موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٠ أغسطس / آب ٢٠١٦
الأب بدر يدعو لتعميم السلم الأهلي القائم على المساواة بالمواطنة
الزرقاء - أبونا وبترا ، تصوير: أسامة طوباسي :

نظمت مديرية العلاقات الثقافية والعامة في الجامعة الهاشمية، بمحافظة الزرقاء الأردنية، اليوم الأربعاء، محاضرة تحدث فيها الأب الدكتور رفعت بدر عن "تعزيز قيم المواطنة عبر العلاقات النموذجية بين أتباع الديانات".

وأكد الأب بدر في الندوة التي أدارها مساعد رئيس الجامعة، مدير العلاقات الثقافية والعامة، الدكتور مصلح النجار، أن أهمية العناية بالسلم الأهلي القائم على مفهوم المساواة في المواطنة وتعميم أدبياته دستوريًا بين الهيئات الثقافية والاجتماعية بعامة والدينية بخاصة أمر ضروري لتعزيز الارتقاء بلغة الحوار في التعامل مع القضايا الوطنية، وفي مقدمتها تأكيد نواظم العيش المشترك على قاعدة المواطنة القائمة على أساس الكرامة والعدالة والمساواة وجعلها الأساس لحل الخلافات، بعيدًا عن خطابات الحقد والعنف والكراهية ونزعات التطرف الديني بجميع مستوياته وتعبيراته.

وأضاف إننا في الأردن نعد الأنموذج الأفضل والمتطور والراقي في التعامل مع بعضنا بعض وفق مفهوم العائلة الواحدة، نتيجة حكمة ورعاية القيادة الهاشمية التي ترى في الإخاء والمساوة طريقًا نحو التقدم والرقي الذي يعيشه الوطن بأمن وأمان واستقرار رغم الأمواج المتلاطمة حولنا، مبينًا أن المساهمة بخلق مناخات التفاعل الإيجابي بين المجتمعات الدينية والثقافية وتعزيز القيم المشتركة بينها والعمل على توسعة قواسمها ومجانبة الإكراهات المبنية على وهم امتلاك الحقائق المطلقة في الفكر والدين هي الأساس في بناء الدول والمجتمعات الراقية.

ودعا الأب بدر إلى النظر للعلم والمعرفة والتربية كمنظومة كاملة من مرتكزات العمل الوطني والتعاون على تبادل المعرفة الموضوعية والصحيحة عن الاتجاهات الحالية للأديان وحالات التدين الراهنة، مشيدًا بالتعاون البناء بين المؤسسات الدينية الأردنية، واللحمة الوطنية والوحدة بينها، بقيادة هاشمية حكيمة.

وأكد أن المملكة الاردنية الهاشمية رائدة في مجال الحوار والتقارب، مشيرًا إلى أربع زيارات بابوية إلى بلادنا المقدّسة، وأننا نفتخر بأنّ "الحوار" في الشرق الاوسط أبتدأ عندنا في مؤتمرات فكرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ تمّ تأسيس مراكز حوارية لها اسهاماتها المحلية والعالمية في نشر السلام مثل مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي (المجمع الإسلامي لبحوث الحضارة الإسلامية)، والمعهد الملكي للدراسات الدينية، والمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، ومركز التعايش الديني وغيرها.

وأشار الأب بدر إلى المبادرات الأردنية التي تم تبنيها على مستوى دولي، مثل مؤتمر العرب المسيحيين للتصدي لإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، ورسالة عمّان، ومبادرة كلمة سواء، ومؤتمر التحديات التي تواجه العرب المسيحيين، وهنالك مشروع تحريم وتجريم ازدراء الأديان.

ولفت إلى أن جلالة الملك عبدالله الثاني أصدر خمس أوراق نقاشية، تحمل في ثناياها رؤية جلالته للإصلاح الشامل، ومستقبل الديمقراطية في الأردن، من خلال سعيه إلى تحفيز حوار وطني حول مسيرة الإصلاح وعملية التحوّل الديمقراطي التي يمر بها الأردن، بهدف بناء التوافق، وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وإدامة الزخم البناء حول عملية الإصلاح، وبالتالي سببت هذه الأوراق حراكًا فكريًا في المجتمع الأردني.

واستنبط الأب بدر العوامل المشتركة مابين سينودس الكنيسة الكاثوليكية الخاص بالشرق الأوسط عام 2010، وأوراق جلالة الملك النقاشية. فالسينودس يمثل صوتًا للمسيحيين صدر عن الفاتيكان، وأسهم في اجتماعاته التحضيرية بطاركة الشرق وأصدقاؤهم من العالم. ومن جهة أخرى فإن الأوراق النقاشية تشكل حجر أساس لبناء مجتمع ديمقراطي، مشيرًا إلى نقتطين رئيستين، هما: أولاً المواطنة والمساواة، وثانياً: الحفاظ على المسيحيين في الشرق.

وحول المواطنة، قال الأب بدر: تشكل المواطنة إطار جامع لتفاعل المواطن مع وطنه، ولبقية المواطنين فيما بينهم ضمن الدائرة الوطنية للدولة، المحددة في جغرافيتها السياسية، ومركزها القانوني، وطبيعتها السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، إذ لم تعد المواطنة مجرّد ولاء عاطفي وانتماء للوطن وحسب، بل صارت كذلك انتظامًا عامًا له محدداته وأبعاده على مختلف الأصعدة الإنسانية، من هنا يجب أن نؤكد ما جاء به الدستور الأردني "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين"، مبينًا أنه انطلاقًا من الدستور، المظلة الجامعة لكل الأردنيين، علينا أن نؤكد، وأن يعلم الجميع، أن جميع الأردنيين هم مواطنون لا "ذميون".

وحول تعزيز سينودس الشرق الأوسط لمبدأ المواطنة، قال الأب بدر: إن "المسيحيين العرب هم مواطنون"، هذا هو الشعار الكبير للسينودس، وقد أفرز حيزًا كبيرًا من التفكير والمناقشات، والتوصيات حول العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، أي بين المسلمين والمسيحيين، لتكون علاقاتهم مبنية على المودة والحوار والتعاون والمواطنة الصالحة. فالحوار، كما يقول البابا بندكتس السادس عشر، ليس بيننا أمرًا عابرًا بل هو ضرورة حيوية يتعلّق بها مستقبلنا، فمن واجبنا تربية مؤمنينا على الحوار الديني، وعلى قبول التعدّدية الدينية، وعلى الاحترام والتقدير المتبادلين.

كما أشار الأب بدر إلى المواطنة الفاعلة التي تحدّث عنها الملك عبدالله في أوراقه النقاشية، فقال: تسلّط الأوراق الضوء على المبادئ الرئيسة للمواطنة الفاعلة. فهي ترتكز على ثلاثة أسس رئيسة: حق المشاركة، وواجب المشاركة، ومسؤولية المشاركة الملتزمة بالسلمية والاحترام المتبادل. ومابين السينودس والأوراق شدد على ضرورات لا بدّ منها لكي تكون هنالك ديمقراطية حقيقية، لا مزيفة، وهي: الحريات للجميع، المواطنة وتطبيقها فكرًا وممارسة، وإلى إحياء فكر جديد في الشرق؛ فكر يحترم التعددية ويستوعبها، فكر أصيل وجريء، فكر يمجّد الله ويخدم الإنسان، فكر يحاور، فكر عملي، فكر خالي من التطرف والتشدد، وفكر مبني على مصطلحات جديدة في العلاقات الإسلامية المسيحية وبين أتباع الديانات بشكل عام.

وختم الأب بدر حديثه بأولويات ثلاث للعيش المشترك وهي، أولاً: الاستمرار بالعيش بعضنا مع بعض وليس بعضنا إلى جانب البعض. وثانيًا: إكمال طريق حوار الأديان بجعله أكثر مصداقية، فكيف لنا أن نبرر تفجير كنائس أو مساجد خلال أداء الصلاة؟. وثالثًا: الاتحاد مسلمين ومسيحيين في تذكير الجميع أن الدين والعنف لا يتفقان.

من جانبه، أكد رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور كمال الدين بني هاني أهمية عقد مثل هذه اللقاءات، مشيرًا إلى أهمية الحوار والالتقاء بين شركاء المصير المشترك، والتاريخ الواحد، والإخوة على هذه الأرض الطيبة، وتعزيز التقارب بين الأشقاء المؤمنين بكل قيم الخير والمحبة ومساعدة الفقراء والمحتاجين.

وبين أن الحوار مطلب ثقافي وحضاري وإنساني يتيح للإلقاء، مبينًا "إن التركيز على التاريخ على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات قاد إلى التعصب، وقد آن الأوان لأن نتعلم من دروس الماضي القاسية، وأن نجتمع على الأخلاق والمثل العليا التي نؤمن بها جميعاً.