرفأ والأحياء المجاورة، غزت الأخبار الكاذبة مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات، سواء لتعزيز موقف سياسي أو تحليل أمني، أو لمجرّد جذب التفاعلات على منشورات غير صحيحة توظّف تعاطف المستخدمين حول العالم.


 

ماذا جرى في بيروت في الرابع من آب؟

 

بعيد السادسة من مساء الثلاثاء في الرابع من آب، شعر سكّان العاصمة وجوارها باهتزاز عنيف لثوان عدّة، تلاه صوت انفجار رهيب أحال مناطق بأسرها من العاصمة ركاماً.

 

في اللحظات الأولى بعد الانفجار، ظنّ سكّان كلّ شارع في بيروت أن شارعهم هو الذي استهدف بسيارة مفخّخة أو قصف مجهول المصدر، قبل أن يتبيّن أن العاصمة كلّها نكبت جراء انفجار 2750 طناً من مادّة نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة في عنبر في المرفأ نتيجة حريق لم يتأكّد سببه بعد، وفق رواية السلطات.


 

ما هو سبب الانفجار؟

 

وبدأ التحقيق في ملابسات الانفجار، لكن حسابات وصفحات مستخدمين لمواقع التواصل باللغة العربية حسمت الأمر قبل أن يستقرّ غبار الركام، وأشارت بأصابع الاتهام إلى إسرائيل.

 

ومن أول الأخبار الكاذبة في هذا السياق، ما نسب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إذ تناقل باللغتين العربية تصريحًا أدلى به على أنه جاء تعقيبا على الانفجار وقال فيه "لقد ضربنا من يستهدفنا".

 

لكن الحقيقة أن نتانياهو أدلى بهذا التصريح قبل ساعات على انفجار مرفأ بيروت، في سياق الحديث عن نفّذتها إسرائيل إثر إحباطها عملية زرع عبوات ناسفة قرب الحدود في مرتفعات الجولان المحتلّ، وليس تعليقًا على ما جرى في المرفأ.

 

بعد أقلّ من ساعة على الانفجار، ظهر على مواقع التواصل باللغة العربية لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية يتحدّث عن استهداف أسلحة لحزب الله في مرفأ بيروت. لكن الحقيقة أن الصحيفة من هذا القبيل.

 

وانتشرت لنتانياهو يرفع في الأمم المتحدة قبل عامين خريطة على أنها تظهر موقع مرفأ بيروت.

 

لكن الموقع الظاهر في الخريطة لا علاقة له بمرفأ بيروت الواقع على المدخل الشماليّ للعاصمة، بل هو منطقة مجاورة لمطار رفيق الحريري الدولي عند المدخل الجنوبي لبيروت، على بعد ما يقارب عشرة كيلومترات عن المرفأ.

 

وكان نتانياهو يتحدّث في كلمته تلك في الأمم المتحدة عن "مواقع سريّة" تابعة لحزب الله اللبناني فيها مقذوفات "موجّهة نحو المطار"، ولم يأت على ذكر مرفأ بيروت.


 

صواريخ وطائرات مسيّرة قبل الانفجار؟

 

في السياق نفسه، ودعما لفرضيّة قصف إسرائيلي على مرفأ بيروت، ظهرت على مواقع التواصل في لبنان وخارجه مقاطع فيديو قيل إنها تُظهر طائرات مسيّرة أو صواريخ تضرب المرفأ.

 

وترافقت مع أخبار وشهادات لأشخاص قالوا إنهم سمعوا صوت طائرات حربيّة قبيل الانفجار.

 

وأعلن الجيش اللبناني أن بالفعل بين الرابع والخامس من آب فوق عدد من المناطق بينها بيروت وضواحيها، لكنه لم يأت على ذكر دور لهذه الطائرات في انفجار المرفأ، علماً أن الطيران الإسرائيلي يجوب الأجواء اللبنانية بشكل مستمرّ.

 

في هذا السياق ظهر لطائرة مسيّرة يدّعي ناشروه أنها ألقت جسما مجهولا قبل انفجار المرفأ، وانتشر المقطع على مواقع التواصل بلغات عدّة منها العربية. لكن هذا الفيديو نشرته وسائل إعلام لبنانية في 30 تموز 2020 قبل أيام من انفجار المرفأ، بعنوان "تحليق طائرتي درون للعدوّ" في جنوب لبنان.

 

كذلك انتشر فيديو على مواقع التواصل بالعربية، قيل إنه تصوير حراري يُظهر صاروخاً ضرب المرفأ قبل لحظة الانفجار. لكنّ المقطع متلاعب به بحيث بدّلت ألوانه وأضيف إليه صاروخ.

 

كما انتشر على نطاق واسع مقطع على أنه يظهر صاروخاً يضرب المرفأ قبل الانفجار، لكن أيضاً، وأضيف الصاروخ إليه تأييدا لهذه المزاعم.


 

أهوال الكارثة

 

في ثوان معدودة، دمّر المرفأ بالكامل وتحوّلت الشوارع النابضة بالحياة في جواره إلى ركام، وأحصي حتى الآن مقتل أكثر من 160 شخصًا وجرح أكثر من ستة آلاف، من بينهم مصابون في مناطق تبعد كيلومترات عن المرفأ.

 

وانتشرت على مواقع التواصل بلغات كثيرة من العربية إلى في إندونيسيا، على أنها لسيارات مستوردة احترقت في مرفأ بيروت، لكنها في الحقيقة التقطت عام 2015.

 

وكذلك انتشرت صورة حفرة قيل إن الانفجار أحدثها، لكن الصورة أيضا، في مستودع للمواد الكيميائية انفجر عام 2015.


 

التضامن مع لبنان

 

أثارت الكارثة التي حلّت ببيروت تضامنًا واسعًا عربيًا وعالميًا، لكن الأخبار التي انتشرت على مواقع التواصل وبعض المواقع الإخبارية عن إضاءة في مصر أو في تونس أو في سوريا بألوان العلم اللبناني هي أخبار غير صحيحة، والصور المرفقة بها إما مركّبة بمعظمها، أو قديمة ملتقطة في مناسبات سابقة.

 

وانتشرت أخبار وصور ومقاطع عن إرسال الرئيس السوري بشار الأسد إلى لبنان، أو لبنانيين في سوريا، أو تجتاز الحدود بين البلدين لدخول المشافي السورية، لكن هذه المنشورات غير صحيحة.

 

وفي ظلّ حرب الأخبار الكاذبة بين مؤيدين ومعارضين للسياسة التركية في المنطقة، انتشر خبر مفاده أن صوامع القمح في مرفأ بيروت التي ظلّ جانب منها قائماً رغم الدمار الكبير الذي لحق بها، هي من إنجازات الدولة العثمانية، لكن ، والصوامع شيّدت في أواخر الستينات من القرن العشرين، أي بعد نصف قرن على انتهاء الحكم العثماني للبنان.


 

تحريك المشاعر لجذب التفاعلات

 

كما ظهرت أخبار كاذبة تدغدغ مشاعر مستخدمي مواقع التواصل في العالم لجذب التفاعلات بمعزل عن أي بعد سياسي، منها قال ناشروه إنه آخر ما صُوّر لطفلة عمرها ثلاث سنوات قضت في الانفجار وهي تؤدي أغنية من زمن الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، لكن الفتاة في الفيديو بضحايا الانفجار وهي لا تزال حيّة.

 

وانتشرت كذلك صورة على أنها لأصغر ضحايا انفجار بيروت، لكنها في الحقيقة طويلة.

 

وانتشرت صورة على أنها تظهر اثنين من ضحايا الانفجار أرضا، لكنها في الحقيقة نشره فنان أميركي قبل انفجار مرفأ بيروت بنحو أسبوعين.

 

وأدى انفجار مرفأ بيروت إلى خروج تظاهرات غاضبة في بيروت مطالبة برحيل الطبقة السياسية كاملة وتخلّلها اقتحام لمبان عامّة واشتباكات مع قوات الأمن، إلا أن انتشر على أنه لتظاهرة جرت السبت ، علماً أن لبنان يشهد منذ تشرين الأول 2019 حركة احتجاجية غير مسبوقة تحمّل القوى السياسية مسؤولية الفساد الذي تسبب بأزمة اقتصادية خانقة تفاقمت مع انتشار فيروس كورونا المستجدّ، قبل أن يشكّل انفجار المرفأ الكارثة الأكبر في مشهد النكبة اللبنانية.