موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ١٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٥
الأحد الثاني من لوقا

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل من بشارة القديس لوقا (6: 31–36)

قال الربُّ كما تريدونَ ان يفعلَ الناسُ بكم كذلك افعلوا انتم بهم * فأنكم إِنْ أحببتمُ الذين يُحبُّونكم فاَّيةُ مِنَّةٍ لكم. فإنَّ الخطأةَ ايضاً يحُبُّون الذين يحبُّونهم * واذا أحسنتم الى الذين يحُسِنون اليكم فايَّةُ مِنَّةٍ لكم. فانَّ الخطأةَ ايضاً هكذا يصنعون * وان أقرضْتمُ الذينَ تَرْجونَ أن تستـَوفوا منهم فايـَّة منَّةٍ لكم. فإنَّ الخطاَّةَ أيـْضاً يُقرِضونَ الخطاَّة لكي يستوفوا منهمُ المِثـْلَ * ولكِنْ أحبُّوا اعداءَكم وأحِسنوا وأقرِضوا غيرَ مؤَمِلين شيئاً فيكونَ اجرُكم كثيرًا وتكونوا بني العليّ. فاَّنهُ منعِمٌ على غيرِ الشاكرينَ والاشرار * فكونوا رُحمَاءَ كما أنَّ أباكم هو رحيمٌ.

بسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

أيها الأحباء، لم يتكلم أحد، كما تكلم يسوع، بكلمات بسيطة، دعا الإنسانَ لأن يتجاوز الإنسان… دعا كل واحد منّا لأن يتجاوز ذاته. لا يمكن ليسوع أن يطالبنا بشيء لا نستطيع أن ننفّذه، مع أن كلامه اليوم يبدو لنا مستحيل التطبيق، لاسيما في مثل هذه الأيام: "كما تريدون أن يفعل الناس بكم، كذلك افعلوا أنتم أيضاً بهم". ما الذي يفعله الناس، اليوم، بالناس؟ أحياناً على نطاق العائلة الواحدة.

"كما تريدون أن يفعل الناس بكم، كذلك افعلوا أنتم أيضاً بهم". تُرى، هل كل منّا يحاول حقاً أن يعيش بكل صدق أبعاد هذه الكلمة؟ قد نتوهّم أننا فعلاً نعيش ما يريد منّا يسوع… قد نتوهّم! وفجأة، نكتشف واقعاً شخصياً أو عائلياً أو اجتماعياً.

ولكن نتسأل ونقول نعم هذه هي المحبَّة العمليّة التي بها ينطلق الإنسان من "الأنا"، فيحب أخاه كنفسه، يشتهي له ما يشتهيه لنفسه، ويقدِّم له ما يترجّى هو من الآخرين أن يُقدِّموه له. ولكن لقد أظهر الله محبته لنا بإرساله ابنه الوحيد إلى العالم ليعيش معنا ويخلصنا. نعم لقد أرسل ابنه لخلاص البشرية. عالمنا اليوم بحاجة ماسة إلى مثل الكتاب المقدس وحياة الكنيسة. حضارة العالم تشدّد على الأنا وإهمال لا بل أهمال الآخر. بينما إلهنا يعلمنا أن نحب وأن لاخلاص بدون محبة.

قارن الرب يسوع المسيح بين موقفين، موقف المؤمنين بالمسيح وموقف الناس الآخرين. فإذا كنّا كمؤمنين نتصرّف كباقي الناس فأي فضل أو نفع لنا؟ فإذا كنا نحب فقط الذين يحبوننا، ونُحسن إلى الذين يحسنون إلينا، ونُقرض الذين نتوقع أن نستردّ منهم، فأي فضلٍ لنا؟ أو ما هو الفرق بيننا كمؤمنين وبين غير المؤمنين الذين يفعلون هكذا؟ وما هي الميزة التي نتميّز بها عنهم؟

إن عكس المحبّة هي الأنانية ومحبة الذات. فمن السهل جدًا أن يكون الإنسان أنانيًا، يطلب كل شيء لنفسه دون النظر للآخرين وحاجاتهم، إذ هذه هي طبيعة البشر الخاطئة. لكن من الصعب جدًا أن نحب الآخرين كنفوسنا، ونعاملهم كما نود نحن أن يعاملونا. ولنلاحظ أنه ليس خطأً أن نحب نفوسنا، لكن علينا أن نحب الآخرين كمحبتنا لنفوسنا. وبالنتيجة علينا كما قال الرب يسوع المسيح أن نكون رحماء كأبينا السماوي الذي هو أساس ومصدر كل رحمة.

ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا: إن كانت الرحمة تدفعنا للتشبُّه بالله الرحيم نفسه، فإنَّنا إذ نطلب رحمة يلزمنا أن نرحم اِخوتنا ولا ندينهم: "ولا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد، فلا يُقضى عليكم.

لا تستصعبوا وصاياي، فإنَّني أقدِّم لكم ما يليق بكم كأبناء للملكوت، فأطالبكم بحياة فاضلة فائقة للطبع البشري، لأني عامل معكم وفيكم. لهذا يكمل حديثه: "فيكون أجركم عظيمًا وتكونوا بنيّ العليّ". فالعالم حين يُحب يطلب الأجرة على الأقل مماثلة، أمَّا أنتم فأجرتكم العظيمة هي بنوَّتكم لله العليّ، التي تُلزمكم الإقتداء بأبيكم السماوي. بنفس الفكر يقول السيِّد المسيح: "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم.

لذلك، يدعونا الرب يسوع المسيح في آخر إنجيل اليوم، بكلمة رائعة، تُلغي كل مقارنة بيننا وبين الآخرين، وتدعونا لأن نقارن أنفسنا بالله: "كونوا رحماء، كما أن أباكم السماوي هو رحيم". إذا ما رأيتم حولكم مَن لا يرحم، لا تنجرّوا معه… إذا ما رأيتم حولكم مَن يظلم، لا تنجرّوا معه… إذا ما رأيتم حولكم مَن لا يبالي، لا تنجرّوا معه! كونوا رحماء.

الرحمة والمغفرة هي من منهج حياتنا لكي نسلك ونعمل بوصايا الله. فلا شيء يقرق بننا إذ أردنا أن نقوم بأعمال الرحمة تاركين من وراءنا هموم العالم الفاني وواضعين أمام ناظرنا محبة يسوع الذي جاء من أجل خلاصنا.