موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٠ يونيو / حزيران ٢٠١٩
إغلاق كايسيد.. ردة في طريق الحوار والتسامح

إميل أمين :

على مدى سبع سنوات تقريبًا هي عمر مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين اتباع الاديان والثقافات في فيينا بالنمسا، شهد العالم شرقا وغربا، ومن كافة الاديان التوحيدية والشرائع الوضعية نهضة غير مسبوقة على صعيد تفعيل الحوار الجاد والفعال، وتقريب المسافات، وبلورة روح جديدة في سماوات اوروبا وآسيا وافريقيا بنوع خاص.

سبع سنوات تفاعل فيها كايسيد مع كافة الاطياف والاطراف العمرية والفكرية، وبنى جسور من المودات عبر برامجه الفاعلة، لا سيما بين الشباب وتعددت ندواته وحلقاته النقاشية، وتطورت آلياته الى برامج للزمالة تزخم الساعين في دروب الامل والعمل للمضي معا، وجمع المسؤولين الدينيين وبنوع خاص القائمين على التعليم في المؤسسات التعليمية الدينية.

لم يرفع مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي شعارات فاقعة، بل عمد الى تقديم النموذج الحي للتغيير الايجابي والخلاق، ومن دون اثارة القلاقل الفكرية من حول عناوين بعضها يسبب اشكاليات عوضا عن ان يحل معضلات، فهي تغير في طريق الخير، ومن دون طنطنة حول الخطاب الديني، والمفاهيم الملتبسة من حوله.

اختار كايسيد طريق الخيرين والمغيرين، وهذا امر لو تعلمون عظيم النفع والاهمية، لاسيما وانه يبسط خارطة من المودات بين العالم الاسلامي والمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي، أي انه يسعى في طريق ما يجمع لا ما يفرق، وما يشرح وليس ما يجرح.

مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز لا يقوم بوصاية توتاليتارية سعودية، لكنه يعبر خير تعبير عن ارادة جادة من المملكة في فتح مسارب الامل في جدران الياس، ارادة للانتصار بالخير والتلاقي على الارهاب والعنف الاعمى، ذاك الذي عانت منه ، والعالم من حولها في العقود الماضية.

ومن حسن الطالع ان مثل هذه الارادة التقت مع رغبة قوية من دول كبرى مثل اسبانيا، والنمسا، وبشراكة مراقب من حاضرة الفاتيكان، ما يضفي على المركز اهميته، ويضيف اليه رصانة في رؤاه وبرامجه الاستشرافية لخير البشرية.

محزن جدا ان تنتصر الاصوات الساعية الى القطيعة داخل النمسا تلك التي تطالب بسحب الاعتراف بالمركز على اراضيها، والامر ولاشك رجع صدى لا يتلكا ولا يتاخر لتصاعد نفوذ اليمين النمساوي خاصة، والاوربي عامة، وربما يكون في الامر بصورة او باخرى محاولة للهروب الى الامام من اشكاليات نمساوية جوهرية داخلية، ومن خلال تحميل اطراف لا قبل لها بالازمات المحلية بعبئها.

يعن لنا ان نتساءل هل خلط الاوراق بين ما هو داخلي وما هو خارجي لاسيما اذا كان موصول بدولة ذات سيادة مثل المملكة العربية السعودية، والتي لها قوانينها، واطرها الشرعية التي تسير على نهجها، يفيد في الحراك الانساني التقدمي، الذي يلعب كايسيد في القلب منه دورا اوليا ومشهود له؟

النمسا دولة ذات تاريخ عريق وصاحبة دبلوماسية راقية ورائقة، وقد عرفت طوال التاريخ الاوربي بحضورها المؤيد والمعضد لكل ما هو سلمي، ولكافة اوجه البر والتلاحم الانساني، وعليه تبقى هناك صدمة من ان يكلف البرلمان النمساوي وزير الخارجية بالعمل على حظر نشاط كايسيد على الاراضي النمساوية.

الوزير يتحدث عن الخطوات الواجب اتباعها لتنفيذ قرار الغلق على ان يتم التنفيذ دون الاضرار بمصالح السياسة الخارجية للنمسا، وضمن اطار القوانين الدولية. هل يسمح لنا معالي الوزير بتساؤل متواضع: لمصلحة من هذا الاغلاق، وهل بهذا الطريق انتم تدعمون قضايا حقوق الانسان عربيا وشرق اوسطيا، ام انه اغلاق يؤدي الى تفاقم المشكلات وتعميق الفجوات بين الامم والشعوب، وبصراحة تامة، بين العالم الاسلامي واوربا تحديدا؟.

معالي الوزير التيار والطرف الوحيد الذي سيسر ويبتهج بهذا الاغلاق حال حدوثه هو الجانب المتطرف، والذي سيحاجج بأن الاوربيين يطردون المسلمين من على اراضيهم، وان كافة دعوات تفعيل الحوار والجوار لا اهمية لها، ولا يوجد من يعطيها آذان صاغية، ما يعود بنا الى المربع الاول، مربع المواجهات ذات الجذور والاصول الطائفية والمذهبية، ما لن يفيد منه الا اتباع بن لادن وابو بكر البغدادي ومن لف لفهم.

وعلى جانب اخر لن يفيد قرار تحطيم الجسور وبناء الجدران، عبر اغلاق كايسيد الا دعاة اليمين الاوربي الشوفيني المتطرف، هولاء الذين ينقلبون على كايسيد اليوم، سوف يتناحرون داخليا في الغد، ما يعيد اوربا الى زمن الشوفينيات القاتلة والقوميات المتطرفة، ولم يعد مستبعدا ان نرى صراعات اهلية على الاراضي الاوربية، كما جرت المقادير في الحرب العالمية الثانية.

لن يعدم مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز أن يجد مقرًا جديدًا على الأراضي الاوربية او الاسيوية والافريقية ولن نقول العربية فقط، فالذين يؤمنون بالحوار والجوار، لا يزالوا كثر، والذين يسعون لرأب الصدع الانساني حول العالم يتكاثرون رغم دعوات الانعزالية والاحادية الذهنية، من سيخسر هو الجانب النمساوي، وخسارته ادبية اخلاقية، سيما وانه يطفئ "شمعة قيامة"، جديدة اشعلت على ارضه، في ليل الاصوليات والارهاب والعنف الذي ازعج العالم.

ليس البديل هو دعوة الامم المتحدة إلى إنشاء مركز حضارات بديل عن كايسيد، وأصدقك القول معالي الوزير، إن الهيئة الاممية لم تثبت نجاحات بعينها في هذا الاطار منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الساعة.

كايسيد شمعة مشتعلة لا تطفؤها.. وتاليًا تبداوا في لعن الظلام.