موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠
اشخين ديمرجيان تكتب من القدس: تاريخ ميلاد السيد المسيح

القدس - اشخين ديمرجيان :

بعد دراسة عميقة مستفيضة للتفاصيل التاريخية الواردة في الإنجيل المقدّس حسب التسلسل الزمني، بإمكاننا معرفة تاريخ الميلاد السيّدي على وجه التقريب، إذ لا يزوّدنا الكتاب المقدّس بمعلومات دقيقة عن تاريخ ميلاد السيّد المسيح.

■ القدّيس متّى

نقرأ تفاصيل ميلاد السيّد المسيح في البشارة كما ألهمها الله وأوحى بها إلى القدّيس متى (2:1): أنّ يسوع وُلِد في عهد الامبراطور الروماني أوغسطُس قيصر، تحديدًا أيام حكم الملك هيرودس على اليهود، وبما أنّ هيرودس توفّي سنة 4 قبل الحساب الميلاديّ، ومن خلال هذه المعلومة التاريخيّة بإمكاننا أن نحسب تاريخ ميلاده. ونعلم تاريخ وفاة هيرودس من المؤرّخين الذين اتّفقوا على تاريخ هذه الحادثة ودوّنوها في أسفارهم أي ربيع سنة 750 من تأسيس مدينة روما.

وتذكر بعض آيات الإنجيل المقدّس بأنّ الملاك تراءى للقدّيس يوسف في الحلم، وقال له أن يأخذ الطفل وأمّه مريم العذراء إلى مصر، هربًا من بطش هيرودس الكبير وقسوته، لأنّ هذا الأخير كان مزمعًا أن يُهلك الطفل. ويرد ذِكر الملك هيرودس الذي أصدر أمرًا بقتل أطفال بيت لحم والمناطق المجاورة من السنتين فما دون، سعيًا منه الى قتل يسوع المولود فيها (متّى 2: 16–18). "فقام فأخذ الطفل وأمّه ليلاً ولجأ الى مصر" (متّى 2 : 14). هذا يُشير الى أنّ يسوع كان عمره حينئذ سنتين أو أقلّ.

وخلال فترة وجودهم في مصر مات الملك هيرودس بعد مرضه، ومَلَك ابنه هيرودس أرخيلاوس عوضًا عنه، سنة 4 قبل الحساب الميلاديّ حتى سنة 6 بعده، وخلال فترة حكمه أوحى الملاك إلى القدّيس يوسف بالعودة، فرجع إلى مدينة الناصرة، "ليتمّ ما قيل على لسان الأنبياء إنّه يُدعى ناصريًّا" (متّى 2: 23).

■ توقيت ولادة السيّد المسيح في دانيال وإنجيل لوقا

نجده في نبوّة دانيال وفي إنجيل لوقا: "فاعلم وافهم: إنّه من صدور الأمر بإعادة بناء أورشالم الى رئيس مسيح سبعة أسابيع، ثمّ في اثنين وستّين أسبوعًا تعود وتُبنى السوق والسور..." (دانيال 9: 25).

وفي (لوقا 2: 1-3): "وفي تلك الأيام صدر أمر عن القيصر أوغسطُس بإحصاء جميع أهل المعمور (أي البلاد التابعة لسلطة قيصر). وجرى هذا الإحصاء الأوّل إذ كان قيرينيوس حاكم سورية. فذهب جميع الناس ليُكتتب كلّ واحد في مدينته"، ممّا ألزم القدّيس يوسف والسيّدة مريم العذراء بالحضور إلى بيت لحم مدينتهم، وهناك وُلد السيّد المسيح. ويأتي ذكر الإحصاء الذي شمل اليهوديّة حوالي سنة 7 قبل الحساب الميلادي التي هي سنة الميلاد نفسها. والسبب في هذا الاختلاف الطفيف البسيط بين الميلاد والحساب الميلادي هفوة من الراهب الإسقوثي الأرمني "ديونيزيوس" الذي لقّب نفسه بـ"الصغير". وهذه الهفوة لا تُذكَر مع عبقريّة ذلك التقويم وسط مئات السنين وسوف نتناولها في المقال القادم إن شاء الله! نحن نقرأ في التاريخ أنّ أوغسطُس حكم من سنة 27 قبل الميلاد إلى سنة 14 للميلاد.

يذكر القدّيس لوقا تفصيلاً آخر في ما يتعلّق بهذا التوقيت: "كان السيّد المسيح عند بدء رسالته، في نحو الثلاثين من عمره" (لوقا 3: 23)، بينما كان "ينادي يوحنّا المعمدان في البرية، يُنادي بمعمودية التوبة لغفران الخطايا. بدأ يوحنّا خدمته "في السنة الخامسة عشرة من حكم القيصر "طيباريوس"، إذ كان پونطيوس پيلاطس حاكم اليهودية، وهيرودس أمير الربع على الجليل، وفيلبّس أخوه... في أيام رئيسَي الكهنة حنّان وقيافا" (لوقا 3: 1- 4).

الفترة الوحيدة التي تلائم كلّ هذه الوقائع والأحداث هي السنوات 27-29م. إذا كان السيّد المسيح في الثلاثينات من العمر حينما بدأ رسالته، فمعنى ذلك أنّه وُلد في الفترة ما بين سنة 4 إلى 7 قبل الحساب الميلاديّ، وهذا يناسب تمامًا التسلسل الزمنيّ.

■ خاتمة

تفاصيل الأحداث التاريخية والبيبليّة تُشير إلى أنّ المسيح وُلد في بيت لحم يهوذا وليس في بيت لحم الجليل. لقد غيّر ميلاد المسيح التاريخ إلى الأبد، إذ أسدل الستار عن العهد القديم وفتح أبواب العهد الجديد، وغيّر حياة الكثيرين في جميع أنحاء المعمورة – وما يزال. وانشقّ التاريخ بميلاده إلى قسمين ما قبل المسيح (ق. م) وما بعده أي الميلادي (م). دخل السيّد المسيح في تاريخ حياتنا حينما سُجّل اسمه في السجلاّت الرسمية بعد ثمانية أيام من ميلاده. فهو رأس سنواتنا لذلك نحتفل برأس السنة الميلاديّة... وندعو إلى الله أن تكون السنة الجديدة مباركة بإذنه تعالى! ونرجو للمحتفلين بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الشرقي ميلادًا سعيدًا ملؤه الخير والبركة!