موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢١ فبراير / شباط ٢٠٢٠
الأب عماد الطوال يكتب: الانتقال إلى المشاركة في التربية المسيحية للعائلة
أيها الآباء، خلال هذه السنوات التكوينية من الطفولة والمراهقة، أنتم، بالكلمة والمثال، من يغذي نمو أطفاله الروحي، ونحن ككنيسة نقدر الجهود الهائلة التي تبذلونها لتربية الأطفال في هذه الأيام، دورنا ليس أن نحل مكانكم، بل لمساعدتكم ومشاركتكم في تربية أطفالكم على الإيمان.
الأب عماد الطوال، راعي كنيسة اللاتين في مدينة الفحيص الأردنية

الأب عماد الطوال، راعي كنيسة اللاتين في مدينة الفحيص الأردنية

الأب عماد الطوال :

 

جميعنا يدرك أن العائلة هي أساس التربية والتنشئة، فالآباء هم أول المربين لأبنائهم، والأقوى تأثيرًا على إيمانهم وهم الأساس لحياة روحية ودينية، الحقيقة أن ما نراه في إيمان أطفالنا هو انعكاس لإيمان الآباء، فالقضية إذًا ليست إيمانهم بل إيمانكم، لذلك إذا أردنا أن نُربِّي جيلاً ليكون شاهداً للمسيح، علينا أن نبدأ في البيت، هذا هو المكان الذي يبدأ فيه التعليم الحقيقي، حيث يُعد إشراك الآباء والأمهات في التعليم المستمر وتنمية بذور الإيمان أمرًا ضروريًا.

 

يقول البابا فرنسيس "لقد آن الأوان كي يعود الآباء والأمّهات من منفاهم - لأنهم نفوا أنفسهم من تربية الأبناء – فليعودوا من منفاهم ويقوموا بدورهم التربويّ على أكمل وجه".

 

للأسف يعتمد بعض الآباء على الرعية أو المدرسة لتكون بمثابة المصدر الأساسي في تشكيل إيمان أطفاله أو قد يقدم الحدّ الأدنى أو المشاركة الهامشية في التربية المسيحية، ولسوء الحظ ساهمت الكنيسة في هذا الوضع فقد طوّرت بعض الممارسات والعادات على مدى عقود، ولم تكن جميعها عادات جيدة، حيث قامت بتكييف الأهل ليتخلوا عن مسؤولية المشاركة في التربية المسيحية لأبنائهم لتتولى الرعية هذه المسؤولية بشكل كامل، هذا ليس انتقادًا للآباء، المشكلة هي أن هذه العقلية لم تعد تتناسب مع عالم اليوم كما كانت عليه سابقًا، ولهذا السبب، تبحث العديد من الرعايا عن نماذج بديلة للتربية المسيحية، وليس أقلها التربية المسيحية للعائلة.

 

فكيف يمكن جذب الآباء ونقلهم إلى المشاركة الكاملة، ومساعدتهم لتولي دورهم في تشكيل وتنمية الإيمان لدى الأطفال وتعميق هذه الروحانية داخل المنزل؟

 

يُستخدم مصطلح "التربية المسيحية للعائلة" على نطاق واسع حيث يأتي من الحاجة إلى أن تكون العائلة جزءاً حيوياً من عملية تشكيل الإيمان التي تستمر مدى الحياة، فالتربية المسيحية للعائلة لا تعني تحويل كامل هذه المسؤولية إلى العائلات والآباء بل هي مسؤولية مشتركة تقوم على شراكة بين أولياء الأمور كمعلمين أوليين لأطفالهم، والرعية قلب الحياة الليتورجية للعائلات المسيحية.

 

فما مدى استعداد الآباء لقيادة الأطفال في طرق المسؤولية وضبط النفس والإنجاز؟ وما مدى فعالية نقل الآباء للإيمان والروحانية الكنسية لأبنائهم؟ وإلى أي مدى تعمل الرعية كعامل دعم ومكمل للآباء؟

 

عملية تشكيل الإيمان لدى الأطفال تبدأ من قبل الوالدين في السنوات الأولى، يحدث هذا عندما يساعد أفراد الأسرة بعضهم البعض على النمو الروحي من خلال شهادة الحياة المسيحية كل يوم، حيث تقع على عاتق الآباء مهمة تعليم أطفالهم الصلاة واكتشاف دعوتهم كأبناء الله، لذلك نجد أن التربية الأسرية تسبق وترافق وتثري أشكال التربية المسيحية الأخرى.

 

التربية المسيحية هي أكثر بكثير من مادة دراسية إنها أسلوب حياة، فمن خلال تجربتي في الرعية، عرفت الكثير من الآباء الذين يدركون مسؤوليتهم المستمرة كمربين مسيحيين وكان لديهم الثقة في الكنيسة للمساعدة في تغذية وتطوير إيمانهم، فإحضار جميع أفراد العائلة إلى الكنيسة كل يوم أحد، بالإضافة إلى كونه مناسبة لسماع كلمة الإنجيل وتناول خبز السماء، ينقل رسالة للأطفال أن الحياة أكثر من مجرد دراسة أو لعب، مع أن كلا النشاطين مهمين، إلا أن المشاركة في قداس الأحد تمنحنا القوة كمسيحيين طوال الأسبوع في طريقنا إلى الحياة الأبدية. يقول البابا فرنسيس "إنّ لقاء الأحد يمدّنا بقوّة العيش بثقة وشجاعة، وبالسير في الرجاء نحو الأحد التالي بدون نسيان الحياة الأبدية بما أننا نعيش للأبد مع الرب". إحدى أكبر العقبات التي لاحظتها أيضاً هي أن كثير من الآباء لا يشعرون أنهم يعرفون ما يكفي أو يمكنهم التعامل مع التربية المسيحية لأطفالهم.

 

ككنيسة ماذا نستطيع أن نفعل؟

 

نحن البشر نميل إلى مقاومة التغيير، ما يعني أن الدماغ يحب العادات والروتين فكلما طال تدربنا على عادة أو سلوك معين، كلما كان من الصعب على الدماغ أن يغيره، ولكن إذا أردنا أن نكون كنيسة متجددة، علينا أن نغير نهجنا وبسرعة، لقد كان حان الوقت لتركيز جديد ونهج جديد، فقد تغيرت الحياة الأسرية، ونحن ككنيسة نحتاج إلى التكيف مع هذه التغييرات، وإذا كنا نفكر في الانتقال إلى نموذج المشاركة في التربية المسيحية للعائلة، فعلينا القيام بذلك بكل الوسائل، لكن علينا أخذ الوقت الكافي لإعداد الآباء ومساعدتهم على الانفتاح على النهج الجديد المتمثل في أن يصبحوا بالفعل مشاركين في تربية أطفالهم تربية مسيحية أساسها ومحورها يسوع المسيح.

 

استنادًا إلى كتاب "A Church on the Move" للكاتب Joe Paprocki"" يتطلب هذا النهج الذي يركز على الأسرة في التربية المسيحية عادةً جلسة شهرية واحدة للآباء والأمهات في الرعية بينما يذهب الأطفال إلى غرف منفصلة لممارسة نشاط مع معلمي التربية المسيحية، في هذا الاجتماع الآباء هم الطلاب الذين يتلقون التعليم من معلمي التربية المسيحية أو الكهنة حول بعض جوانب الإيمان، وفي نفس الوقت، يشارك الآباء في استكشاف هذه المفاهيم نفسها من خلال العروض والمناقشات الخاصة بهم، ويتم تزويد الآباء بالمعرفة والموارد للعمل مع أطفالهم في المنزل على مدار الشهر، ويمكن أن يُطلب من الآباء دخول المبنى لاصطحاب أبنائهم حتى يتفاعل الآباء مع مربي التربية المسيحية، في الأسابيع التالية يعمل الآباء مع أطفالهم في المنزل، وقد تقدم بعض البرامج أيضًا نشاطًا شهريًا لجميع أفراد الأسرة حول مواضيع تربوية روحية واجتماعية متنوعة.

 

من خلال الخبرة العملية مع البرامج الكنسية التي تركز على الأسرة في رعية الفحيص كلقاء الأهل والرعية يوم الجمعة ولقاء التحضير للمناولة الأولى والتثبيت إضافةً إلى إقامة لقاءات للعائلة وعن العائلة والعديد من النشاطات التي تفعّل دورها في الكنيسة، حيث تشترك من خلالها الكنيسة مع الآباء في التربية المسيحية في هدف مشترك يتمثل في تعزيز وتحفيز النمو الروحي والأخلاقي للأطفال، نصيحتي المتواضعة هي التواصل والدعوة والمشاركة، ككنيسة علينا أن نولي اهتمامًا خاصًا للآباء عن طريق الاتصال الشخصي والاجتماعات والدورات، علينا مساعدتهم على تحمل مسؤولياتهم من خلال المشاركة في تربية أطفالهم تربية مسيحية، فهذا الإرث الروحي سيستمر في رعاية الروح وتشكيل شخصية الأطفال طوال حياتهم.

 

أيها الآباء، خلال هذه السنوات التكوينية من الطفولة والمراهقة، أنتم، بالكلمة والمثال، من يغذي نمو أطفاله الروحي، ونحن ككنيسة نقدر الجهود الهائلة التي تبذلونها لتربية الأطفال في هذه الأيام، دورنا ليس أن نحل مكانكم، بل لمساعدتكم ومشاركتكم في تربية أطفالكم على الإيمان.

 

لا يكون برنامجنا فعالاً إلا إذا كان مدعومًا بالكامل من جانبكم ولا يمكنه النجاح إلا إذا كان مُشتركًا، صلاتنا من أجل الأطفال هي أن يعرفوا دائمًا حب الله غير المشروط ليكون الإيمان مصدر العزاء في الأوقات السيئة، والقوة في الأوقات الصعبة، والفرح والشكر في الأوقات الجيدة.