موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٧ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
الأب د. بيتر مدروس يكتب: ’زوبعة في فنجان حول الفاتيكان‘

الأب د. بيتر مدروس :

<p dir="RTL">توالت في السّنوات الأخيرة &quot;فضائح&quot; حول بعض رجال دين كاثوليك. وربّ ضارّة نافعة، فالفضيحة كشف للشّرّ وفضح له وشجب واستنكار واستياء، مهما كانت نيّات الفاضح ومصالحه ومكايده أو رغبته الصّادقة في الإصلاح وفي اقتلاع المعصية والانحراف والطّلاح. والحكيم الذي يستفيد من أخطائه ويقوم من عثرته.</p><p dir="RTL">ومن السّذاجة بمكان أن يتوهّم المرء أنّ الانحراف يخصّ فقط فئة معيّنة. وهذا لا يعني تبريره ولا تخفيفه بأيّ شكل من الاشكال. بل يعني نشر هذا الانحراف فقط عن رجال دين كاثوليك غربيين موقفًا أحاديًّا يخالف الواقع والعدل، كما قال القديس بولس: &quot;الكلّ خطئوا واحتاجوا إلى مجد الله&quot; ورحمته تعالى.</p><p dir="RTL">وقد اتّهم أحد الأساقفة الإيطاليين قداسة الحبر الأعظم فرنسيس الأوّل بالتّستّر على أحد الكرادلة. ولم يفكّر أحد في إمكانيّة مخيفة خفيّة مفادها أنّ &quot;الفضح&quot; زاد على الكردينال المتّهَم ماككاريك، وذلك أيضًا بسبب تأييده لإحدى الشّعوب المظلومة المقهورة.</p><p dir="RTL">أمّا من ناحية البابا، فقد أجاب أولي الألباب أنّ الرّدّ على تقرير الأسقف فيجانو المتّهِم لقداسته موجود في صفحات التّقرير نفسه حيث يبدو للعيان قدر لا باس به من التّهويل والضّعف والتّناقض. وحتّى لو ثبت جدلاً &ndash;لا سمح الله- أنّ البابا فرنسيس أخطأ في هذا المجال، فالحبر الأعظم ليس معصومًا عن الخطيئة والتّقصير بل عن الغلط في التعليم الرسوليّ وفقط في قضايا الإيمان والأخلاق المسيحيّة، وفقط عندما يتكلّم رسميًّا &quot;من الكرسي الرسوليّ البطرسيّ&quot;.</p><p dir="RTL">وسنأتي الآن إلى فقرة قد تبدو غريبة تمامًا عن الموضوع الذي بدأنا به هذا المقال. ولكنّ هنالك صلة ستظهر سريعًا.</p><p dir="RTL"><strong>حدث تاريخيّ في فلسطين: كتاب تعليم مسيحيّ مسكوني لتوجيهي وامتحان دين مسيحي للتّوجيهي</strong></p><p dir="RTL">مع الأسف لا تشمل هنا كلمة &quot;فلسطين&quot; كلّ أرض كنعان، من الجليل إلى النّقب، بل اراضي الحكم الذّاتي والدّولة الصّغيرة التي أقرّها لنا المجتمع الدّولي بإجماع شبه كامل وافق عليه مبدئيًّا حتّى البيت الأبيض.&nbsp; تفضّلت وزارة التّربية والتّعليم الفلسطينيّة بإكرام مواطنيها المسيحيّين وإنصافهم وجعل مادّة التّعليم المسيحيّ إلزاميّة لأبنائها المسيحيّين أسوة بالدّين الإسلاميّ، وإن كان المواطنون المسيحيّون قلّة. ووافقت الوزارة على منهاج التّربية المسيحيّة ووافقت مؤخّرًا على منهاج الصّفّ التّوجيهيّ. كما أيّدت تجديد المناهج وأكرمت الكهنة والراهبات والمعلمات والمعلمين الذين ساهموا في هذا الإنجاز. وكانت المساعي قد بدأت بفضل قدس الأب الراحل د. فيصل حجازين المدير السابق لمدراس البطريركية اللاتينيّة المقدسيّة الّذي خلفه بجدارة قدس الأب د. إياد الطّوال المعروف بحرصه وذكائه وغيرته على جودة التّربية وانسجام الكنائس والأديان.</p><p dir="RTL"><strong>التّعليم المسيحيّ المسكونيّ وقضيّة الفاتيكان أو الكرسي الرّسوليّ</strong></p><p dir="RTL">الآن نربط طرفَي هذه المقالة: ماذا على الطّالب والمؤمن المسيحيّين &ndash;ومواطنهما المسلم- أن يفكّرا في الفاتيكان وفي شخص بابا رومة، خصوصًا في الزّوبعة الإعلامية المختلقة الحاضرة ؟ لا أعتقد أنّ كتاب تعليم مسيحيّ &quot;مسكونيّ&quot; يتناول هذه القضيّة أو يتناولها باستفاضة &ndash; وآمل أن أكون على خطأ-، مع أنّ واجب المدرسة الكاثوليكيّة وحقّها أن تعلّم طلبتها الكاثوليك عن كنيستهم ورئاستهم، كما أنّ من واجبها ومن حقّها أن تعطي طلاّبها غير الكاثوليك فكرة صائبة لا مشوّهة عن الكنيسة الكاثوليكيّة. ولا يفوتني في هذا المقام أن أشير بافتخار وامتنان إلى قدس الأب المنسنيور رفيق حنّا خوري، الّذي قام لعقود طويلة على كتب التّعليم المسيحيّ بمضمون سديد&nbsp; أكيد وأسلوب فريد فيه الإبداع والتّجديد. يسعد المرء، من هذا المنبر الأغرّ، أن يُطلع القرّاء الكرام وخصوصًا اولياء أمور الطّلبة، على الكنيسة الكاثوليكيّة، وذلك باحترام كلّ الكنائس.</p><p dir="RTL"><strong>تاريخ الكنيسة الكاثوليكيّة في مناهج التّاريخ المدرسيّ</strong></p><p dir="RTL">لا يدري الدّاعي إذا كانت كتب التّاريخ والتّربية الوطنيّة الجديدة قد وصلت إلى أواخر المرحلة الابتدائيّة أو إذا أخذت بالحسبان ما قدّمه قدس الأب الرّاحل فيصل حجازين، أي كتابَين للآنسة اشخين ديمرجيان: &quot;تاريخ الأرض المقدّسة في القرون الميلاديّة الأولى&quot; ، وهو تاريخ غائب تمامًا عن المناهج الفلسطينيّة القديمة (والأردنيّة والمصريّة و...)، ثمّ كتيّب &quot;التّاريخ معلّم الحياة&quot; الذي يصلح ما ورد في مناهج التاريخ من هفوات وأخطاء وإغفال. خلاصة القول: مغلوط القول أنّ &quot;المسيحيّة أو الكنيسة نشأت في الغرب&quot; بل في القدس، فلسطين. وخطأ التّركير فقط على &quot;سوء تصرّفات رجال الكنيسة في العصور الوسطى&quot;<strong>، </strong>ليس فقط بإغفال قدّيسي تلك العصور وعظمتها الدّينيّة والإنسانية (رغم الشّائعات) بل ايضًا هنالك الخطأ الجسيم وهو إغفال الكنيسة في الشّرق وهي كنيسة شهيدة نالت قسطًا من الآلام والبطولة كبيرًا.</p><p dir="RTL"><strong>من هو الحبر الأعظم الرّومانيّ؟</strong></p><p dir="RTL">صحيح أنّ &quot;من القدس تخرج الشّريعة&quot; وأنّ القدس زهرة المدائن وأمّ الكنائس، وقد نشأت فيها المسيحيّة في العلّيّة، يوم العنصرة سنة 30 للحساب الميلادي. ولكنّ الله أوهم أمير الرسل اي الحواريين بطرس أن يتوجّه إلى العواصم لئلاّ تبقى المسيحيّة طائفة صغيرة في مجاهل إمبراطورية روما. فذهب مار بطرس إلى قيصيريّة البحر (أعمال 10) وإلى إنطاكية ثمّ إلى روما &quot;رأس العالم&quot;. &quot;وقبل أن ينالا إكليل الاستشهاد، أسس الرسولان الطوباويان كنيسة روما وولّيا عليها لخلافتهما لينوس، ثم تبعه إقليمنضس...&quot;. لذا، بابا رومة هو الحبر الأعظم بصفته خليفة القديس بطرس أوّل رسل المسيح. وكان في نفس الوقت أُسقف العاصمة. ولكن عندما انتقلت العاصمة إلى القسطنطينية الملقّبة &quot;روما الجديدة&quot; ومنها كلمة &quot;روم&quot;)، طلب بطريرك القسطنطينية اي بيزنطة &quot;المكان الثاني بعد اسقف&nbsp; روما على اساس أنّ القسطنطينيّة هي روما الجديدة&quot; (المادّة 3 من أعمال مجمع القسطنطينيّة). وإن كان البابا لاون الكبير قد رفض هذه الفكرة على اساس &quot;أنّ الأمور الرّوحانيّة لا تقاس على التّقلّبات الدّنيويّة السّياسيّة&quot;، وافق قداسته على تلك الفكرة المغلوطة، منعًا للانشقاق. ورغم سيطرة القسطنطينية على الدّفة الإمبراطوريّة، بضعف بابا روما، بقيت الكنيسة الأرثوذكسية، حتّى بعد الانشقاق الكبير في آب سنة 1054 تعترف لبابا رومة بأولويّة شرف لا بأولويّة سلطة. وهذا هو الفرق بين الكنيسة الكاثوليكيّة ذات الرّأس الواحد (على نقصه أو حدوده أو علاّته كإنسان) والكنائس الأرثوذكسيّة البيزنطية أي للروم الأرثوذكس حيث يجد المرء اربع عشرة كنيسة &quot;مستقلّة الرّأس&quot; يحكمها بطريركها، وليس فيها لبطريرك القسطنطينيّة &quot;المسكونيّ&quot; ايّة سلطة مباشرة، إلاّ عن طريق مجمع أي سينودس ارثوذكسي شامل وشروط كثيرة، في حين أنّ سلطة البابا على كلّ الاساقفة الكاثوليك في العالم مباشرة فوريّة تتراوح بين قرارات أحاديّة الجانب شعارها &quot;تكلّمت روما فقضي الأمر&quot; أو سينودسيّة أي بالاستشارة ولكن الكلمة الأخيرة تعود إلى روما. وإذا أخذ المرء مثلاً المجامع المسكونيّة بعد الانشقاق ( مجمع فلورنسا) فإنّ البابا يدعو له، فيلتئم في ظرف اشهر أو ايّام (بسببب سرعة الاتصالات والمواصلات في أيّامنا). أمّا في كنائس أخرى فتلزمه عقود طويلة ولا يأتي الكلّ، بغياب بطريركية روسيا وإنطاكية، على سبيل المثال، كما حصل مؤخّرًا.</p><p dir="RTL"><strong>خاتمة: لا نسبة بين أخطاء البشر وثبات الكنيسة الكاثوليكيّة</strong></p><p dir="RTL">الكرسي الرسولي قائم منذ سنة 60 ميلاديّة وهو إلى اليوم &quot;منارة جميع الكنائس تحت الشّمس&quot; (مار صفرونيوس بطريرك القدس)، وما زال &ndash;كما كتب القدّيس صفرونيوس نفسه في القرن السابع- &quot;الكرسي الرسولي حيث اسس العقائد القوية&quot;، ذو الإدراة الهرميّة الواحدة غير المتزعزة التي ما قويت عليها &quot;أبواب الجحيم&quot; بداية بالاضطهادات العشرة التي استهدفتها ومزّقت جسدها الغضّ وأدْمَته. وانتفضت كنيسة &quot;الرومانيين جزيلة القداسة&quot; وارتفعت على رمادها مثل &quot;طائر الفينكس&quot;- كما شبّهها باباها إقليمنضس في رسالته إلى القورنثيين. وسترتفع من جديد سفينة بطرس على الأنواء، لا بسبب حذق رجالها بل بنعمة مؤسسها الجليل الذي وعد بطرس: &quot;على هذه الصخرة سأبني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها&quot;.</p>