موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٠ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
الأب اسطفان جبر في اليوبيل الفضي لرسامته الكهنوتيّة: اليوبيل فرح، أمانة ووفاء

أبونا ، تصوير: منير جبر :

 

احتفل الكاهن الماروني الأب اسطفان جبر باليوبيل الفضي لرسامته الكهنوتيّة، وذلك خلال القداس الإلهي الذي ترأسه في ساحة مار ساسين في بلدة فغال اللبنانيّة، بحضور راعي أبرشية جبيل المارونيّة المطران ميشال عون، ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات، وعائلة وأصدقاء الكاهن المحتفل وعدد من المؤمنين.

 

وقد اتخذ الاحتفال طابع البساطة والتضامن مع المتضررين جراء انفجار مرفأ بيروت، بالإضافة إلى إجراءات السلامة والوقاية الصحيّة. وخلال القداس، تمّ قراءة رسالة البركة الرسوليّة التي وجهها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، والتهنئة التي وجّهها كذلك راعي الأبرشية المطران عون.

 

وفيما يلي النص الكامل لعظة قدّاس اليوبيل الكهنوتي الفضي:
 

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

 

سيادة راعينا المطران ميشال عون السامي الإحترام، رفاقي الكهنة الأفاضل، أخواتي أخوتي الحاضرين الكرام، وجميع الأحبّاء الذين يشاركوننا عن بعد عبر وسائل التواصل الإجتماعي. بكثيرٍ من الفرحِ الروحي والغبطة والسلام أحتفلُ اليومَ معكُم بهذا اليوبيل، احتفالاً عائليًّا رعوياً متواضعًا، رغم كلِّ الظروف الصعبة التي نمرّ بها، بعدما تأجّلُ الموعدُ من 26 آب الماضي إلى اليوم 8 أيلول الذي يصادف عيد مولد السيدة العذراء.


 

شعاري الكهنوتي: "ليأتِ ملكوتُكَ"

 

"ليأتِ ملكوتُكَ" (متى 6/ 10)، عبارة اخترتُها شعارًا لي مع بداية خدمتي الكهنوتية. هي في الحقيقة صلاتُكم وصلاة المؤمنين بالمسيح الذي علّمَها لتلاميذه. وأمّا للكهنة فهي صلاةٌ وصرخةُ ضمير ثوريّة روحيّة توجّهُ إلينا السؤال كلَّ يوم: ماذا نصنعُ لكي يأتي ملكوت الله؟

 

بيسوع المسيح، أحبّائي، أصبح الملكوت حاضراً بيننا؛ وبدل أن نعبر إلى الملكوت عبر الملكوت إلينا بالربِّ الذي بشّر، قبل كل شيء، بأنَّ "ملكوت الله قد اقترب" (متى 4/ 17). وإعلانًا لافتتاح ملكوتِه قلب يسوعُ المفاهيم التي كانت سائدة رأساً على عقب: فإذا به يشفي المرضى ويغفر للخطأة، يهنّيء الفقراء ويدين الأقوياء ويحتقر المتجبّرين ويطلق التطويبات التي هي مختصرٌ للملكوت (متى 5/ 1-12). ثمَّ يكشف للرسل حقيقة هذا الملكوت ويطلعهم على أسراره بالأمثال... ومنها أنَّ الملكوت كحبةٍ ألقيت في الأرض ويجب أن تنمو وتكبر لتصبح شجرة (متى 13/ 31-32).

 

فعندما نصلّي: ليأتِ ملكوتك! فنحن، أخوتي، نتقبّل كلمة الله ونلتزمُها كلمةً تُزرَعُ فينا وتنمو لتجدّد حياتَنا كل يوم، لأن الملكوت يأتي إلى الجماعة التي تترك مجالاً ليسوع ولكلامه لكي يستولي عليها ويكون هو الملك والقائد والمطلوب. وفي الكنيسة، :"جماعة الملكوت"، أليس الكاهن، الخادم هو المؤتمن الأوّل على هذه المهمّة للقيام بها بمسؤولية ودقّةٍ والتزام؟!

 

سيّدنا، اخوتي الأحباء؛ اختارني الرب ودعاني للكهنوت، وأنا لا أستحق هذه النعمة ومنذ ربع قرن أسعى للقيام برسالتي، فأجد ذاتي غير قادرٍ لوحدي في خطيئتي وضعفي على تلبية هذه الدعوة؛ ولكن الربّ، بحبه الذي يفوق إدراكنا، وبنعمةٍ منه مجانية، كان ولا يزال يشجعني ويقوّيني لأساهمَ معه في ورشةِ بناء الملكوت في قلوب أبناء الرعية؛ من خلال التعليم والتقديس والتدبير: فإن صلّيتُ أو قدّستُ أرفعُ في قداسي رعيتي لتكون صورةً لملكوت السماوات على الأرض، وإن علّمتُ فهَمّي الأول أن تكون كلمة الله حيّةً وفاعلةً في قلوب السامعين؛ وإن قمتُ برسالتي وبأيةٍ خدمةٍ فهَدفي أن أشهد لمحبّة ملك المحبة وجعل ملكوته، ملكوت الرحمة والرأفة، نوراً للعميان فيبصرون وشفاءً للعرج فيمشون وكلمةً صارخةً في آذان الصمّ فيسمعون وحياةً للموتى فيقومون وخلاصاً للفقراء فيبَشّرون (متى11/5).

 

وها أنا اليوم، بعد خمس وعشرين سنة، أجدّد وعدي وعهدي أمامَكم وأمام الرب: "ليأتِ ملكوتك"! والرب يعضدني بحبّه وبروحه يجدّدني لأتابع خدمة أسراره وكنيسته، واحداً من الكهنة الكثيرين الذين يشاركونه في ذبيحة كهنوته وهو الكاهن القدوس الوحيد الأزلي (عبرانيين7/26-28) الذي يقدس جميع البشر.  

العدد 11567

 

إذا كان الإحتفال باليوبيل يُبنى على حساب عدد السنين فأنا أضيفُ إليه عددًا جديدًا خاصًّا بيوبيلي الكهنوتي الفضيّ هو11567. إنه رقم قداسي اليوم في اليوبيل. 11567 مرّة احتفلت بالإفخارستيا خلال خمس وعشرين سنة، وكلمة إفخارستيا تعني الشكران، وفي كلِّ قداس يرافقني شعاري الكهنوتي ويردّد عليَّ السؤال 11567 مّرة: ماذا سأعملُ اليوم وغدًا لتحقيق الملكوت؟ أجل، اليوبيل مناسبة تجمعنا لنشكرَ الربَّ على قسطٍ من العمر مضى في الخدمة الكهنوتية، بيدَ أنني أودّ التركيز على الأمانة لعهدي الكهنوتي في وجهتها المستقبلية، أي في ما تبقّى من حياتي، من القسطِ الآخر، قبل لقاء وجه الربّ. فاليوبيل نظرة إلى الماضي وتطلّع نحو المستقبل بعيون الأمانة ذاتها والقرب من الربّ يومًا بعد يوم. فكم نحن بحاجة ككهنة، في عصر التطوّر الرقميّ الهائل، وتبدّل المفاهيم والثوابت، بحاجةٍ إلى التركيز على علاقتنا بالله، موضوع فرحنا الأساسي والدائم في مهبِّ العواصف التي تواجهنا من كلِّ جهة؟

يوبيل الشكران

 

ولأن الشكر هو من ثمار إحلال الملكوت فإني معكم، في هذا اليوبيل، نرفعُ أسمى آيات الشكران "لله الآب في كل حين على كل شيء باسم ربنا يسوع المسيح" (أفسس5/20) لأنه يفيض علينا نعمه وبركاته. أشكر غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى الذي رافقني وأنا طالب اكليريكي، وبوضع يديه مُنحت الدرجة الكهنوتية، وكان آنذاك راعياً للأبرشية، وفي هذه المناسبة شملني وعائلتي ببركته الرسولية.

 

كما أشكر سيّدنا المطران ميشال عون راعي الأبرشية السامي الاحترام.   سيّدنا: حضوركم بيننا الليلة يضفي على الإحتفال رونقًا روحيًا أبويًا وعاطفةً تجلّت في كلمة التهنئة التي سمعناها في بداية القداس. فالشكرُ كلُّ الشكرِ لكم! شكرُنا نُحوّلُه دُعاءً للربّ لكي يحفظَكم، ويأخذَ بيدِكم لتظلّوا على رأسِ الأبرشية "ميشالاً" أي ملاكاً يحرُسُنا بصلاتِه ويحمينا بحكمتِه، و"عَونًا" يُرشِدُنا بتوجيهاتِه وغَيرتِه الأبويّة ويَحضنُنا بعباءةِ القداسة.

 

أتوجّه بالشكر إلى كاهن رعيتنا في فغال، وإلى كلّ الكهنة الأصدقاء الحاضرين والمشاركين معنا فرح هذا اليوبيل؛ وأخصّ بالشكر رفاقي الكهنة الذين تخرّجنا معًا سنة 1991، فلكم في قلبي مودّة خاصة تحملني على الإتحاد معكم في القدّاس كلّما ارتديتُ هذه البدلة الكهنوتية هديّتَكم لي يوم رسامتي منذ 25 سنة.

 

أقول شكراً لكلّ الرعايا التي اختبرتُ فيها فرحَ خدمتي الكهنوتية خمسًا وعشرين سنة، تغذّيتُ في كنائسها بجسد ابن الله ودمه، وأعطيتُه بدوري غذاءً للعالم، في الأسرار: في العماد، والتثبيت، والتوبة، والقربان، والزواج، ومسحة المرضى... وفي الليتورجيا: في الصلوات، والزياحات، والرياضات، والقربانات الأولى...

 

ولكم جميعًا يا أبناء بلدتي فغال وبناتِها الأحباء، كهنة وراهبات وأقارب وأصدقاء، وخصوصاً العزيز المختار ألفراد، لكم كل الشكر على مشاركتكم معنا، إن بحضوركم في القداس وإن بصلاتكم عبر وسائل التواصل الإجتماعي من بيوتكم في فغال وفي لبنان، وإلى بلدان الإغتراب أتوّجه بتحية خاصة إلى أقاربنا في أوستراليا، في نيجيريا، في كندا، في فرنسا، في الأرجنتين (عندما أقول الأرجنتين، أحيّي الصديق والنسيب الأب فليب الخازن المرسَل اللبناني)... وإلى كلّ الأنسباء في كل أنحاء العالم. إسمحوا لي أن أتقدم بشكرٍ خاص إلى أفراد الجوقة. فإني إذ أشكركم على اختياركم، لخدمة القداس، مجموعة من التراتيل التي كتبتُ لحنَها من 25 سنة، أهنّئكم على آدائكم الممّيز وأتمنى لكم التقدم المستمر في رفع التهاليل والتسابيح للرب.

اليوبيل فرح مع العائلة

 

وإليكم يا أشقائي وشقيقاتي مع عائلاتكم الأعزاء كل مودّتي في هذا الوقت السعيد من مسيرتي الكهنوتية، ويسرّني جدًّا حضور أخي حبيب وزوجته لورانس بعد غياب عن الوطن وسفر لأكثر من 25 سنة للعمل في الخارج؛ وحضور أختي ميشلين وزوجها غسان مع العائلة؛ كما حضور أختي رفقا وزوجها بطرس مع الشباب. وأمّا الباقون فتُسعدني كثيرًا مشاركتُهم الآن ولو عن بُعد: فأحيّي أختي كلير في كولومبيا مع أولادها والعائلات، وتحيّة إلى أخي أبونا أنطوان وزوجته آن مع العائلة في باريس، وسلام إلى أختي جوانا وزوجها جان والعائلة في نيس - فرنسا، كما أحيّي أخي ميشال وزوجته مارسال وابنهما جو في باريس أيضاً: فأنتم جميعًا مع أفراد عائلاتكم تطبعون حياتي، كلُّ واحدٍ بعلامةٍ مميَّزة، لأنكم تقفون قربي وتغمرونني بعاطفتكم الأخويّة وقت احتياجي إليكم، وأنا أحمِلُكم دوماً في فكري وفي صلاتي وفي قداسي أمام الرب.

 

وفي فرحي اليوبيليّ، لا أقدر إلا أن أشكر الربّ على عائلتي الصغيرة، زوجتي وشريكة حياتي "الخوريّة" أوديت التي اختارت أن تكون إلى جانبي في حلاوة الحياة وصعوباتـها مع أولادي الأربعة: جوزيف، جان بول، لوريس، جاك، والعزيزة إليسّا خطيبة ابني جوزيف: أنتم الجزءٌ الكبير من مسيرتي ونمويّ في الكهنوت، كنتم حاضرين معي في وقت الفرح، وفي وقت الشدّة، وفي سعيي لتحقيق دعوتي، وأعتقد أن كلاً منكم أسهم بطريقة أو بأخرى في وضع مدماك في بناء حياتي. واليوم، رغم كل الظروف والأوضاع الراهنة، مع إصراركم أردتم الاحتفال بهذا اليوبيل ببساطةٍ وهدوء. أنتم مدعاةَ فخري واعتزازي، ولأن لساني يعجز عن شكركم ويضيع الكلام فإني أضمُّكم إلى صدري شاكرًا حبَّكم الذي تجلّى في التعب والمجهود الذي وضعتموه في التحضيرات، وأنا بدوري أضعُكم على هذا المذبح مع تقدمة يسوع إلى الآب.

اليوبيل أمانة ووفاء

 

سيّدنا وأحبائي،    يبقى لهذا اليوبيل طابع الأمانة والوفاء لكثيرين من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والأهل والأصدقاء الذين كان لهم الدور الأساسيّ في مسيرتي الكهنوتية وقد غابوا عنا في حضور المسيح. فلأرواحهم الطاهرة أهدي هذا اليوبيل: لاسيما والدي المرحوم يوسف ووالدتي المرحومة لوريس اللذين زرعا في العائلة روح المبادرة إلى الخدمة وحُبَّ الكنيسة في جوٍ عائلي، ساده لا غنى المال والجاه بل غنى العقل والقلب والروح، فتعلّمنا منهما كيف نطلب أولاً ملكوت الله وبرّه والباقي يعطى لنا ويُزاد، وبذلك صارا لنا المثال الأعلى في الأبوة والأمومة. واختارا لي يوم ميلادي إسم الطوباوي الأخ إسطفان، فبشفاعته أذكرهما بصلاتي وأطلب لهما الراحة والمجد في الملكوت بين أجواق القديسين.

 

وأهدي هذا اليوبيل لأرواح كهنة فغاليين قديسين، واذكر منهم المرحوم الخوري بطرس خيرالله الفغالي الذي بفضل حكمته وخدمته اكتشفت دعوتي للكهنوت وشجعني على دخول المدرسة الإكليريكية. وفي مثل هذا اليوم منذ 31 سنة (8 أيلول 1989) انتقل إلى بيت الآب السماوي، وودّعته رعية فغال. والمرحوم الخورأسقف جبرايل الفغالي عرّابي في الكهنوت وقد رافقني وأنار دربي بخبرته الرعوية الواسعة لتخطي الكثير من الصعوبات وكان إلى جانبي حتى آخر أيام حياته. والمرحوم الخوري أنطوان الفغالي مرشدنا في الشبيبة ومعلم الأجيال ومثالنا في التقوى والإتقان والدقّة... وقد تعلمّتُ منه الكثير، وعنه أخذت اللحن الجميل لكلام التقديس وسأتلوه في قداس اليوبيل هذا. والمرحوم المونسنيور ميشال أبي صعب الذي كان بيننا مثال كاهن الرعية الرسول والحاضر دائماً للخدمة بنشاط واندفاع. وأذكر أيضاً عمّتي المرحومة الأخت إليزابيت جبر من راهبات المحبة التي حملتنا بصلواتها منذ الصغر وكم فرحت بي كاهنًا وكانت القدوة في حياة التكرّس الرهباني وروحانيتها المريمية بالقول "نعم، أنا أمةٌ للرب" وفي بساطة العيش والعطاء وبذل الذات.

تحيّة شكر وتقدير

 

وقبل أن أختم بالصلاة، أتوّجه بتحيّة شكر وتقدير إلى أسرة "موقع أبونا" في الأردن بشخص مؤسّسه ومديره الأب رفعت بدر الصديق الحبيب، وإلى كلّ المتابعين لنا بالنقل المباشر على صفحات الفيسبوك أو عبر "موقع أبونا" هذه الموقع الكنسي الرائع، الذي يجمعنا بالعديد من الأصدقاء والأحبّة في لبنان وفي المملكة الأردنية الهاشمية والعالم العربي وحول العالم، فلهم جميعًا كلَّ التحيّة والسلام. وختامًا نصلّي: يا ربّ إصنع مشيئتك، وهَبنا أن نسعى لبناء ملكوتك في قلوب جميع الناس الذين تضعنا في خدمتهم، ومعاً نشكرك ونرفع إليك المجد أيها الآب والابن والروح القدس إلى الأبد. آمين.