موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
ألم يحن الأوان لتشكيل تجمع سياسي واحد لمسيحيي العراق؟

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

إنه تساؤل جاء طرحُه بعد تأمل معمق في الواقع العراقي، ليعرض كمجرّد فكرة، مستمدةٍ من مبدأ أن حياة الفرد والجماعة تصنعها أفكار، يعرضها اشخاصٌ بهاجس الضمير والحرص، فتجتمع فوائدُها لدى الكثير من المعنيين، ومن ذلك الحديث عن الحضور المسيحي.

من هذا المنطلق أوجه الى المسيحيين العراقيين في الداخل والخارج، بعض الافكار، على ضوء الاحداث المقلقة التي يعيشها العراق، وبمناسبة السنة الجديدة 2020، راجيًّا ان تجد اذاناَ صاغيةَ وارادةً طيبةً لتحقيق شيء ملموس للمِّ شملهم.

يمتاز المواطنون المسيحيون باندماجهم الكامل، والمتواصل على مختلف الأزمان، في المجتمع العراقي. ولا غرابة فإن جذورهم ضاربةٌ في هذه الأرض المباركة، منذ ما قبل المسيحية وبعدها. ويُعدّون من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم. مسيحيتهم تعود الى نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلادي. من المؤسف أنه مرت على العراق منذ 2003 تحولات عديدة، وفرَّت فرصاً قلما استثمرها المسيحيون، وها هم اليوم أمام تحدٍ كبير هو: كيف السبيل لإبقاء المسيحيين في العراق مع تحقيق الكرامة لهم، وتعزيز حضورهم ودورهم، وخصوصا ان العراق مقبل على انتخابات مبكرة؟

أسأل مسيحيينا وبخاصة النخبةَ منهم: أما حان الاوان ان يفكروا مليّا بمراجعة أنفسهم، وتحمّل المسؤولية للمّ شملهم، وهم يواجهون تحدّيات مصيرية متمثلةً بجملة عوامل من: تناقص العدد بسبب الهجرة والتهميش في التوظيف، وضعف التمثيل السياسي بسبب خطف الكوتا، وتشتت الاحزاب الكلدانية والسريانية والآشورية، وتغيير ديمغرافية مناطقهم التاريخية، والتشريعات المجحفة بحقهم، وغيرها وصولا إلى اهمية تعديل الدستور وإصلاح قوانين الاحوال الشخصية. إنها مسائل أساسية لبقائهم وتواصلهم التاريخي.

ويبقى التساؤل الذي يحزّ في النفس: لماذا يا ترى تبقى الاحزاب المسيحية تحت رحمة الأحزاب الكبرى التي تستحوذ على أصوات المسيحيين، وتجعلهم من دون تمثيل حقيقي، وقيادة سياسية موحّدة تدافع عنهم؟

ويرى أكثُر من مراقب أن ثمة فرصة ممتازة ان يفكر المسيحيون بتشكيل تحالف سياسي واحدٍ يضم كل الأحزاب والنخب الفكرية والاختصاصات والاقتدارات وبخاصة الشباب، ولنا متخصصون وأكاديميون بارزون في القانون والسياسة وعلم الاجتماع والاقتصاد والاعلام، بدل تشتت الأحزاب المسيحية والقومية وانشقاقها عموديا وافقيا، وللنقص في ” الوجاهة” يدّعي كل طرف المرجعيّة.

ولعله أصبح لزاما الآن قبل فوات الأوان، التفكير والتخطيط لاستراتيجية مسيحية موحدة، تخرج منها وثيقة يلتزم بها الكل تحت اسم مثل”تجمع الاحزاب المسيحية”، او التحالف المسيحي أو تحت اي مسمى يتفقون عليه، تنخرط فيه الأحزاب الموجودة والنخب والكفاءات. فالأحزاب الأكثر تباينا، تتحالف أمام التحدّيات، تحت مسميات مشتركة… ومثل هذا التحالف يعطي دفعاً قوياً للمسيحيين في دوائر صنع القرار. ويدخلون في انتخابات مجلس نواب المركز واقليم كردستان بقائمة واحدة مدروسة جيداً، من الكفاءات التي لها نفَس وطني ومسيحي واضح وصريح، ومعروفة بالنزاهة والشجاعة، ممن هم بمستوى المسؤولية الوطنية والمسيحية، ويعدّون ورقة بمطالبهم وحقوقهم.

لماذا التسميّة المسيحية؟ لأن بصراحة، ولأسباب متباينة لا مجال للخوض فيها، فشلت كل المحاولات لتوحيد المسيحيين في تسمية قومية واحدة مقبولة من الجميع. والتسمية المركـّبة غير موفقة ولا توحدنا. أما يجدر بالأحرى أن نترك اختلافاتنا، وليتبع كل واحد قوميته وتقاليده وكنيسته: الكلداني والسرياني والاشوري والارمني، وهذا ليس مشكلة، لكن ليكون له وعي وجدية في انتمائه وانفتاحه على التوحيد والعمل الجماعي، وتحمل مسؤوليته تجاه العراق والمسيحيين.

■ الأولويات في المركز واقليم كردستان

1- الدولة الوطنية المدنية والديمقراطية، هي المعيار الأساسي لحماية المواطنين وضمان الحقوق المتساوية للجميع عبر الدستور والقوانين، لذا من الضروري تشكيل لجنة من المتخصصين في القانون والسياسة يعرفون الجوانب القانونية، للعمل مع الآخرين على أداة صياغة الدستور والقوانين، في المركز واقليم كردستان، وتثبيت حقوق المسيحيين في الدستور، كتعديل قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بالمسيحيين من خطبة وزواج ونفقة وبطلان زواج ومهر وحضانة وارث وسواها (قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959)، وتثبيت عيد الميلاد وعيد الفصح كعيدين لكل العراقيين، أسوة بعشرات اعياد المواطنين المسلمين، وخصوصا ان بعض البلدان اقرتهما عطلة رسمية واخرها كان السودان! وهنا اشير الى سهولة العمل مع المجتمعات الكردية التي بمجملها منفتحة، فالتميّز هناك هو أن الجانب القومي يطغى على جانبها الديني.

2–بناء المناهج التعليمية لترسيخ الوحدة الوطنية وإدراج تراثنا فيها بشكل صحيح بكونه جزءٌ من التراث الوطني العراقي. وعلى سبيل المثال لا الحصر ان الدستور العراقي لعام 2005 أهمل دورنا في صنع حضارة بين النهرين وما قام به أجدادنا في نقل المعرفة والعلوم الى اللغة العربية.

3–تغيير ديموغرافية مناطقنا، والاستيلاء على أراضي، وهنا ينبغي التركيز على بلدات سهل نينوى، فمستقبل مسيحيي العراق يمر بسهل نينوى.

4- الحدِّ من الهجرة بايجاد اموال بكل السبل لبناء المرافق الأساسية في مناطقنا وتطويرها وايجاد فرص عمل للعاطلين، وتشجيع مغتربين على الاستثمار أو الإسهام في المشاريع.

5- الحاجة الى وسائل اعلام مستقلة، ومؤسسات في الداخل والخارج.

6– تشكيل فريق متابعة شؤون المسيحيين في دوائر الدولة، لأن هنالك خللا كبيرا في المتابعة، ولولا كنائسنا لضاع شعبنا وحقوقنا!! ولا بدّ أن نبدي ارتياحنا، الى توجهات تمضي في هذا الشأن من لدن الرئاسات الثلاث في المركز والاقليم.

7– تقوية العلاقات مع مواطنينا العرب والأكراد والتركمان والايزيديين والصابئة المندائيين، وتطويرها وتوضيحها، والسعي للاتفاق معهم على مفاهيم دستورية مشتركة للدولة والمواطنة، ولمكانة الاقليات الاصيلة في الدولة والمجتمع، وحفظ حقوقهم سواسية من خلال تأسيس دولة مدنية عادلة، دولة حق وقانون.

وأخيراً، من طرفنا ككنيسة، نحن مستعدون ان ندعم تحقيق كذا لقاء شامل اذا كانت ثمة ارادة صادقة وجهات أو اشخاص جديين ورزينين راغبين في انعقاده.

سنة مباركة، سنة سلام وامان واستقرار