موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
العالم العربي
نشر السبت، ٥ يناير / كانون الثاني ٢٠١٣
أمام طفل المغارة

المطران بطرس مراياتي :

فيما يلي عظة المطران بطرس مراياتي، رئيس أساقفة حلب وتوابعها للأرمن الكاثوليك، في عيد الميلاد 25/12/2012 - كنيسة الصليب المقدَّس بحلب:

نحتفل بعيد الميلاد، في هذا العام، على نحو ما يجب أن يُحتفَل به: تقشُّف وبَساطة، وزهد وحرمان...
هذا ما فرضته علينا الظروف المأسويَّة التي نعيشها، من جرّاء العنف والاقتتال والدمار وتدهور الحياة المعيشيَّة ونقص الموادّ التموينيَّة وفقدان الأمن والأمان...
عيدنا أصبح بلا فرح، وتلاشت الابتسامة عن شفاه الأطفال، وساد الظلام حولنا، كما في ليلة الميلاد، في انتظار إشراقة شمس الخلاص.
ولعلّ هذه إشارة منه تعالى، كيما نبتعد، في هذا العيد المبارَك، عن مظاهر البذخ والترف، والسهر والابتذال. كما يذكّرنا بذلك بولس الرسول في رسالته إلى تلميذه طيطُس: "فقد ظهرتْ نِعمة الله، ينبوع الخلاص لجميع الناس، وهي تعلّمنا أن ننبذ الكفر وشهوات الدُنيا لنعيش في هذا الدهر برزانة وعدل وتقوى" (2/11).
إنّه عيد ميلاد يسوع الحقيقيّ. فيه نشاركه أنواع الحرمان كلّها، إذ "لم يكن له موضع في المضافة"، ووُلد في "مغارة"، وأُضجع في "مذود"، وعانى البرد القارس والظلام الدامس والجوع الضارس، بلا تدفئة وبلا نُور وبلا طعام...
ولم ينقذه ويشفق عليه، في عتمات الليل، سوى رعاة كانوا "يبيتون في البرّيَّة، يتناوبون السهر في الليل على رعيّتهم. فحضرهم ملاك الربّ وأشرق مجد الربّ حولهم، فخافوا خوفاً شديداً. فقال لهم الملاك: "لا تخافوا، ها إنّي أبشّركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كلّه: وُلد لكم اليوم مخلِّص في مدينة داود، وهو المسيح الربّ. وإليكم هذه العلامة: ستجدون طفلاً مقمَّطاً مضجَعاً في مذود"... وجاؤوا مسرعين، فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجَعاً في مذود" (لوقا 2/8-17).
في هذا المساء، نحن أيضاً، نسرع إلى المغارة مع الرعاة ونسجد للطفل الإلهيّ، ثمّ نفتح له قلوبنا، ونشاركه همومنا، ونسأله أن ينقذنا من واقعنا الأليم، لأنّه هو المخلِّص، "المسيح الربّ"، كما قال عنه الملاك.
وحالنا يشبه حال الرُسُل يوم كانوا يعبرون إلى الشاطئ المقابل، حين هبّت عاصفة شديدة، وأخذت الأمواج تندفع على السفينة حتّى كادت تمتلئ. وكان يسوع في مؤخّرها نائماً على وسادة، فأيقظوه وقالوا له: "يا معلّم، أما تبالي أنّنا نهلك؟" فاستيقظ وزجر الريح والبحر... فسكنت الريح وحدث هدوء تامّ. ثمّ قال لهم: "ما لكم خائفين هذا الخوف؟ أإلى الآن لا إيمان لكم؟" (راجع مرقُس 4/35-41).
في هذا المساء نجثو، نحن أيضاً، أمام الطفل يسوع، ونرفع إليه شكوانا، ونقول له:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا بلا خبز؟
ويجيبنا يسوع:
- "أنا خبز الحياة. مَن يُقبل إليّ فلن يجوع"... (يوحنّا 6/35).
"أنا الخبز الحيّ الذي نزل من السماء. مَن يأكل من هذا الخبز يحيَ للأبد" (يوحنّا 6/51).
- "يا ربّ، أعطنا هذا الخبز دائماً أبداً" (يوحنّا 6/34).
- "الخبز الذي سأعطيه أنا هو جسدي أبذله ليحيا العالَم" (يوحنّا 6/51).
أما قرأتم في الكتاب: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان؟" (متّى 4/4).
"انظروا إلى طيور السماء كيف لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في الأهراء وأبوكم السماويّ يرزقها. أفلستم أنتم أثمن منها كثيراً؟" (متّى 6/26). ألم تتعلّموا أن تصلّوا: "أعطنا خبزنا كفاف يومنا؟" (لوقا 11/3). الخبز اليوميّ لن ينقصكم إذا كنتم قنوعين صابرين.
"لا تعملوا للطعام الذي يفنى، بل اعملوا للطعام الذي يبقى فيصير حياة أبديَّة" (يوحنّا 6/27).
"طُوبى لكم أيّها الجائعون الآن، فسوف تُشبَعون" (لوقا 6/21).
حينئذٍ، نقول له:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا بلا ماء؟
فيجيبنا يسوع:
- "أنا الماء الحيّ". "كلّ مَن يشرب من الماء (الطبيعيّ) يعطش ثانيةً، وأمّا الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا إيّاه فلن يعطش أبداً، بل الماء الذي أعطيه إيّاه يصير فيه عين ماء يتفجّر حياة أبديَّة" (يوحنّا 4/10-14).
- يا ربّ، أعطنا هذا الماء، لكي لا نعطش! (يوحنّا 4/15).
- يا بنيّ، مَن فَلَقَ الصخرة في الصحراء فأخرجت ماءً عذباً يروي العطاش، هيّن عليه أن يُمطر عليكم من جوده غيثاً وبرداً ويفجّر الينابيع ماء سلسبيلاً (راجع خروج 17/4-7).
لا تقلقوا، لن أترككم عطشى.
"فلا تهتمّوا فتقولوا: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فهذا كلّه يسعى إليه الوثنيّون، وأبوكم السماويّ يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذا كلّه. فاطلبوا أوّلاً ملكوته وبِرّه تزادوا هذا كلّه. لا يهمّكم أمر الغد، فالغد يهتمّ بنَفْسه. ولكلّ يوم من العناء ما يكفيه" (متّى 6/31-34).
حينئذٍ، نقول له:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا بلا نُور ولا كهرباء، وأنّنا نعيش في الظلام؟
فيجيبنا يسوع:
- "أنا نُور العالَم. مَن يتبعني لا يمشِ في الظلام، بل يكون له نُور الحياة" (يوحنّا 8/12).
"آمنوا بالنُور، ما دام لكم النُور لتصيروا أبناء النُور" (يوحنّا 12/36).
لا تخافوا، إنّ الظلام لن يقوى على النُور الذي فيكم. "لأنّ النُور يشرق في الظلمات ولا تدركه الظلمات" (يوحنّا 1/5). ويوقد السراج ويوضع على المنارة، "فيضيء لجميع الذين في البيت" (متّى 5/15).
فمنذ أن "خلق الله النُور وفصل بينه وبين الظلام" (تكوين 1/4)، ما زال حتّى اليوم "يُطلع شمسه على الأشرار والأخيار" (متّى 5/45). ولا يحقّ لأيّ إنسان أن يحجب عنكم ضوء الشمس في النهار وضوء القمر في الليل (راجع المزمور 121/6).
"أنتم نُور العالَم... هكذا فليُضئْ نُوركم للناس، ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجّدوا أباكم الذي في السموات" (متّى 5/14-16).
ونقول:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا فقدنا السلام وساد العنف والدمار؟
ويجيبنا يسوع:
- "السلام أستودعكم وسلامي أعطيكم. لا أعطي أنا كما يعطي العالَم. فلا تضطربْ قلوبكم ولا تفزع" (يوحنّا 14/27).
"طُوبى للساعين إلى السلام، فإنّهم أبناء الله يُدعون" (متّى 5/9).
"ولْيُسالِمْ بعضكم بعضاً" (مرقُس 9/50).
ألا تسمعون في سكون هذا الليل ما تردّده أجواق الملائكة: "المجد لله في العُلى! وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة"؟ (لوقا 2/14).
جئتكم رسول سلام لأسدّد خطاكم "لسبيل السلام" (لوقا 1/79). كما قال عنّي الأنبياء: "لأنّه قد وُلد لنا ولد، أُعطي لنا ابن، فصارت الرئاسة على كتفه، ودُعي اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً جبّاراً، أبا الأبد، رئيس السلام" (أشعيا 9/5).
فهنيئاً لكم إذا أحببتم الحقّ والسلام "لأنّ الرحمة والحقّ يتلاقيان، والبِرّ والسلام يتعانقان" (مزمور 85/11).
صالحوا بعضكم بعضاً (متّى 5/24).
"فإن تغفروا للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ، وإن لم تغفروا للناس لا يغفر لكم أبوكم زلاّتكم" (متّى 6/14-15).
ونتابع شكوانا ونقول:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا فقدنا الراحة والهدوء والطمأنينة؟
فيجيبنا يسوع:
- "تعالَوا إليّ جميعاً، أيّها المرهَقون المثقَلون، وأنا أريحكم. احملوا نِيري وتتلمذوا لي، فإنّي وديع متواضع القلب، تجدوا الراحة لنفوسكم. لأنّ نِيري لطيف وحِمْلي خفيف" (متّى 11/28-30).
"أنا الراعي الصالح، أعرف خرافي وخرافي تعرفني" (يوحنّا 10/14).
فأنا راعيكم، ولن يعوزكم شيء. في مراعٍ نضرة أريحكم. مياه الراحة أوردكم. وأنعش نفوسكم. وإلى سُبُل البِرّ أهديكم... لأنّكم وإن سرتم في وادي الظلمات لا تخافوا سوءاً لأنّي معكم (مزمور 23/1-4).
- نحن نعلم، يا يسوع "أنّنا خُلقنا من أجل الله، ولن يعهد قلبنا الراحة إلاّ فيه".
- سأفيض عليكم من روحي... "ويكون فِعْل البِرّ راحة وطمأنينة وهناءة للأبد" (أشعيا 32/15-17).
ونتابع السؤال:
- يا ربّ، أما تبالي أنّه لم يبقَ عندنا خمر، فعمّ الحزن وزال الفرح؟
فيجيبنا يسوع:
- "أنا الكرمة وأنتم الأغصان. فمَن ثبت فيّ وثبتُّ فيه فذاك الذي يثمر ثمراً كثيراً" (يوحنّا 15/5).
في الشدّة والضيق التجئوا إلى أُمّي مريم، فهي الشفيعة وهي الوسيطة عندي، ولا أردّها خائبة. وستكون المعجزة، ويصير، بقدرتي، ماؤكم خمراً، وينقلب حزنكم فرحاً (راجع يوحنّا 2/1-12).
"وما مِن أحد يسلبكم هذا الفرح" (يوحنّا 16/22).
"طُوبى للمحزونين، فإنّهم يُعزَّون" (متّى 5/5).
"الحقّ أقول لكم: ستبكون وتنتحبون، وأمّا العالَم فيفرح. ستحزنون، ولكنّ حزنكم سينقلب فرحاً" (يوحنّا 16/20).
"والذي يثبت إلى النهاية فذاك الذي يخلص" (متّى 10/22).
"طُوبى لكم أيّها الباكون الآن، فسوف تضحكون" (لوقا 6/21).
"اسألوا تنالوا فيكون فرحكم تامّاً" (يوحنّا 16/24).
ونقول:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا ضللنا الطريق ونسير نحو الهاوية؟
ويجيبنا يسوع:
- "أنا الطريق والحقّ والحياة..." (يوحنّا 14/6).
"مَن أراد أن يخدمني، فليتبعني" (يوحنّا 12/26). و"مَن أراد أن يتبعني، فليزهد في نَفْسه ويحمل صليبه كلّ يوم ويتبعني" (لوقا 9/23).
"ادخلوا من الباب الضيّق. فإنّ الباب رحب والطريق المؤدّي إلى الهلاك واسع، والذين يسلكونه كثيرون. ما أضيق الباب وأحرج الطريق المؤدّي إلى الحياة، والذين يهتدون إليه قليلون" (متّى 7/13-14).
لن أترككم تضلّون الطريق: أمضي في طلب الخروف الضالّ (متّى 18/12).
أبذل نَفْسي في سبيل الخراف، وأقودها إلى الحظيرة (يوحنّا 10/15-16).
"أنا الباب. مَن دخل منّي يخلص، يدخل ويخرج ويجد مرعى" (يوحنّا 10/9).
وهكذا لا يشاء أبوكم الذي في السموات أن يهلك واحد منكم (متّى 18/14).
أتيتُ لتكون الحياة لكم، وتفيض فيكم (يوحنّا 10/10).
ونقول له:
- يا ربّ، أما تبالي أنّ الله ابتعد عنّا وتركنا ونسينا؟
ويجيبنا يسوع:
- أنا اسمي "عمّانوئيل"، أي الله معكم (متّى 1/23).
"أنا والآب واحد" (يوحنّا 10/30).
"مَن رآني رأى الآب" (يوحنّا 14/9).
"إذا أحبّني أحد حفظ كلامي فأحبّه أبي، ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مقاماً" (يوحنّا 14/23).
يا أبنائي الأحبّاء، إنّ الله لا يبتعد عنكم أبداً لأنّكم "أبناء الله" ومنه وُلدتم (يوحنّا 1/12-13).
ربّما أنتم قد ابتعدتم عن الله! فعودوا إلى الله، و"توبوا، فقد اقترب ملكوت السماوات" (متّى 4/17).
"اطلبوا الربّ فتحيوا" (عاموس 5/6).
"اثمروا، إذاً، ثمراً يدلّ على توبتكم" (متّى 3/8).
وادعوا الناس إلى التوبة (مرقُس 6/12).
وأعلنوا باسمي التوبة وغفران الخطايا (لوقا 24/47).
يا أبنائي، ثمّة أرواح شريرة لا تخرج "إلاّ بالصلاة والصوم" (متّى 17/21). فصلّوا وصوموا، إذاً، "من غير ملل" (لوقا 18/1).
"اسألوا تُعطَوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتَح لكم" (متّى 7/7).
أتنسى الأمّ رضيعها، فلا ترحم ابن بطنها؟ حتّى ولو نسيت النساء أولادها فالله لا ينساكم. وها هو ذا على كفّه نقشكم (أشعيا 49/15-16).
حينئذٍ نقول:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا نعاني العنف والخطف والقتل والموت؟
فيجيبنا يسوع:
- "أنا القيامة والحياة. مَن آمن بي، وإن مات، فسيحيا وكلّ مَن يحيا ويؤمن بي لن يموت للأبد" (يوحنّا 11/25-26).
"طُوبى للمضطهَدين على البِرّ، فإنّ لهم ملكوت السموات. طُوبى لكم إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كلّ كذب من أجلي. افرحوا وابتهجوا: إنّ أجركم في السموات عظيم، فهكذا اضطهدوا الأنبياء من قَبْلكم" (متّى 5/10-12).
أقول لكم: "أحبّوا أعداءكم وصلّوا من أجل مضطهِديكم" (متّى 5/44).
"أحسنوا إلى مبغضيكم، وباركوا لاعنيكم" (لوقا 6/27-28).
"إذا أبغضكم العالَم فاعلموا أنّه أبغضني قبل أن يبغضكم... ما كان الخادم أعظم من سيّده. إذا اضطهدوني، فسيضطهدونكم أيضاً!" (يوحنّا 15/18-20).
"بل تأتي ساعة يظنّ فيها كلّ مَن يقتلكم أنّه يؤدّي لله عبادة" (يوحنّا 16/2).
أقول لكم هذه الأشياء "ليكون لكم بي السلام. تعانون الشدّة في العالَم، ولكنْ ثقوا، إنّي قد غلبت العالَم" (يوحنّا 16/33).
فنقول:
- يا ربّ، أما تبالي أنّنا فقدنا الأمل وانتابنا اليأس؟
ويجيبنا يسوع:
- "أنا الألف والياء، البداية والنهاية" (رؤيا 21/6).
"لا تخفْ أيّها القطيع الصغير" (لوقا 12/32).
"لن تُفقَد شعرة من رؤوسكم" (لوقا 21/18).
"أين إيمانكم؟" (لوقا 8/25).
هنيئاً لمَن لا يفقد إيمانه بي (متّى 11/6).
"ثقوا بي، أنا هو" (متّى 14/27). "لا تضطرب قلوبكم" (يوحنّا 14/1).
"لن أترككم يتامى" (يوحنّا 14/18).
"إنّ الروح القُدُس يؤيّدكم... وهو يعلّمكم جميع الأشياء، ويذكّركم جميع ما قلته لكم" (يوحنّا 14/26).
"وصيّتي هي: أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم... ما أُوصيكم به هو: أحبّوا بعضكم بعضاً" (يوحنّا 15/12-17).
كونوا راسخين في إيمانكم، ثابتين في رجائكم "إنّكم بثباتكم تكتسبون أنفسكم" (لوقا 21/19).
"لا تخافوا!" (يوحنّا 6/20). "وهاءنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالَم" (متّى 28/20).

* * *

هذه بعض من الكلمات التي يوجّهها إلينا الطفل يسوع في هذا العام، في ذِكرى ميلاده. وهو الذي عانى مثلنا ما نعانيه اليوم، وربّما أكثر، من البرد والجوع والعطش والمرض والذلّ والخوف والفقر والرفض والاحتقار والاضطهاد والحقد والعنف...
ولكنْ، ثمّة عائلات وأفراد أكثر منّا احتياجاً، ولا يحقّ لنا أن "نغلق أحشاءنا" عنهم في هذا العيد. فماذا ينفع إيماننا إن لم يقترن بالأعمال؟ (راجع يعقوب 2/20).
ولذلك نعود إلى يسوع المضجَع في مذود، وهو الذي "افتقر لأجلنا" (2قورنتُس 8/9). ونقول له:
- عفوك، يا يسوع، كم كنّا أنانيّين في شكوانا، ولم نكترث إلى وضعك. فماذا نستطيع أن نفعل من أجلك؟
ويجيبنا:
- الحقّ أقول لكم: كلّما تصنعون شيئاً من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي تصنعونه: أطعموا الجائع، اسقوا العطشان، آووا الغريب، اكسوا العريان، عودوا المريض، زوروا السجين (راجع متّى 25/31-46).
"إن لم ترجعوا فتصيروا مثل الأطفال، لا تدخلوا ملكوت السموات. فمَن وضع نَفْسه وصار مثل هذا الطفل، فذاك هو الأكبر في ملكوت السموات. ومَن قَبِل طفلاً مثله إكراماً لاسمي، فقد قَبِلني أنا" (متّى 18/3-5).
"إيّاكم أن تحتقروا واحداً من هؤلاء الصغار. أقول لكم إنّ ملائكتهم في السموات يشاهدون أبداً وجه أبي الذي في السموات" (متّى 18/10).
"ومَن سقى أحد هؤلاء الصغار، ولو كأسَ ماءٍ باردٍ لأنّه تلميذ، فالحقّ أقول لكم إنّ أجره لن يضيع" (متّى 10/42).

* * *

ونغادر المغارة وقد غمرنا فرح باطنيّ صافٍ، ما شعرنا به في سائر السنوات والأعياد الميلاديَّة. لقد عشنا سرّ الميلاد في حقيقته، حيث يلتقي سرُّ التجسّد سرَّ الفداء، وتلتقي خشباتُ المذود خشبتَي الصليب.
فلم يكن الله في قلبنا وحسب، بل كنّا "في قلب الله".
"كلّ لقاء مع يسوع المسيح يبدّل المفاهيم، ويوسّع البصيرة، ويحيي الأمل، وينعش الرجاء، لأنّه يفتح آفاقاً جديدة، ويوقظ الثقة بالله في نَفْس مَن يلقاه".
ونبتعد عن المغارة في سكون الليل مسبِّحين مهلِّلين.. ونعود إلى بيوتنا، وصدى كلام يسوع يتردّد في أعماقنا مفعَماً بالأمل والصبر والثبات والفرح، متحدّياً أزيز الرصاص ودويّ المدافع:
- "اثبتوا في محبّتي. إذا حفظتم وصاياي تثبتون في محبّتي... قلتُ لكم هذه الأشياء ليكون بكم فرحي، فيكون فرحكم تامّاً" (يوحنّا 15/9-11).