موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٢ مارس / آذار ٢٠٢٠
الأب مروان حسّان يكتب: ظليت أصلّي حتى حصلّي، ولما حصلّي بطّلت أصلّي
راعي كنيسة يسوع الملك، المصدار - عمّان

راعي كنيسة يسوع الملك، المصدار - عمّان

الأب مروان حسّان :

 

في هذه الأيام، كثيراً ما أتأمل في وجه الله وأتخيّل مقدار الألم الذي يظهر عليه لرؤية الإنسان يفقد السيطرة على العالم... ليرى الإنسان الذي أُعطِيَ الوصية الأولى في الكتاب المقدس "انموا واكثروا واملاؤا الأرض وأخضِعوها وتسلَّطوا عليها" (تك 1: 28)... ليرى الإنسان خائفاً من العالم لأنه أرادَ أن يتسلط عليه بوحشية، وها هو اليوم يحصد هذه الوحشية بردّة فعل انتقامية من الطبيعة ومن العالم.

 

ما نمرّ به اليوم ليس عقاباً من الله وإنما الإنسان يعاقب ذاته... ونظرة الله لنا هي نظرة العطف والشفقة والحب؛ نظرة الذي يُريد أن يشفي كل شيء بلمسةٍ واحدة... يتأوه الله قائلاً في أعماق نفسه: "يا شعبي ماذا صنعتُ بِكَ حتى تطردني من أعماق هذا العالم ومن أعماق قلبك"!

 

ما يحدث اليوم معنا وحدث معنا على مَرِّ التاريخ هو نفسه الذي حدث مع السامرية. السامرية تعيش في حالة زنى دائم، تعيش في الخطيئة. يسوع المسيح يتحدى كل العادات والتقاليد، يتحدى المألوف لكي يقترب من هذه المرأة ليشفي جراحها التي باتت تخجل منها وتتوارى عن الناس لكي لا يروها... رجل، يهودي، نبي، يتكلم مع امرأة، سامرية، خاطئة... كل الحواجز انكسرت... الله يحطِّمها ولكن للأسف السامرية تُعيد بناءها من جديد وتذّكر يسوع بها؛ كيف تتكلم معي وأنت يهودي وأنا سامرية، كيف يمكنك أن تعطيني ماء وليس عندك دلو... مَن الذي يعبد الله عبادة صحيحة اليهود أم السامريين، هل هنا على جبل جرزيم العبادة الحق أم في أورشليم... تعود لتبني الحواجز، وكل هذا من أجل شيء واحد، وهو خوف الإنسان من الله، خوف الإنسان من أن يعرف الله خطيئته ويحاججه فيها! تماماً على مثال آدم الذي هرب من الله واختبأ... والله يسأل آدم: أين أنت؟؟؟ يا ترى الله لا يعرف أين آدم؟ نعم يعرف ولكن يتجاهل ذلك لكي لا يُحرج آدم.

 

الله اليوم يعرف أين نحن... يعرف أننا غرقى في خطيئتنا وشهواتنا وسلطتنا وحروبنا! ويسألنا اليوم أين أنت يا بُنيّ؟؟؟ أنا موجود هنا، لا لكي أدينك، وإنما لكي أُخيط لكَ رداء لتأتزر به.

 

أيها الإنسان، لا تَخَفْ إذا اقترب الله منك مثلما خاف آدم أو خافت السامرية؛ فالله ليس هنا لكي يدين العالم وإنما ليخلص العالم "الله يريد خلاص جميع البشر"... لا تضع مزيدا من الحواجز أمام الله... دع الله يبني ويُرمِّم ما عجزت أنتَ عن بنائِه أو ترميمه... لا تبحث عن الحب خارج قلب الله؛ فحُبّ العالم لا يُعطي شيئا وإنما يستنزف الإنسان ويُعيده إلى الفراغ... "وكان قلب الإنسان خاويا فارغا" وروح الله يتمنى أن يرفرف في قلبك ليُعِيد إحياءه... الله الوحيد الذي يحب مِن دونِ مقابل.

 

في زمن الكورونا الله لا يريد إلا الخير للإنسان... الله يرى ويتألم ويبكي علينا... "يا بنات أورشليم، لا تبكينَ عليَّ بل ابكينَ على أولادكنّ"... الله يريد أن يقترب منك، أن يلمس جراحك... وهذه دعوة للعالم أجمع لكي نعود إلى الله من أعماق قلوبنا، تاركين دفة القيادة له لكي يسير بنا إلى حيث يشاء.

 

نرى في أيامنا هذه خوفا وبكاء ونحيبا... نرى الإنسان يتمنى أن يلمس ولو هدب رداء يسوع لكي يشعر بالأمان... نرى الإنسان لا يصرخ إلا بكلمات "يا رب ارحمنا ونجنا وتحنّن علينا"... الله حاضر هنا لنا جميعاً... وكم أتمنىّ ألا يكون ما نمرّ به مجرّد صحوة دينية عابرة، أو مناجاة عابرة إلى أن تعبر المصيبة أو المحنة.

 

أتمنّى فعلاً أن يعود الإنسان إلى الله، وأن يجعل الله نُصْبَ عينيه، متذكرين أنّ لا راحة للإنسان إلا في قلب الله... لا راحة للعالم إلا إذا كان الله مركز هذا العالم... فالله قادر بلمسة واحدة أن يجعل منا ينبوع من الماء الحي...

 

ظليت أصلّي حتى حصلّي ولما حصلّي بطّلت أصلّي... يا ترى، أتنطبق هذه المقولة علينا؟