موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٤
الأب د. بيتر مدروس يكتب حول سينودس العائلة

القدس - الأب د. بيتر مدروس :

كان البابا فرنسيس قد دعا إلى سينودس أي مجمع أساقفة حول الأسرة انطلاقًا من إدراك قداسته لخطورة التحديات التي تواجه الزواج والأسرة خصوصًا في الغرب. وبصراحة لا نجد هذه المشاكل في مجتمعاتنا العربية الشرقية -إلاّ نادرًا- وقد أنعم الله على شعوبنا بوضوح الرؤية وسداد الرأي والأخلاق الحميدة ورفض كل انحراف ومنع كل معاشرة خارج الزواج المقدس الذي توافق عليه جهة دينيّة معترف بها. أدامها الله نعمة علينا وفخرًا لنا! ويفرح المرء بوجود الآلاف المؤلفة من العائلات المسيحية الأصيلة في الغرب أيضًا، تنافسنا في الصلاح والتقوى والفضيلة وأحيانًا تتفوّق علينا. وتبقى "وسط جيل معوجّ فاسد تضيء كالنيرات" "ملحًا للأرض ونورًا للعالم".

لا، لن يتغيّر تعليم الكنيسة عن الزواج!

أعلن الكردينال روبرت سارة، من غينيا، أنّ الكنيسة الكاثوليكية، بأمانتها للكتاب المقدس والتقليد الشريف والتعليم الرسولي وبإكرامها للشّريعة الطّبيعية التي أبدعها الخالق، لن تغيّر أبدًا موقفها من الزواج كعقد مقدّس بين رجُل وامرأة تجمعهما المحبّة وثمرتهما النسل الصالح. وأكّد الكردينال ولفريد نابير من دربان (جنوب إفريقيا)، والذي طلب منه البابا فرنسيس أن ينضمّ إلى الفريق الذي سيكتب التقرير عن السينودس، أكّد أنّ الكنيسة تتبع "طبيعة الزواج كما أراده الباري تعالى وبيّنه الوحي والإلهام الإلهيّان في الكتاب المقدّس"، بحيث أن المعاشرة الجسدية بين شخصين من نفس الجنس مخالفة للشريعة الإلهية الطبيعية وهي "خلل خطير وانحراف في عيش الجنس" الذي خلقه الله في سبيل النسل والمودّة بين الزّوجين. وكان البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني الكبير قد كتب أنّ "اتّحاد المثليين قسم من أيديولوجية الشّر".

ما كان مفروضًا أن ينشر أحد التقرير المؤقّت للأسبوع الأول للتداول بين أساقفة السينودس حول الأسرة، إذ أنّ الوثيقة غير كاملة اي ناقصة وغير ثابتة، وخصوصية لا علنية، خاضعة للتعديلات. وقد تسرّبت من باب الخطأ إلى بعض وسائل الإعلام المغرضة التي بالغت في "أهمية" موضوع المثليين في مباحثات مجمع الاساقفة: بالفعل، ما طُرق هذا الموضوع إلاّ في ستّ مداخلات من أصل 180 مداخلة. طبعًا لا تدين الكنيسة الأفراد وذلك لعدم معرفتها داخل الإنسان: هل عنده مرض منذ الولادة أم انه انحراف مقصود أتى بكثرة الآثام والكبائر، ولكن الكنيسة "أدانت دومًا العلاقات الجسدية الخارجة عن الزواج المقدس وقطعًا المعاشرة بين شخصين من ذات الجنس" (الكردينال روبرت سارة). وهكذا، حاولت –بغير جدوى– وسائل إعلام تهييج الأجواء متمنّية – أمل إبليس في الجنّة – أن "تدفع" الكنيسة إلى تغيير موقفها المشرّف المبنيّ على العقل السليم والإيمان القويم. كما رفضت الكنيسة أي تلاعب بالجنس ورفض ما خلقه الباري سبحانه.

ونصح آباء المجمع السينودي "أكبر قدر من الحيطة في التعامل مع الانحرافات" والمحافظة على اتّزان تميّز به السيّد المسيح بين الصرامة في المبدأ والرأفة مع الأفراد.

صحفيّ "يتسلّى" على حساب الحبر الأعظم!

في أيّامنا يكتب أي إنسان أي شيء في أي موقع ولا ضبط ولا ربط! فهذا "تورسون" صاحب مجموعة إلكترونية (يدعوها الأعاجم "بلوغ" blog) يعلن فيه من غير مواربة ولا حياء أنه "يتسلّى" بإطلاقة أخبارًا لا أساس لها من الصّحّة وموضوعها أن "البابا فرنسيس أنكر آدم وحوّاء والخطيئة وجهنّم" بمناسبة "المجمع المسكوني الثالث"! ولم ينتبه القوم أن الرجُل ساخر وأنه كان على الاقل صريحًا في تبيان نيّته الفكاهية. ف"قضبوها صاغ" ونشروها على الفيسبوك وتداولتها الاقلام السريعة! فأين المجمع المسكوني "الثالث" إلاّ في الأحلام والأوهام، وقد انتهى المجمع الثاني سنة 1965؟ على كلّ حال، ردّ موقع "السجلّ الكاثوليكي الوطني" "ناشنال كاثوليك رجيستر" على ترهات تورسون وفذلكاته وقهقهاته التي ما خلت من خبث.

آدم وحوّاء: الرجُل الأول والمرأة الأولى، لا سبيل إلى إنكارهما وإلاّ كيف أتت البشرية "الآدميّة"؟ وفي الكتاب المقدّس عبقرية كللها الوحي والإلهام إذ أعطى، بطريقة لا يقدر أحد أن يناقضها ولا أن ينقضها، الإنسان الأول اسم "آدم" من الكنعانية أي سليل الأديم وهو التراب، ولفظة "حوّاء" تعني "أم الأحياء" البشر. ومؤسسة الزواج تعود إلى أول مرحلة من الخلق إذ قال الباري لأول زوجين أن "ينموا ويكثرا " فتمتلىء الأرض حياة.

واقعيّة السيّد المسيح

يتوهّم بعض الناس ومنهم مسيحيون أنّ السيّد المسيح كان إنسانا غير واقعيّ يعيش في الخيال والمثاليات. ولكننا نراه يعالج الأمور كما هي ويخاطب الناس على قدر إدراكهم. وكم حاول خصومه الإيقاع به "ليصطادوه بكلمة" كي يشكوه للوالي أو كي يشوّهوا صورته لدى الجماهير. يتقدّم منه، على سبيل المثال، فرّيسيّون وهيرودسيّون مجرّبين مستفزّين مستهترين مستهينين سائلين: "أيجوز أن ندفع الجزية لقيصر؟" السؤال غير وارد والمسألة كلها محسومة. ففي الواقع يؤدّي كل الناس الضريبة، ولا خيار لهم. "يدرك يسوع خبثهم" ولا يقع في حبائل مكرهم. لا يطلق مبادىء ونظريات وأفكاراً وهمية خيالية ستؤدّي به إلى السجن، من غير فائدة، على موضوع نصفه في اللهجة العامّيّة بأنه "فارط" أي مفروغ منه! لا يتهوّر يسوع - بخلاف يهوذا الجولانيّ الذي أعلن رفض دفع الجزية فانهالت عليها العقوبات (عن يوسيفوس، "العاديات اليهودية"، 18، 1، 1). لا - لا يقارع السيّد المسيح الجوّ ولا يصارع طواحين الهواء مثل "دون كيخوته"! "كفّ لا يلاطم مخرزًا" والكلّ خاضع رغم أنفه. والذي يرفع صوته أو رأسه يُقتل، من غير فائدة.

يكشف يسوع خبث خصومه ويحبطه. يرى بأم عينيه الأمر الواقع ورضوخ البشر صاغرين للاحتلال الروماني. لا يقبل الاحتلال والظلم والسلب والاغتصاب. كلّها مخالفة للوصايا الإلهية: "لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ، لا تشهد بالزور، لا تشته امرأة قريبك، لا تشته مقتنى غيرك". المسيح أكّد على الوصايا ولم يبطلها (بخلاف ما تدّعي مجموعات أمريكية تتوهم أنها تشهد للرب).

واقعية المسيح وجرأته وحدّة ذكائه تتجلّى في طلبه من خصومه: "أروني نقد الجزية" أي العملة، فأروه العملة الرومانية. ويسأل بنفس الذكاء الخارق: "لمن الصورة والكتابة؟" ويجيب أعداؤه: "لقيصر!" والمقصود طيباريوس ابن أوغسطوس. هنا يجيب السيّد المسيح بعبقرية سامية: "أدّوا ما لقيصر لقيصر" أو "ردّوا" أي "أرجعوا ما لقيصر لقيصر". تستخدمون نقوده، بها تبيعون وتشترون، تكسبون دراهم ودنانير من نقد قيصر وترفضون تأدية الجزية؟ كان الأولى بكم –أيها "الشّطّار"– أن ترفضوا هذا النقد وهذه العملة أصلاً أي ألاّ تتعاملوا بها، على الأقل بينكم وبين أنفسكم كعبرانيين!.

ورُبّ قائل يقول: "هذا وهم وضرب من الأحلام أي أن يرفض شعب محتلّ نقد محتلّه". لا، فقد كان لليهود نقد خصوصي للهيكل وهو –إن غابت عنكم- "الشاقل"! ما كان يُقبل للهيكل نقد آخر ولا عملة أخرى! أما كان العبرانيون يستطيعون أن يمددوا هذا الاستخدام إلى كل مرافق حياتهم كعبرانيين مع بعضهم البعض؟ أمّا للمعاملات الدولية والتجارة مع الوثنيين، فكان النقد الروماني والعملة الرومانية وسواها ضروريّة...

وعندما استفسر الماكرون عن "رأي" المسيح في الحدّ على المرأة التي أخذت في زنى، أثبت يسوع الواقعية والعقل السليم ، إذ ما كان أحد يرجم أحدًا لمنع السلطات الرومانية شعبا محتلا من السلطة النفيذية!.

خاتمة

لن تؤثّر الشائعات على الكنيسة "سفينة بطرس" ولن يغمرها الغمر "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها". وسيبقى الزواج في الكنيسة "مكرّمًا" و "سرّا عظيما، بالنسبة إلى محبة المسيح للكنيسة"، إذ "منذ البدء خلقهما الله ذكرا وأنثى"، وهكذا سيقى الأمر إلى النّهاية!.