موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الأربعاء، ١٩ فبراير / شباط ٢٠٢٠
الأب د. خالد عكشة من جنيف: إليكم 10 وصايا لحماية شبابنا من آفة التطرّف والعنف
شارك الأب د. خالد عكشة، في المؤتمر الدولي حول "مبادرات تحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف وآليات تفعيلها"، الذي نظمه رابطة العالم الإسلامي، بمقرّ الأمم المتحدة في جنيف، بمشاركة رؤساء وزراء وبرلمان، وسفراء أمميين، ونخبة من كبار قادة الأديان والفكر، ومنظمات المجتمع المدني وأكاديميين.
الأب الدكتور خالد عكشة خلال المؤتمر

الأب الدكتور خالد عكشة خلال المؤتمر

جنيف - أبونا :

 

شدد الأب د. خالد عكشة، رئيس مكتب الحوار المسيحي مع المسلمين، وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في مجلس الفاتيكان المعنيّ بالحوار مع الأديان، على واجب "إنكار مشروعيّة منظمات ارهابية تطّلق على نفسها أسماء ذات دلالات دينية"، كون "المتطرّف الديني، كما العنيف باسم الدين، يعتبر في آخر الأمر أن الله، القدير على كل شيء، ضعيف، وأنه بالتالي بحاجة إلى من يدافع عنه".

 

وخلال مشاركته في مؤتمر دولي بمقر الأمم المتحدة في جنيف، لرابطة العالم الإسلامي، تحت عنوان "مبادرات تحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف وآليات تفعيلها"، طرح الأب عكشة عشر وصايا لحماية فئة الشباب من آفة التطرف والعنف، ولمساعدتهم على بناء مستقبل سلامي زاهر. وخاطب الشباب قائلاً: "افتخروا بدينكم دون كبرياء، واقبلوا أن يفتخر غيركم بدينه بالشرط نفسه".

منصة المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر

وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الأب عكشة في المؤتمر:

 

بعد ذكر الله تبارك وتعالى، أترّحم واياكم على الشهداء، ضحايا الهجوم الارهابي على كنيسة في بوركينا فاسو، يوم الأحد المنصرم. هذه الحلقة الجديدة من سلسلة العنف الأعمى المجنون المتستّر بالدين، تؤكد لنا جميعًا عى ضرورة تناول موضوع التطرف والعنف، من أجل فهمه ومعالجته. والوقاية خير من العلاج. فشكرًا لكم، معالي الشيخ الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي، على تنظيم هذا المؤتمر وعلى دعوتي للمشاركة فيه نيابة عن المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان.

 

أصحاب الفضيلة والمعالي والسيادة،

أيها الإخوة والأخوات في الانسانية وفي التوحيد الإبراهيمي،

منظر عام للمؤتمر الدولي بمقر الأمم المتحدة في جنيف

مرحلة الشباب

 

أخالُه مفيدًا أن أتطرّق، بداية وباختصار شديد، إلى مرحلة الشباب، والتي تشمَل بدورها مرحلتين: المراهقة، والشباب اليافع. تمتدّ المراهقة، على ما يرى بعض علماء النفس، من الثانية عشرة إلى السابعة عشرة، والمرحلة التي تليها من الثامنة عشرة غلى الخامسة والثلاثين.

 

على الصعيد النفسي، مرحلة الشباب هي بداية رحلة النضوج كشخص بالغ. هي عمر المشاريع الكبيرة لبناء الذات وأحيانًا، أقلّه بالنسبة للبعض، لتغيير العالم نحو المساواة والعدل والنموّ والازدهار. ومن هنا فالشباب هو إمّا عمرُ الأحلامِ التي تصبح واقعًا أو تسير نحوه، أو، على العكس، عمرُ اليأس والإحباطات والهروب إلى الأمام أو إلى الوراء. وتمتاز المرحلة كذلك بسرعة التأثّر وسهولته بأفكار الغير، لا سيّما من يتقن نشرها بجاذبية. وهي كذلك عمر الصداقات والحبّ والعلاقات، وبخاصة من خلال وسائل التواصل الإجتماعي.

 

ولكلّ ما سلف، فإن الشباب فئة مرغوبة لدى من يريد أن يروّج لأفكار أو أيديولوجيات، منها المتطرّفة فكريًا أو دينيًا، أو العنيفة، اعتمادًا على فكرِ أو دين، أو بالأحرى على فهم شخص أو جماعة لدين ما. لكل ما سبق، نجد أنّ الذين يتبعون الفكر المتطرف والعنيف، إن كان ذلك الفكرُ أيديولوجيًا أو سياسًيا أو دينيًا، هم في الغالب من فئة الشباب.

منظر عام للمؤتمر الدولي بمقر الأمم المتحدة في جنيف

أفكار التطرّف والعنف

 

التطرّف، كما يوحي اللفظ، عكسُ الوسطية والإعتدال. والتطرّف الديني، هو، كما هو معلوم، حصيلة الغلوّ في الدين. وليست هذه الظاهرة مقصورةً على دين بعينه ولا محدودةً بزمن معيّن. يشهد على هذا، على سبيل المثال، "حزب الغيورين"، وهي مجموعة سياسية-دينية ظهرت في مطلع القرن الأول للميلاد، وكان أتباعُها من المدافعين الشرسين عن الإستقلال السياسي لمملكة يهوذا، كما عن استقامة التشدّد اليهودي في تلك الحِقبة.


من العدل أن نعترف للمتطرفين دينيًا ببعض الغيرة على الدين، وبرغبة صادقة في "نُصرة الله". لكننا، في الوقت عينه، لا نملِك إلا أن نرى في الأمر حماسًا في غيرِ مكانه وغيرةً مغلوطة، لأن المتطرّف الديني كما العنيفُ باسم الدين، يَعتبر في آخر الأمر أن الله، القدير على كل شيء، ضعيف، وأنه بالتالي بحاجة إلى من يدافع عنه. فهذا، مثلا، ما كتبه القديس بولس عن بعض من أبناء شعبه ذوي حميّة على الدين ولكنهم يجهلون برّ الله:  "فإني أشهد لهم أن فيهم حمية لله، ولكنها حميةٌ على غيرِ معرفة. جهِلوا برّ الله وحاولوا إقامةً برّهم فلم يخضعوا لبرّ الله" (الرسالة الى أهل رومة، الفصل العاشر، الآيتان الأولى والثانية). ومن جميل الكلام عن الله الذي يستطيع الدفاع عن نفسه وعمّا يخصّه، كلمةُ عبدِ المطّلب، جَدِّ نبي الاسلام، لأبرهةَ صاحبِ الفيل: "إنّ للبيت ربّا يَحميه". كما ذكرت وثيقةُ "الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" "أنه -عزّ وجلّ- في غنى عمّن يدافع عنه أو يُرهب الآخرين باسمه "وفي هذا السياق، من الواجب إنكارُ مشروعية منظّمات ارهابية إطلاقَ أسماءٍ ذاتَ دلالات دينية على نفسها.

 

وأمّا العنفُ، عندما يُنسب لشخص ما، فهو يعني مَن يلجأ عادة إلى استعمال القوة الجسدية بطريقة وحشية أو لاعقلانية، باللجوء أيضا إلى الإهانات لفرض إرادته وللإجبار على الخضوع، بإكراه إرادة الآخر، سواءٌ على صعيد العمل أو الفكر أو التعبير، أو لمجرّد التنفيس عن دوافع غريزية أو عاطفية بطريقة غير مراقَبة. والعنف الذي نحن بصدده هو ذلك المرتكب باسم دين من باب الدفاع عنه أو للحفاظ على دوره المميّز في المجتمع، أو لتحقيق اليد العليا المنشودة لذلك الدين. وقد يطال العنف أتباعَ أديان أخرى أو مؤمنين من الدين عينه أو من مذهب آخر ضمنَ ذلك الدين. القاسمُ المشترك هو الإختلاف المرفوض والذي تتمّ مواجهته بالعنف إما لإخضاعه أو لمعاقبته.

 

تطول لائحة الهجمات الارهابية، المرتكبة باسم الله أو باسم دين. ونحن هنا لدراسة مبادراتِ تحصين الشباب ضدّ أفكار التطرّف والعنف وآليات تفعيلها. واسمحوا لي أن طرح عشر خواطر أو وصايا، آملا أن تكون مفيدة لحماية شبابنا من آفة التطرف والعنف، ولمساعدتهم على بناء مستقبل سلامي زاهر:

 

1. الكلام أولا للدول ومنظمات التبشير أو الدعوة: لا نروّج لفَهم متشدد للدين، وبخاصة بين الشباب، يؤدّي بهم الى التطرف والعنف. ليس من الحكمة نشرُ التشدد المؤدي الى العنف والارهاب، ثم محاولةُ محاربته بجهود بشرية ومال كثير، دون ضمان النتائج.

 

2. ولمن منحهم الله معرفةَ الدين والتبحّرَ فيه وخدمتَه بالكلمة والقلم، أقول: الله تعالى قدير على كل شيء وخلق كل شيء وكل انسان عن حكمة ومحبة، ومنح بني آدم كرامة خاصّة تتأتى عنها حقوق لا يمكن المساومةُ عليها أو التنازلُ عنها، وجعلهم متساوين. لنعلّم اذًا دوما: كلّ انسان أخ أو أخت لك!

 

3. وللشبّان والشابات: أحبّوا الله وغاروا له دون تشدد أو تطرّف. لا تحسبوه ضعيفا، إنما هو رحيم، حنون، صبور، غفور، لأنه قوي.

 

4. افتخروا بدينكم دون كبرياء، واقبلوا أن يفتخر غيركم بدينه بالشرط نفسه.

 

5. ليكن الاحترامُ الموقفَ المصاحب لكم في كل فكر وقول وعمل، وليكن نحو كل انسان وكل شيء.

 

6. "إفعلوا للناس ما أردتم أن يفعله الناس لكم". هذه كلمة للسيد المسيح موجزة ومملوءةٌ حكمة. وطبعًا يجب أن لا نفعل لأحد ما لا نريد أن يفعلَه لنا.

 

7. العنف غيرُ القوّة، وهو سلاح من لا حُجّة له، كما أنّه يولّد العنف.

 

8. اقرأوا الماضي والحاضر بروح ناقدة، لتكون لكم مقاربةٌ شخصية وعقلانية لكل شيء.

 

9. لا يُقاوَم الظلم بظلم مثلِه، ولا بالعنف، إنما بالموقفِ والكلمة والحُجّة، وباللجوء إلى المحاكم المحلّية أو الدولية.

 

10. معَ إيمانكم بالله، آمنوا بأنفسكم وبغيركم، وبالصلاح الموجود في كل انسان. وليكن الأملُ دوما رفيقَ دربكم نحو مستقبل تحلمون به، ونحن معكم.

منظر عام للمؤتمر الدولي بمقر الأمم المتحدة في جنيف

من دواعي الأمل إحدى توصيات "وثيقة مكّة المكرّمة" بضرورة إيجاد "منتدى عالمي بمبادرة إسلامية يهتمّ بشؤون الشباب عامّة يعتمد على الحوار الشبابي البنّاء معَ الجميع إسلاميًا وعالميًا". ومعًا نحمد الله، شاكرين لمنظمي المؤتمر كرمهم وجُهدهم ولطفهم، طالبين الهداية لكل من ضلّ سواء السبيل، والتوفيق في ما جئنا من أجله. ولكم جميعًا محبتي وشكري.