موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٥ يوليو / تموز ٢٠١٩
إيماننا لا يشيخ!

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

في الأيام الماضية، وعبر موقع التواصل الاجتماعي الأشهر (الفيسبوك)، انتشر استخدامُ تطبيقٍ يُظهر صورتنا عندما نكبر في السنّ ونشيخ. تطبيقٌ لطيف قد يتحوّل إلى مدعاة للضحك من نفسنا ومن أصدقائنا الآخرين، ولكثرة استخدامه سخر البعض منه حتّى أنّه شبّه الفيسبوك هذه الأيام بدارٍ للمسنين!

ليس مقالنا هذا انتقادًا لمثل هذه الأمور، ولكننا نحاول، مثل كلّ مرّة، أن نستخرج معنىً مسيحيًا ممّا يشغلُ تفكيرنا ووقتنا لفترةٍ من الزمن وإن كان لأيامٍ معدودة.

يُعرف عن الإنسان محاولته الكشف عن مستقبله بشتّى الطرق، فهناك من يلجأ إلى قراءة الكفّ والفنجان ليتعرّف على هذا المستقبل الغامض الذي ينتظره، وهناك طرق أخرى كثيرة عُرِفت عبر الأزمان. وهذا التطبيقُ الافتراضي رغبةٌ في كشف الستار ولو عن جزءٍ صغير من مستقبلنا، وإن كانت دوافعه التسلية البريئة، إلاّ أنه يكشف هذه الرغبة العميقة التي طالما تقلقنا في الحاضر، وخصوصًا عندما نعاني من عدم استقرار اجتماعي بسبب الظروف!

ولكننا نؤمن، وهذا يجعل كلّ شيء مختلفًا! ومن أهمّ سمات إيماننا المسيحي أنه لا يشيخ لأنه يحملُ دومًا مفاجأةً غير متوقعة وأمورًا جديدة عن الله! فكلّ شيء قد يتعرّض لتقادم الزمن فيهرم ويشيخ إلى أن يموت، إلاّ الإيمان، فهو لا يموت بموتنا الجسدي، بل يبقى حيًا، كما يقول يسوع لمرتا لدى إقامة أخيها لعازر: "أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فإنه سيحيا، وكل من يحيا ويؤمن بي لن يموت إلى الأبد، أتؤمنين بهذا؟" (يوحنا 11/25). أنؤمن نحنُ بهذا؟

فإذا كان إيماننا بطبيعته لا يموت، فهو لا يشيخ أيضًا بل يبقى شابًا في القلوب التي تملكه والمنفتحة على جديد الله الدائم، فإيماننا حيّ ويستمدّ حياته من المسيح الحيّ القائم من الموت. ومن سمات حيويته أنه يُظهر لنا في كلّ مرحلة من عمرنا، في كل مرحلة جديدة وفي كلّ قرار حياة جديد، أبعادًا جديدة لم نعرفها من قبل عن إلهنا. وكلّ مرة نعتقد أننا فهمنا إيماننا، وأقفلنا باب المعرفة عليه، كلّما تحدانا أكثر وكشف لنا عن جوانب لم نتوقعها يومًا. وهذا التحدي يأتي غالبًا من خلال أحداث حياةٍ قاسية ومؤلمة، من خلال درب صليبٍ طويل، لكنه سيؤدي في نهايته إلى نور قيامةٍ جديد.

نعم، هكذا سيكون شكلُ وجهنا بعد عشرين أو أربعين أو خمسين عامًا، لا يهمّ أن يبقى جميلاً أو يصبح مشوّهًا، المهمّ أن يبقى إيماننا جميلاً ففيه أصلُ الجمال كلّه.