موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٦ سبتمبر / أيلول ٢٠١٩
الأب رفعت بدر من المجر: الأردن أنموذج عالمي للعيش المشترك

نقله إلى العربية إسلام عثامنة :

أجرت صحيفة "Magyar Nemzet" أو الدولة المجرية (الهنغارية) الواسعة الانتشار، مقابلة مع الأب الدكتور رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الاردن.

وفي المقابلة التي أجرتها الصحفية كاثلين ريكا، ونقلها إلى العربية طالب الدكتوراة في المجر اسلام عثامنة، على هامش مؤتمر دولي في بودابست حول الإعلام المسيحي، تحدّث الأب رفعت عن حالة الوئام الديني في الأردن واصفًا إياها بأنموذج عالمي لصناعة زمن الوحدة والسلام.

وأضاف الأب بدر بأن الحروب في الشرق الأوسط أخرجت ما يقارب مليوني مسيحي من بيوتهم، مشيرًا بأن هؤلاء تحولوا إلى لاجئين لن يتمكنوا من العودة إلى بلدانهم نتيجة الخوف الذي تشكل لديهم، وصعوبة إعادة ثقتهم بدولهم. وعبّر الأب رفعت بأن "الإرهاب زرع الخوف في قلوب الناس، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في كافة أنحاء العالم". وأشار الأب بدر بأننا لا يجب أن نفقد الأمل، وأن نستمر في العمل لتحقيق السلم حتى لو فشلت السياسات.

وفيما نص المقابلة كاملة:

س: رغم ان الأردن دولة إسلامية الا ان فيها احدى اقدم المجموعات المسيحية في العالم، ما هو السر في هذا التعايش السلمي؟

ج: التنوع الديني تواجد دومًا في الأردن، ورغم أن دين الدولة هو الإسلام -ولا نقول أننا دولة إسلامية- إلى أنه لم يحصل يومًا أي اضطهاد بحق المسيحيين. لذلك نجد أن الكنائس والمساجد ظاهرة بشكل واضح في الدولة، وأحيانًا في ذات الحي. وللقيادة الأردنية دور في نجاح هذا التلاحم، فحكمة القيادة الأردنية عاملت جميع فئات الشعب بالمساواة، وهكذا أدار الملك عبدالله الثاني دفة البلاد، وقبله والده وقبلهم جده. إذا مُنعت من حريتك الدينية فلن تجد السبيل لخدمة مجتمعك المحلي، وفي حالتنا كان عكس ذلك، فحرية العبادة سمحت للمسيحيين بالمساهمة في بناء مستقبل بلدهم بسلام، للدولة ولمجتمعهم على حد سواء، كما أشير إلى أن الأردن يحمل أهمية دينية نتيجة عماد السيد المسيح على أرضه.

س: ما هو دور المسيحيين في الأردن اليوم؟

ج: يمكن ملاحظة الكثير من حقيقة ان المسيحيين رغم انهم يمثلون فئة قليلة من فئات المجتمع الأردني الى انهم يمتلكون ما يقارب الـ30% من الاقتصاد الأردني، البنوك، المصانع، والشركات الكبيرة تدار من قبل المسيحيين، بشكل عام هم يتبؤون مناصب رفيعة، وأيضًا في البرلمان والحكومة. المسيحية لم تكن يومًا على هامش المجتمع الأردني، بل كانت دومًا متعمقة في المجتمع، وجزءًا لا يتجزأ منه. وظيفتنا روحانية بشكل عام، وثانيًا تعليمية وتثقيفية، وثالثًا خيرية تعمل على مساعدة المحتاجين والفقراء واللاجئين. نمتلك الكثير من المؤسسات الخيرية وبالأخص الكاريتاس والمدارس والجامعات، والكنائس، وهي مفتوحة للجميع مسلمين أم مسيحيين على حد سواء.

نحن ندير ما يزيد عن 100 مدرسة حيث يمثل المسلمون ما يقارب 70% من تعداد طلبتها، نحن نفخر بذلك، لأننا نخدم المجتمع ونقدم مستوى رفيعًا من التعليم. هنغاريا أيضًا تساعد عددًا من طلبتنا الذين يدرسون هنا عن طريق المنحة المقدمة من حكومة المجر لطلبتنا، وبودابست لا تساعد فقط المسيحيين والكنيسة بل احتوت أيضًا عددًا من اللاجئين من الدول المحيطة بنا في الشرق الأوسط. أرغب أن أضيف أمرًا مهمًا، رغم أن الحكومة الهنغارية تستخدم مصطلح "المسيحيون المضطهدون" للإشارة إلى المسيحيين في منطقتنا، إلى أن هذا المصطلح غير دقيق لكافة الفئات المسيحية، فبفضل حكمة بعض الدول وقيادتها، مثل الأردن، فالمسيحيون يعيشون بسلام وأمان من دون أي حقوق منقوصة.

س: تعتبر دولتك "الأردن" إحدى أكثر الدول المسلمة انفتاحًا

ج: نعم صحيح، لا يوجد أي نزاعات دينية في الدولة، والمسيحيون يمارسون طقوسهم وعبادتهم بحرية كاملة، على سبيل المثال، الاحتفال بعيد الميلاد يتم بشكل جماعي، ويعتبر يوم عطلة وطني في الدولة، وزينة الميلاد تظهر في شوارع المملكة بشكل واضح وجميل، واشجار الميلاد تتواجد في الساحات العامة، شيء جميل جداً التلاقي الذي نعيشه في الأردن.

س: كيف بدأ هذا التعاون في الممارسات والطقوس

ج: الحوار بدأ في القرن الماضي عن طريق عقد المؤتمرات التي تدعم تعايش الأديان بشكل دوري، ولليوم ما زالت الكثير من المؤتمرات تُعقد، وهنالك مبادرات عديدة صدرها الاردن، وأهمها رسالة عمان قبل 15 عامًا، وكلها تهدف الى التشاركية في روح الدولة، أو أسبوع الوئام العالمي الذي أنشأناه في الأمم المتحدة وتم قبوله عالميًا، كما حصل الملك عبدالله الثاني على جائزتين في ستة أشهر؛ من واشنطن ومن روما، نظرًا لجهوده في دعم الوئام والعيش المشترك الديني ونبذ التعصب. الحقيقة أن الأردن لا يرسل رسالته لهنغاريا وأوروبا وحسب، بل إلى العالم كافة، والأردن يعتبر مثالاً واقعيًا على إمكانية نجاح التآلف الديني في الدولة.

س: الأردن يمتلك أكثر تواجد لاجئين في العالم، كيف استطاع التأقلم مع ذلك؟

ج: ثلث الدولة من اللاجئين، ولا نتحدث هنا عن الفلسطينيين حيث انهم جزء من المجتمع الأردني، واثناء حرب الخليج الأولى اتى العديد من العراقيين إلى الأردن كلاجئين، وفي العام 2003 نتيجة ما يسمى "ارساء الديمقراطية الأمريكية" قدم عدد اخر من اللاجئين من العراق، وبعد قيام تنظيم القاعدة بمهاجمة مسيحيي العراق قام العديد منهم بالقدوم عندنا، ثم جاء مسيحيو الموصل ، فضلا عن الأزمة السورية التي صدرت لدينا اكثر من مليون لاجئ سوري يتواجد في الأردن.

س: أوروبا الشرقية تملك نفس المشكلة لكن لم تنجح في التعايش سويًا.

أهم معضلة في أوروبا اليوم هي الاندماج من قبل اللاجئين في المجتمع، الذي يعد أمرًا صعبًا. ولا أعتقد أن هؤلاء اللاجئين سيعودون إلى بلدانهم حيث يواجهون لليوم مشاكل ولن يستطيعوا تأمين حياة كريمة لأبنائهم. والثقة انعدمت من قبلهم باتجاه بلدانهم. من يستطيع أن يعدهم بأن كنائسهم ومعابدهم لن تُدمر؟ في الأردن سمعنا قصص من لاجئين عن اضطرارهم مغادرة بيوتهم بين ليلة وضحاها تاركين وراءهم كل شيء، ما قام به الإرهاب ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في العالم أجمع، هو زرع الخوف في قلوب الناس، هذا ما نراه في المطارات على سبيل المثال، قبل 20 عامًا كان الوضع مختلفًا، أما اليوم فالجميع يراقب بعضهم البعض بقلق وخوف. أمامنا مهمة صعبة لإعادة الثقة وإزالة الخوف.