موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٩ مارس / آذار ٢٠١٩
الأب ألبير هشام نعّوم، يكتب من بغداد: قُتِل لأنه يصلّي!

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

المجزرة المروّعة التي حدثت بمسجدي نيوزيلاندا لمسلمين كانوا يصلّون، يصلّون وحسب، تذكّرنا بأحداث مماثلة في الماضي، أقلّ أو أكثر منها تأثيرًا. فجميع الضحايا عبر التاريخ، ومن مختلف الأديان، يشتركون بمبدأ واحد، وكأنه مكتوبٌ على ضريح كلّ واحدٍ منهم: "قُتِل لأنّه يصلّي!". وما أغرب هذا الأمر، فلماذا يُقتل إنسان يصلّي؟ هل الصلاةُ خطرة؟

في بغداد، عشنا خبرة مماثلة لن تنمحي من ذاكرتنا المسيحية، وهي مجزرة كنيسة سيدة النجاة عام 2010. إذ دخل إرهابيون الكنيسة خلال الاحتفال بالقدّاس، وقتلوا أناسًا أبرياء وكاهنين، لم يكونوا يفعلوا شيئًا سوى أنّهم يصلّون! ونتذكر أيضًا اخوتنا الأبرياء الذي راحوا ضحية التفجير الذي طال كنيسة القديسين بمصر ليلة رأس السنة ذاتها، لأذكر مثلاً آخر من بين أمثلة لا تُعدّ ولا تحصى... إلخ

واعتدنا منذ سنوات طويلة في كنائس بغداد خاصّةً، أن نصلّي في اجتماعاتنا وقداديسنا من أجل السلام في البلاد والمنطقة بأسرها، حتى لا يكاد يخلو أي قدّاس من صلاة من أجل السلام، لا بل دخلت حتّى في ليتورجيتنا: "أيها المسيح، سلامُ العُلويين وأمانُ البشر، وطّد الأمنَ والسلامَ في أقطار المعمورة وفي كنيستك الجامعة، وأزل الحربَ عن وجه الأرض واهدِ الشعوب المتخاصمة الداعية إلى العنف، فنعيش حياةً هادئة وادعة بنقاوةٍ وتقوى" (من الطقس الكلداني). فهل الصلاة من أجل السلام مخيفة هكذا؟

نعم، إن السلامَ مخيفٌ بالنسبة لعالم اليوم، والعالم يحاربه لأنه لا يخدم مصالح كثيرين. وعندما يريدون ضرب السلام في العالم، يقتلون أناسًا يصلّون، لأن المصلّين، مسيحيين كانوا أم مسلمين أم من أي دينٍ آخر، هم حملة السلام ضمن محيطهم ومجتمعهم وفي العالم كلّه. فضربُ المصلّين وسيلةٌ لزعزعة أسس السلام الذين يطلبه المؤمنون في صلاتهم البريئة.

ومن وقت يسوع، جاء أناسٌ يومًا ليخبروه عن الجليليين الذين قتلهم بيلاطس بوحشية وخلط "دماءهم بدماء ذبائحهم" (راجع لوقا 13/1-5). كانوا إذًا يقدّمون الذبائح، أي يصلّون، فقتلهم بيلاطس. وربما أراد الناس أن يطلعوا يسوع على آخر الاخبار، فنقلوا له هذه الحادثة المؤلمة التي أثارت مشاعرهم. ولكن يسوع، كعادته، يوجّه أنظارهم من خلال هذا الحدث إلى أمرٍ آخر: "إن لم تتوبوا، تهلكوا بأجمعكم مثلهم" (آ 3). ويسوع هنا يدعونا بالدرجة الأولى إلى التوبة والرجوع إلى الله وعدم الابتعاد عنه عند سماع مثل هذه الأحداث المؤلمة، فنأخذ موقفًا بأن يبقى السلام في جماعتنا سيدَ الموقف حتّى لو ضربهُ الأعداء، وإلاّ فسنهلك بأجمعنا إن تنازلنا عن السلام مع الله!