موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٤ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
الأب ألبير هشام نعّوم: كم علينا أن نختار الوحدة كأولوية في شرقنا!

بغداد - الأب ألبير هشام نعّوم :

كان خبرُ افتتاح أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، يومَ احتفال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأعياد ميلاد وظهور ربّنا يسوع، قد خلقَ انتعاشًا في نفوسنا ووصفه كثيرون بأنه خطوة جديدة نحو التقارب بين المسلمين والمسيحيين، ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي كلّه، خصوصًا مع افتتاح مسجد "الفتّاح العليم" بجانب الكاتدرائية في الوقت ذاته، وبحضور الرئيس السيسي الذي اعتبر هذا الحدث خطوةً نحو الوحدة الوطنية.

ويتزامن هذا الحدث المفرح مع "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين"، الذي سنفتتحه الجمعة القادمة (18-25 كانون الثاني) ولا نتمنى أن يبقى حدثًا روتينيًا تُرفَع فيه الصلوات الوحدوية دون أن تقودنا إلى أفعالِ وحدة نحنُ بأمسّ الحاجة إليها، خصوصًا وسط التنوع المسيحي في الشرق الذي سيتعرّض إلى التهميش دون الوحدة.

من المهمّ أن نتوحّد مع أخوتنا المسلمين في المواطنة والعيش المشترك، ولكن من المهمّ أيضًا أن نتوحّد كمسيحيين ولا نجعل اختلافاتنا، العقائدية وغيرها كثيرة، سببًا للتنافر والخصام بل مصدر غنىً أحدنا للآخر. وهذا لا يتمّ دون تنازل الأكبر للأصغر بمحبة، ولا يتمّ هذا التنازل دون الإيمان بالمسيح، إيمانًا ينبع من محبتنا له، ولا يتمّ هذا الإيمان بصورةٍ كاملة دون أن نقبل الآخر المختلف، وإن تصادمنا معه أحيانًا، فندعوه لنعيش سويةً وسط ظروفٍ استثنائية نواجهها في شرقنا الأوسط.

نحنُ في العراق نعيشُ خبرة التنوّع المسيحي، فعلى الرغم من قلّة عدد المسيحيين، لا زال فيه اليوم 14 كنيسة مسيحية، لا يفرّقُ أغلبُ مؤمنيها بين الكنائس بل يعارضوننا أحيانًا عندما تضطرنا الشؤون الإدارية أن نرسلهم لكنيستهم ويقول بعضهم بنيّةٍ صادقة: "ألسنا كلّنا مسيحيون؟!". عندما كنتُ في بداية مسيرتي الكهنوتية، خدمتُ كمعاونٍ في كاتدرائية مار يوسف للكلدان، في منطقة الكرادة وسط بغداد، وبجانب الكاتدرائية هناك كنيسة للروم الكاثوليك، وعلى مسافة قريبة أيضًا هناك كاتدرائية للسريان الكاثوليك (سيدة النجاة أم الشهداء)، وأخرى للأرمن الكاثوليك، وعلى مسافةٍ ليست ببعيدةٍ عنهما توجد كاتدرائية أخرى للاتين. إنها منطقة تشهدُ للتنوع المسيحي، وشعبها يشهدُ للوحدة المسيحية وخاصّةً في قداديس الآحاد، إذ يتوزّع مؤمنو المنطقة على هذه الكنائس الخمس، ليس بحسب طوائفهم، بل أحيانًا بحسب قربهم من الكنيسة الفلانية، بل هناك عوائل تحضر أحيانًا في أكثر من كنيسة، وليس هذا إلا دليل على عدم تفرقتهم. فتجد في كنيسة الكلدان كلدانًا وسريانًا وأرمن... وفي كنيسة السريان سريانًا وكلدانًا وروم... الخ وهكذا.

لا بدّ لهذه الوحدة "الرعوية" أن تقودنا إلى وحدة "الموقف" و"الشهادة" بين الكنائس، مما تؤدي أيضًا إلى وحدة "الخطاب المسيحي"، وكم نتمنى أن "تريد" كلّ كنيسة الوحدة كما أرادها ربّنا يسوع، و"تبادر" بأفعالٍ واقعية.

المثلُ يقول: "مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ!" ونحنُ نقول: "وحدةُ قومٍ عند أقوامٍ كثيرةٍ فوائدُ!". كم علينا أن نختار الوحدة كأولوية في شرقنا!