موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
الأب ألبير هشام نعّوم يكتب بغداد: يسوع اللاجئ!

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

في السنوات الأخيرة، وكلّما يقتربُ عيدُ الميلاد في العراق، نتأمل في يسوع الذي عانى من التهجير في الليل وهو لا يزال طفلاً صغيرًا، عندما ظهر الملاك للقدّيس يوسف وطلب منه أن يهرب إلى مصر ليتخلّص من بطش هيرودس الذي قرر أن يقتل أطفال بيت لحم. ففعل يوسف ما أمره الربّ "فقام فأخذ الطفل وأمّه ليلاً ولجأ إلى مصر" (متى 2/13). وهذا النصّ يذكّرُ بعوائل كثيرة مسيحية اضطّر أفرادُها قسرًا أن يتركوا مدينتهم وقريتهم وبيتهم في ليلةٍ وضحاها، ليلجؤوا إلى أمكنةٍ أخرى بعضها مجهول، بل مجهول جدًا!

والضحية هم الأطفال، كما قال قداسة البابا فرنسيس في لقائه بالفنانين المشاركين بالحفل الموسيقي لعيد الميلاد يوم السبت 15 كانون الأول: "المسيح الطفل يذكِّرنا بأن نصف اللاجئين اليوم في العالم هم من الأطفال، الضحايا الأبرياء لظلم البشر".

إنّه حدثٌ بدأ يحاكي مخيلتنا، وكأننا نشعرُ بقربه اليوم من قلوبنا أكثر من أي احتفالٍ مضى بعيد الميلاد. نعرفُ أن المسيحَ اختار أصغر ولايات يهوذا ليولد فيها "بيت لحم"، وحتّى في هذه الولاية لم يجد مكانًا في الضيافة فاضطرّ أن يولد في مغارة للحيوانات. ولكننا ننجذبُ اليوم لهذه الحادثة أكثر من قبل لأنها صارت جزءً من واقعنا في العراق، ليس فحسب بل في المنطقة كلّها وفي أجزاء كثيرة من العالم: إذ بدأنا نرى يسوع لاجئًا مثلنا!

ولكن يسوع اللاجئ يعلّمنا شيئًا في ميلاده: فكلّ هذا يبين أن يسوع لم يكن له مكان محدد، حتّى عندما أراد أن يدلّ المجوس على مكان ولادته، لم يعطهم مكانًا بل "علامة" وهي "النجم"، فيقول الإنجيل: "وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدّمهم حتّى بلغ المكان الذي فيه الطفل فوقف فوقه" (متّى 2/9). فالعلامة من السماء (النجم) سبقت المكان، بل هي التي دلّت على مكان وجود يسوع. والعلامة التي أعطاها الملاك للرعاة الفقراء الذين كانوا يبيتون في البرية، يتناوبون السهر على رعيتهم، ليدلّهم على المخلّص، المسيح الربّ، هي هذه: "ستجدون طفلاً مقمطًا مضجعًا في مذود" (لوقا 2/12). فلا يدلّهم على مكان بل على شخص يسوع نفسه.

لا يريد الله أن يستقرّ في مكان غير قلب الإنسان، لأنه تجسّد من أجله، وجاء إلى العالم ليخلّصه. فلا يجب من جهتنا أن نحدد الله بمكان بل علينا أن نتبع شخصه هو. المسيح حيّ، ولا يمكن أن نضعه في قالب جامد. إنه يريد أن يكون معنا، يعيش معنا وفينا، وعلينا نحن أيضًا كتلاميذ أن نتبع شخصه كما قال كاتب يومًا ليسوع: "يا معلّم، أتبعك حيث تمضي" فأجابه يسوع: "إن للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكارًا، وأما ابن الإنسان فليس له مكان يضع عليه رأسه" (متى 8/19-20). لا يريد يسوع أن يحدد نفسه بمكان، وعلى تلميذ المسيح أن يفهم مصيره الذي يشبه مصير معلّمه: لا مكان له غير الذهاب والتبشير بملكوت الله.