موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
العالم
نشر الأحد، ١٤ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
إميل أمين يكتب: الكاثوليكية الأمريكية والقضايا العربية والإسلامية

خاص بأبونا - إميل أمين :

<p dir="RTL">عرفت الولايات المتحدة الأمريكية على الدوان بأنها داعمة للقضايا المرتكزة إلى فهم إنجيلي بروتستاني للإيمان المسيحي، وليس في هذا إدانة أو تشكيك، إلا ما يتعلق بأفكار التيارات المسيحية المغرقة في اتجاهاتها اليمينية المتطرفة لاسيما المجموعات التي يطلق عليها بالخطأ &quot;الصهيونية المسيحية&quot;.</p><p dir="RTL">غير أن ما لا يعلمه الكثيرون هو قوة وحضور الكنيسة الكاثولوليكية في الداخل الأمريكي، وهو دور بدا واضحًا مؤخرًا، وبخاصة في ظل أزمة القدس وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعتبار المدينة المقدسة عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها... ماذا عن ذلك الحضور؟</p><p dir="RTL">المؤكد أن كاثوليك أمريكا اليوم (80 مليون تقريبًا) هم المجموعة الدينية الأكثر عددًا في البلاد، كما أن العقيدة الكاثوليكية آخذة في النمو في الداخل الأمريكي لا سيما مع وصول المكيسيكيين والمهاجرين من أمريكا اللاتينية.</p><p dir="RTL">والشاهد أن البابا الفخري للكنيسة الكاثوليكية بندكتس السادس عشر، قد أكد في كتابه &quot;هاكم هو إلهنا&quot; يؤكد على أن الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة الأمريكية، قد أصبحت &quot;إحدى القوى الموجهة في الكنيسة الشاملة&quot;.</p><p dir="RTL">خلال المجمع الخاص الذي عقد للبحث في شؤون الأمريكتين، قال أحد الكرادلة، إن هناك فرقًا كبيرًا يفصل بين التدين في أمريكا الشمالية، والتدين في أمريكا اللاتينية (الجنوبية)... <strong>ما هو هذا الفارق؟</strong></p><p dir="RTL">أمريكا اللاتينية لا تزال متأثرة بعمق بالمسيح المعذب <span dir="LTR">Nazaremo</span> <span dir="LTR">Le</span> في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية، المسيح هو المعلم <span dir="LTR">Didascalos</span> <span dir="LTR">Le</span> السيد الذى يعلم ويملى علينا ما يجب فعله، الأمر الذي ينتج عنه عقليتان مختلفتان، ولهذا فإن مسيحيو أمريكا اللاتينية المتدينون بعمق، الذين يصلون أفواجاً إلى الولايات المتحدة لا يشعرون بالراحة في كنيسة أمريكا الشمالية، التي وإن كانت كاثوليكية بالتأكيد، إلا أنها أخذت بعض ملامح &quot;البروتستانت&quot;، ومن هذه الملامح السهولة في إنتقاد السلطة الكنسية، يغذيها التعلق بالقيم الديمقراطية.</p><p dir="RTL">ولعله من أهم معالم الكاثوليكية الأمريكية أن مؤمنيها يحبون كنيستهم وهم متعلقون بها أكثر بكثير من تعلق العديد من الأوروبيين الشماليين بكنيستهم التي يتركونها عند أدنى عقبة.</p><p dir="RTL">فهي الولايات المتحدة الأمريكية، المبدأ الذى يقول &quot;أميركا هي وطني أعلى صواب كانت أم على خطأ&quot;، تنطبق أيضًا على الكنيسة: &quot;الكنيسة هي كنيستي، أعلى صواب كانت أم على خطأ&quot;، فالكنيسة ترتل في جوقة واحدة، وإذا ما أراد أحدنا أن يؤثر في مسيرتها، ينبغى له أن يبقى في الجوقة ويتابع الترتيل، وهذا ما يفسر أن الممارسة الدينية هي أرفع بكثير في الولايات المتحدة مما هى عليه في بعض بلدان أوروبا.</p><p dir="RTL">ولعل الحقيقة التي لابد الإقرار بها والتي أشار إليها الأب بيتر هانز كولفنباخ، الرئيس الأسبق للرهبنة اليسوعية والذي رحل عن عالمنا في 2016، عبر كتابه &quot;ضاحية الروح القدس&quot; هي أن الأمريكيين أحرار في كنيستهم أكثر من غيرهم، وذلك يعني أنهم يتحملون حيالها مسؤوليات أكبر، ووفاء أعمق، وكذلك توجهًا يقرب من الواجب، ليقولوا كلمتهم في شؤونها وليساهموا في بنائها.</p><p dir="RTL">يعني ما تقدم أن كاثوليك أمريكا غير مقيدي الأيادي بولاءات أيديولوجية سياسية أو بمواقف إيمانية مخترقة، بل هم جزء من كل، يجمع المؤسسة الكاثوليكية من أقصى المسكونة إلى أقصاها تحت كلمة الجالس سعيدًا على كرسي مار بطرس وفي هذا تتجلى فكرة &quot;الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>هل كان موقف الأساقفة الأمريكيين الكاثوليك من إشكالية القدس مؤخراً يصب في هذا الاتجاه؟</strong></p><p dir="RTL">الشاهد أنه غداة إعلان ترامب المثير للجدل بشأن القدس كان لهؤلاء موقف واضح سياسي يمضي على درب ونور الإيمان، الإيمان الكاثوليكي الواضح، غير الملتبس، أو المشوش، والذي يقرأ تبدلات وتحولات التأريخ في ضوء كلمة الله ورسالته للمؤمنين من مشارق الأرض ومغاربها.</p><p dir="RTL">لقد أبلغ الأساقفة الكاثوليك وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يتطلب مشاركة أمريكية حكيمة لبناء مستقبل أفضل لكلا الشعبين، كما قد يتعرض هذا المستقبل للخطر من جراء نقل السفارة.</p><p dir="RTL">وفي الرسالة عينها أكد أساقفة أمريكا الكاثوليك على رأيهم الذى أعلنوه منذ فترة بعيدة والمتمحور حول حتمية قيام دولتين، الأمر الذي ثبته البابا فرنسيس مؤخرًا بعد أن شدد عليه أحبار الكنيسة الرومانية الكاثوليكية قبل ذلك مراراً وتكراراً.</p><p dir="RTL">وفي لغة واضحة لا مداراة فيها ولا مواراة، ناشد الأساقفة وزير الخارجية الأمريكي، إبقاء السفارة الأمريكية لدى إسرائيل في تل أبيب بدلاً من نقلها إلى القدس.</p><p dir="RTL">وعند الأسقف كانتو أيضًا: &quot;أن نقل السفارة إلى القدس هو بمثابة الاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل غير المقسمة، وهو منطلق ينافي ويجافي ما ذهب إليه المجتمع الدولي الذي أقر بضرورة تحديد وضع القدس في إتفاقيات متبادلة بين إسرائيل وفلسطين&quot;.</p><p dir="RTL">ينطلق الأساقفة الأمريكيين الكاثوليك هنا من موقف وطني سياسي وإيماني مرة جديدة، بوصفهم أبناء بالمواطنة لأمريكا، وبالانتماء الروحي والديني للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وجل مخازفهم أن موقف ترامب سيقوض التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين، وهي الدولة التي عملت على الدوام على تقديم &quot;الريادة والدعم&quot; لعملية السلام.</p><p dir="RTL">وفي تعليقه على تعقد الأزمة يشدد الأسقف أوسكار كانتو، رئيس اللجنة الأسقفية الأمريكية للسلام والعدالة الدولية، &quot;على أن حل النزاع يتطلب مشاركة حاسمة ومستمرة للتغلب على خمسين عامًا من الصراع، ومن المظالم الفاضحة وأعمال العنف العشوائية&quot;، وفي هذا التصريح يكاد المرء يدرك أنه يقصد حتمية تصويب المسار الأمريكي، كي لا يفقد فرصة المشاركة الحقيقية البناءة في صناعة السلام، مشاركة أمريكا ولا شك، وقد بلغ إلى سمعه بالضرورة المواقف العربية والإسلامية التي اعتبرت أن الدور الأمريكي بعد قرار ترامب قد أنتهى مرة وإلى الأبد، وأن واشنطن قد فقدت دورها كوسيط نزيه محايد شريف في مفاوضات السلام بين الطرفين، إذ لا يتصور المرء أن تضحى بلد ما الخصم والحكم، القاضي والجلاد معًا.</p><p dir="RTL">تصريحات الأسقف كانتو الأخيرة وضحت إلى أي حد ومد تقف الكاثوليكية الأمريكية إلى جانب الحق الفلسطيني سيما في ظل سياسة القوة المطلقة التي تتبعها إسرائيل إذ أعتبر أن &quot;بعض الأعمال الإسرائيلية تقوض السلام وتهدد الوجود المسيحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى وادي الكريمزان بمنطقة بيت لحم، حيث تعيش ثمان وخمسين عائلة مسيحية بالقرب من دير الساليزيان والمدرسة.</p><p dir="RTL">يبدو صوت أمريكا الكاثوليكية اليوم تجاه الكثير من الأفعال الإسرائيلية، كصوت صارخ في برية اللاعدالة الدولية، والتماهي مع سياسات العسكرة واليد الطولى، اللغة الوحيدة التي تجيدها إسرائيل، بحماية من واشنطن.</p><p dir="RTL">خذ إليك على سبيل المثال تأكيد الأسقف كانتو للجدار الإسرائيلي في وادي الكريمزان، الذي يحد من حركة السكان ومن وصولهم إلى أراضيهم، ويفصلهم عن المؤسسات المسيحية، كما يشجعهم على الهجرة.</p><p dir="RTL">وعنده كذلك أن &quot;وادي كريمزان يرمز للعدد المقلق من الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم، فتوسيع المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وبناء الجدار الفاصل على الأراضي الفلسطينية ينتهك القانون الدولي ويقوض الحل الفلسطيني&quot;.</p><p dir="RTL">في التصريحات السابقة إشارة ضمنية إلى واحدة من أهم القضايا التي تؤرق الشرق الأوسط بمسلميه ومسيحييه في حاضرات أيامنا، أي قضية تفريغ الشرق الأوسط من مواطنيه المسيحيين، وفى هذا إخلال حضاري بالنسيج الاجتماعي العربي الذي عاش أربعة عشر قرنًا معًا، رغم تجارب النجاح أو الإخفاق كشأن كل أمر بشري.</p><p dir="RTL">تدفع إسرائيل، وفي الحقيقة دفعت إلا قليلاً، غالبية المسيحيين الفلسطينيين إلى مغادرة بلادهم، وهي تسعى إلى تهويد كل الأراضي المقدسة، وربما تفرح سرًا بكل تهجير يقع على المسيحيين العرب في الشرق الأوسط، لأن ذلك يجعل منها دول ذات طابع ديني، الأمر الذي يبرر وجودها واستمرارها ومطالبتها للعالم بأن يعترف بها كدولة يهودية تتحدث عن نقاء العرق والسلالة اليهودية.</p><p dir="RTL">وفي كل الأحوال يبقى مشهد الكاثوليكية الأمريكية منفتحًا على القضايا العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وحول العالم، وتبدو الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة قد تم بناؤها بالفعل بفضل تضحيات المؤمنين، مع ملاحظة أن الشبكة التربوية الكبرى التي تمتلكها في الداخل الأمريكي، مدارس إبتدائية وتكميلية، وثانوية عالية، وجامعات، تمنح الحضور الكاثوليكي الأمريكي، تأثيرًا مهمًا جدًا، ليس للمحافظة على الإيمان وحسب بل لتكوين قادة للبلاد، وقد رأينا بالفعل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية شابين من خلفيات كاثوليكية ينتظر أن يكون لهما دور في قيادة أمريكا في السنوات المقبلة: تيد كروز، أصغر عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي من ولاية تكساس، ومارك روبيون، عضو مجلس النواب الأمريكي الحالي.</p><p dir="RTL">على أن ما تقدم في واقع الأمر يطرح علامة استفهام: &quot;أين يكمن السر في نظر الذين هم غير أمريكيين، في أن حزبًا سياسيًا كاثوليكيًا لم ير النور بعد في الولايات المتحدة؟ ولماذا يبقى الكاثوليك في إطار النظام السياسي الثنائي الديمقراطي / الجمهوري، حتى ولو أنهم يشعرون بقربهم على ما يبدو من الديمقراطيين.</p>