موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
«البربارة».. طبق فلسطيني يحمل اسم قديسة ويخلد ذكراها

عابود - أ ف ب :

يحتفل المسيحيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعيد القديسة بربارة في 17 كانون الأول من كل عام، في تقليد شعبي يعدون خلاله طبقا يحمل اسمها قبل أن ينطلقوا في مسيرة إلى مقامها في قرية عابود غرب مدينة رام الله.

وتنهمك الفلسطينية مريم سالم في تحريك القمح المقشر وهو المكون الأساسي لطبق «البربارة»، في قدر كبير وضعته على النار لتضيف إليه باقي المكونات قبل أن يصبح جاهزا ليقدم للضيوف الذين يحيون ذكرى وفاة القديسة. وتفيد الروايات المحكية أن القديسة بربارة هربت من قصر والدها الوثني صاحب النفوذ إلى فلسطين بعد اعتناقها المسيحية واختبأت في أحد حقول القمح حيث حمتها سنابله من جنود والدها.

وفي مطبخ قاعة الروم الأرثوذكس وسط القرية تتعاون النسوة في إعداد «البربارة» ويضفن إلى القمح اليانسون المطحون والشومر والقرفة واللوز والزبيب والسكر.

وتقول مريم (62 عاما) إن تحضير الطبق الشعبي يمر بمراحل، أولها نقع القمح قبل يوم.

وتضيف «بعد نقعه يصبح جاهزا للطبخ، نبدأ بسلقه ونضيف إليه باقي المكونات تدريجا ونستمر في التحريك إلى أن تمتزج المكونات جيدا وتصبح ذات قوام متماسك نوعا ما».

وتختلف الروايات حول القديسة بربارة المولودة في نقوديميا في آسيا الوسطى، بشأن مكان هروبها من والدها في حادثة وقعت في القرن الثالث الميلادي.

ويشير راعي كنيسة الروم الأرثوذكس في قرية عابود الأب عمانوئيل عواد إلى أن بعض الروايات تتحدث عن هروبها إلى القرية في حين تتحدث روايات أخرى عن وصولها إلى مدينة بعلبك اللبنانية.

لكن الكتب الكنسية التي توثق السير الخاصة بالقديسين والتي يطلق عليها «سنكسار»، «لم تدون إلى أين هربت القديسة بالضبط».

وتحتفل الكنائس التي تتبع التقويم الغربي بعيد القديسة بربارة في الرابع من كانون الأول من كل عام.

وتبدأ احتفالات العيد قبل غروب شمس في 16 كانون الأول، فتقام صلاة خاصة بالقديسة بربارة في كنيسة رقاد العذراء وسط القرية، قبل أن يسير رجال الدين والأهالي في مسيرة كشفية، يقرع خلالها أعضاء الكشافة الطبول ويعزفون المقطوعات الموسيقية.

وتمر المسيرة بشوارع القرية التي تمتد على جوانبها أراض زرعت بأشجار الزيتون والصبار لتصل صعودا إلى مقام القديسة الذي يقع على تلة صخرية تشرف على ساحل المتوسط.

ويقول الأب عمانوئيل «نصعد إلى المقام بمسيرة تليق بمكانة القديسة وعظمتها كشهيدة تعلمنا منها الثبات والإيمان». عند المقام، يتجمع الأهالي والزوار وينتظرون خروج رجال الدين منه ليدخلوه ويضيئوا الشموع.

ويتكون المقام من ثلاث غرف، تحوي الوسطى منها بقايا أساسات كنيسة بدأ العمل على إعادة تشييدها.

وتفيد الرواية إن والد القديسة بربارة الثري والمتنفذ تمكن بعد سنوات عدة على هروبها من إيجادها، ويعتقد أنه قتلها بقطع رأسها قبل أن يدفنها في الموقع.

ولإحياء عيد القديسة بربارة، هدف اجتماعي أيضا. ويقول الأب عمانوئيل «هذا يوم وطني في عابود، نؤكد خلاله الانتماء للارض وللقديسين».

ويشير راعي الكنيسة إلى محاولات إسرائيلية للسيطرة على الموقع وضمه، لكن مسيرات سلمية خرج بها أهالي القرية المسلمون والمسيحيون حال دون ذلك.

تصل نورة خوري إلى مطبخ قاعة الروم الأرثوذكس لتساعد في إعداد البربارة، تتحرك بين السيدات بنشاط وخفة ظل ملحوظة، تضحك وتروي للموجودين قصة العيد والطبق.

وخلال حديثها تردد نورة مثلا شعبيا يتعلق بعيد البربارة، فتقول «في عيد البربارة يأخذ النهار من الليل أخباره»، أي يطول النهار على حساب الليل.

ويجد طبق البربارة مكانه على موائد المسيحيين والمسلمين في مناسبات أخرى.

ويشير الباحث في التراث الفلسطيني حمزة العقرباوي إلى تحضير البربارة عند تسنين الأطفال وبعد صيام الأيام الستة من شوال عند المسلمين.

ويقول حمزة «البربارة طقس شعبي يمارسه الفلاحون الفلسطينيون منذ أكثر من 2000 عام» منوها إلى اشتراط توزيعه على الأهل والجيران في المناسبات الثلاث. ويشير أيضا إلى ارتباط البربارة بالتقويم الزراعي الفلسطيني وهو نجم في السماء يظهر في أوائل كانون الثاني، ويعتبر ظهوره نهاية موسم زراعة الشعير الذي لا يحتمل الطقس البارد.

ويرجح حمزة أن اسم القديسة مقتبس من فعل كانت تقوم به، مقسما الاسم إلى قسمين هما بر بمعنى القمح وبارة أي البر والتسامح.

ويقول حمزة «أعتقد أن القديسة لم يكن اسمها بربارة وأن الاحتفال إنما إحياء لذكراها من خلال فعل كانت تفعله وهو الإحسان بتوزيع القمح على المحتاجين».

وتشير الروايات المنقولة إلى أن القديسة أكلت القمح أثناء اختبائها من أبيها وأنها كانت توزعه على الفقراء أيضا.

ويرمز القمح بحسب الأب عمانوئيل إلى الشهادة.

وينزل رجال الدين وأهالي عابود من مسيحيين ومسلمين بعد غروب الشمس من المقام، متوجهين إلى قاعة الروم الأرثوذكس، فتكون أطباق البربارة والقهوة العربية بانتظارهم ليستكملوا الاحتفالات.

أما القداس الرسمي الخاص بالقديسة فيقام صبيحة 17 كانون الأول.