موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١١ فبراير / شباط ٢٠١٣
الأب رفعت بدر يكتب: "نعم، حتى البابا يستقيل من منصبه"

عمّان - الأب رفعت بدر :

يبدو أنّ هذا العام هو عام التغييرات في أنظمة الحكم العربية والعالمية، فضلاً عن القيادات الكنسية، وبخاصة في كنائسنا الشرقية العزيزة، إلا أن الأمر قد سرى أيضاً على حاضرة الفاتيكان، وبالأخص على قداسة البابا الذي سيقوم بحدث تاريخي بطولي وهو تقديم استقالته من منصبه كحبر أعظم للكنيسة الكاثوليكية في العالم أجمع.

فما هو الحكم القانوني لهذا القرار الجريء بالتنحي عن واحد من أهم المناصب في العالم وعبر التاريخ المديد؟ قانونياً، فالحق القانوني، وهو الكتاب الجامع لقوانين الكنيسة، نصّ في القانون رقم 332 على أنه «يجوز للحبر الأعظم تقديم الاستقالة عن أداء مهامّه، شرط أن تكون بمحض إرادته، وأن تعلن بشكل ظاهر، وألا ينتظر موافقة أحد عليها». الأمر جائز إذاً لكنّه ليس بالأمر الهيّن، نظراً لخصوصية الهويّة التي يتمتع بها الحبر الأعظم: فهو رأس الكنيسة الكاثوليكية وخليفة القديس بطرس وأسقف روما وأساس الوحدة التي تربط الأساقفة الذين بدون البابا لا سلطان لهم، وهو يملك السلطة الكاملة العليا والشاملة ويستطيع ممارستها بحرية في جميع الحالات. كما أنّه صاحب السلطات الثلاث في الفاتيكان: التشريعية والتنفيذية والقضائية.

بدون شك، أن السن الذي وصل إليه البابا هو السبب الظاهري الرئيسي لهذا القرار الشجاع، فلم يقدم أحد قبله عليه، وأراد البابا بهذا القرار أن يوصل رسالة إلى العالم، مفادها أنّ السلطة ليست تسلطاً ولا احتكاراً، فهو بتاريخ 19 نيسان 2005 حين تم اختياره، قد شكر الكرادلة الذين انتخبوه، قائلاً أمام العالم: "شكراً لهم لأنهم اختاروني عاملاً بسيطاً ومتواضعاً في حقل الرب الفسيح". واليوم وبعدما أنهى أكثر من سبع سنوات في هذا العمل، لربّما يؤسس لقانون جديد، يبدأه هو بنفسه، وهو أن يستقيل البابا بعد بلوغ الخامسة والثمانين مثلاً، مثلما يستقيل الأساقفة على عمر خمسة وسبعين عاماً.

مهما يكن من نية من هذا الأمر، أن المسيحية تنظر إلى السلطة كخدمة، لا أكثر ولا أقل، وهي تريد أن توصل هذه الرسالة إلى القيادات الدينية أولاً والى القيادات المدنية والسياسية ثانياً، أن القيادات بحاجة إلى قوة جسدية ومعنوية، كما يقول البابا في رسالة الإعلان عن استقالته، وبالتالي، فإنه ولما شعر بأن قواه تضعف بسبب السن المتقدمة، تقدم وبكامل وعيه واختياره من هذا القرار المهم. متفرغاً لخدمة الكنيسة بما تبقى له من عمر من خلال حياة الصلاة.

لا يسعنا في هذه العجالة إلا أن نشكر البابا الذي يقدم لعالم اليوم درساً بليغاً في التخلي عن السلطة وعدم التمسك بالكراسي. ولنا أن نتنبأ هنا بأن التاريخ سيذكر بندكتس السادس عشر كواحد من أعظم البابوات، لا بل الشخصيات القيادية في العالم التي استطاعت وبدون أي طلب من أحد، أن تتخلى عن السلطة راضية مرضية، لأن السلطة خدمة وليست تسلطاً أو احتكاراً. وبالرغم من التأثر الذي سيحصل مع أبناء عديدين من أبناء الكنيسة على هذا التنحي المفاجئ إلا أنّهم سيجدون به مثالاً رائعاً في التجرّد والتنزّه عن مفاتن الدنيا ومغريات التمسك بالكراسي البرّاقة.