موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٩ يونيو / حزيران ٢٠١٨
إثيوبيا: ’دون بوسكو‘ والحياة السلمية بين المسيحيين والمسلمين

تقرير: كريستينا يوغوتشيوني ، ترجمة: منير بيوك :

يقول الأب أريستيد أريستيد ماركاندلي الساليزياني (53 عامًا): "في إثيوبيا، تعاني منطقة غامبيلا الواقعة على الحدود مع جنوب السودان من العديد من المشاكل منها الفقر، والتوترات العرقية العميقة، والنقص في الصناعة والبنية التحتية، لكن ليس بالعلاقة بين المسيحيين والمسلمين. لا يشكل الدين سببًا للانقسام هنا، فالتعايش بين المؤمنين هادئ"، وسأقول المزيد: "إنه أمر طبيعي، بمعنى أنه ليس موضوعًا للتفكير: إنه يحدث ببساطة. ونحن سعداء جد بذلك".

وصل الأب الساليزياني إلى إثيوبيا منذ 25 عامًا. عاش ضمن خمس إرساليات في مناطق مختلفة من البلاد. يعيش الآن في مدينة غامبيلا، عاصمة المنطقة التي يعيش فيها 350 ألف نسمة، 25 ألف شخص منهم من المسلمين. يبلغ الكاثوليك، الذين كانوا موجودين هناك حوالي عشرين عامًا، 25 ألف، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضًا المجتمعات المسيحية في الرعايا الثلاثة عشر في المنطقة المحيطة. غالبية السكان هم من البروتستانت والأرثوذكس. هناك أيضًا أربعة مخيمات للاجئين في المنطقة، تستضيف 400 ألف شخص فروا من جنوب السودان الذي مزقته الحرب.

- الأعراق

هناك خمس مجموعات عرقية رئيسية في منطقة غامبيل، جميعها من السكان الأصليين لوادي النيل. كما يوجد هناك مجموعات من الناس من مناطق أثيوبية أخرى ينتمون إلى مجموعات إثنية محلية. وحتى منذ عامين، كانت هناك بعض التوترات العنيفة التي نشأت عن أسباب سياسية أو اقتصادية (مرتبطة بملكية الأراضي). يكمل الأب أريستيد قوله: "نحن الإرساليون الساليزيانيون ملتزمون بدعم الروابط الطيبة بين المسيحيين والمسلمين وتشجيعها، إضافة إلى تعزيز العلاقات الهادئة بين المجموعات العرقية المختلفة. وتلعب المدرسة دورًا لا غنى عنه في هذا الإطار".

- المدارس

في غامبيلا، يقوم الأب أريستيد، كاهن الرعية، بالتنسيق بشأن كلية "دون بوسكو التقنية" بالتعاون مع اثنين من الإخوة. الكلية هي مؤسسة مهنية يتعلم فيها 150 شخصًا، كما هناك مدرسة أخرى تستقبل 720 طفلاً وشابًا يتراوح أعمارهم بين سبع سنوات وسبعة عشر عامًا. صار مكان التجمع، الذي يقدم أيضًا مدرسة كرة قدم شهيرة على مر السنين، نقطة تجمع لأكثر من 1500 شابًا وفتاة. يشير الأب أريستيد قائلاً: "جميع الأطفال والمدرسين في المدارس هم من المسيحيين والمسلمين، والعلاقات بينهم ممتازة. كما أن النظام التعليمي الساليزياني يشجع على الاندماج إضافة إلى احترام التنوع والقبول، مما يساهم في بناء ذلك التعايش المسالم بين مختلف المجموعات العرقية التي تشكل أولوية في إثيوبيا. فمن خلال الدراسة، واللعب، وممارسة الرياضة سويًا يتعلم الأطفال أن يحبوا بعضهم بعضًا وأن يحترموا بعضهم بعضًا ويكتشفوا أن الخلفيات العرقية المختلفة هي مصدر للثروة. إن الكنيسه الإثيوبية الكاثوليكية ملتزمة بمجملها بهذا الجهد التعليمي. تم أيضًا إطلاق برامج محددة مثل برنامج "العدالة والسلام" الذي يهدف إلى تعزيز العدالة والسلام بين الشباب".

- وقف الاتجار بالبشر

ويشارك السالزيان كذلك في الحملة ضد الاتجار بالبشر. في هذه المنطقة، لا تكون مغادرة المهاجرين كبيرة كما هو الحال في مناطق أخرى من إثيوبيا، ولكن الرغبة في ترك كل شيء والبحث عن عمل في الغرب قائمة بين الشباب. يقول الأب أريستيد: "نعمل على وقف الهجرة غير الشرعية من خلال الشرح للشباب الأخطار التي سيواجهونها خلال رحلتهم والصعوبات التي سيواجهونها بمجرد وصولهم إلى أوروبا. ونحاول من خلال التعليم تقديم تدريب جيد يتيح لهم العثور على وظيفة هنا".

- مخيمات اللاجئين

إن وصول الفارين من جنوب السودان بسبب العنف، والفقر، والحرمان أمر مثير للإعجاب في منطقة غامبيلا. يعمل السالزيان في مخيمات اللاجئين الأربعة حيث يقدمون المساعدة الروحية والتدريب. ويقدم مدرسو الكلية المهنية دورات مكثفة قصيرة (على سبيل المثال النجارة والميكانيك) للاجئين من أجل تمكينهم من البدء بأعمال تجارية صغيرة.

- العلاقات في اثيوبيا

فيما يتعلق بالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين في إثيوبيا، يقول الأب أريستيد: "يسود العيش بسلام في مناطق عديدة من البلاد، إلا أن ذلك ليس أمرًا مطلقًا. تم تسجيل عدة توترات في بعض المناطق في أوقات مختلفة. الحكومة حساسة بشكل خاص لهذه المسألة وتتدخل على الفور في كل مرة لتعزيز المصالحة. كما تعمل بشكل علني، من خلال وسائل الإعلام، لتشجيع التعايش السلمي. بالإضافة إلى ذلك، تجتمع السلطات بانتظام مع ممثلين من مختلف الديانات على المستويين الوطني والمحلي لمعالجة المشاكل المشتركة وإفهام السكان أن التعاون موجود وأنه ممكن. وإذا كان بإمكاننا القول إن التعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين هو هدف لم يتم تحقيقه بالكامل في بعض مناطق إثيوبيا بعد، إلا أن الوضع قد تحسن بشكل تدريجي على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية. لقد عمل المسيحيون والمسلمون بجد للتعرف على بعضهم البعض وتعلموا كيفية الالتقاء والعمل سويًا للتعامل مع المشكلات والتحديات التي تواجهها البلاد".

- مساعدة المسلمين

يقول الأب أريستيد، الذي لديه العديد من الأصدقاء المسلمين، إنه تلقى مساعدة في أكثر من مناسبة من أصحاب العقيدة الإسلامية؛ "على سبيل المثال، جرت دعوتنا منذ سنوات من طرف جماعة كاثوليكية صغيرة لفتح إرسالية في منطقة ذات أغلبية مسلمة. كانت السلطات المسلمة على وجه التحديد، التي كانت على معرفة باحتياجاتنا، هي التي منحتنا الأرض التي أقمنا عليها الكنيسة والبناء. لقد ترك هذا التعاون أثرًا كبيرًا".

- الصديق المسلم

من بين أصدقاء الأب أريستيد المسلمين كان هناك نوريه يسوفد. إنه يبلغ الثلاثين من عمره، ومتزوج وأب لطفل. يعمل سكرتيرًا في كلية دون بوسكو التقنية بعد أن يدرس علوم الكمبيوتر هناك. ويقول إنه كان يشعر دائمًا بالرضا، إنه محل ترحيب "كأحد أفراد العائلة" لأنه تجاوز عتبة المدرسة كطالب يبلغ من العمر الثامنة عشرة من العمر. "لم أعاني أبدًا من أي تمييز: لم يعان أي مسلم هنا. أحب في الواقع العمل مع السالزيان لأنني أشاركهم في مهماهم التي تتمثل في التعليم المتكامل للشباب وهو التعليم الذي يوفر لهم الوسائل التي لا يمكن الإستغناء عنها لبناء حياة جيدة. كما تقوم المدرسة بتنفيذ هذه المهمة من خلال مشاريع مثل "العدل والسلام" إضافة إلى "أوقفوا الاتجار بالبشر"، مما يخلق ثقافة ونجاح في إشراك عدد متزايد من المسيحيين والمسلمين. إنني مقتنع بأن مدرستنا، التي تستثمر في الشباب والشابات الذين غالبًا ما يلقي المجتمع عليهم بظلاله، تلعب دورًا استراتيجيًا في بناء التعايش السلمي. فالتعليم هو الأداة المميزة للتغلب على الرؤى الضيقة".

- التعاون

وحول موضوع العلاقات بين المسيحيين والمسلمين في غامبيلا، يختتم نورييه حديثه قائلاً: "هنا يسود مناخ من الاحترام المتبادل والقبول. إننا نعيش معًا دون مشاكل ونعمل في مجالات مختلفة من التعليم إلى الصحة إلى تعزيز دور الإنسان. علاقاتي الشخصية مع المسيحيين جيدة وودية. لدي العديد من الأصدقاء المسيحيين الذين نشأت معهم. أعتقد أن إثيوبيا هي واحدة من أكثر الدول تسامحًا في القارة الإفريقية، فبالكاد تقع توترات أو مصادمات لأسباب دينية. كمواطنين إثيوبيين، نحن فخورون بأمور كهذه".